حالياً، هنالك العشرات وربما المئات من مراكز الابحاث في الغرب التي تركز على دراسة ظاهرة وجود جماعات ارهابية عابرة للحدود مصدرها ومجالها الحيوي في الاستقطاب هو العالمان العربي والاسلامي.
بعض هذه المراكز يميز بين التنظيمات الإسلامية المسلحة ولا يصنفها جميعها كحركات إرهابية، والبعض الاخر يعتبر جميعها تنظيمات ارهابية سواء كان نشاطها المسلح محصوراً في منطقة جغرافية محددة وله دوافع محلية مثل "حماس" و"حزب الله" أو عابرا للأقاليم والقارات مثل "القاعدة" و"داعش".
انتشار هذا الكم من المراكز لا يرتبط فقط بالخطر الحقيقي الذي تشكله الجماعات الارهابية العابرة للقارات على سلامة الدول، ولا برغبة بعض الدول في وصم خصومها بالإرهاب لتشريع تصفيتهم، ولكن ايضاً بمئات الملايين التي تصرفها الدول الغربية على "مكافحة الارهاب" والتي نتج على اثرها "بزنس" مهم يعمل فيه اليوم الآلاف من الباحثين ومساعديهم.
أحد أهم أهداف هذه المراكز وربما هدفها اليتيم أحياناً هو معرفة الأسباب التي تدفع الآلاف من الشباب المسلم للانضمام لجماعات ارهابية.
عند الحديث عن الاسباب يبرز دوما الى السطح ذلك التركيز على الفكر الاسلامي لبعض الدعاة أو لبعض المفكرين الاسلاميين التاريخيين مثل ابن تيمية أو المعاصرين مثل سيد قطب، وعلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي السيئ الذي يعيشه عشرات الملايين من المسلمين، وعلى ايران بسبب مساعدتها لتنظيمات وحركات إسلامية مسلحة في لبنان وسورية والعراق واليمن.
كل مركز بحثي وبناءً على مصدر تمويله يحاول تعظيم بعض الأسباب وتقزيم أهمية أسباب أخرى حتى لا يُغضب الممول.
مراكز الابحاث الغربية التي تتلقى تمويلها مثلاً من مؤيدين لإسرائيل لا يهمها الا العمل على إقناع العالم بأن الاحتلال لفلسطين لا علاقة بالإرهاب العالمي، وبالتالي يتم تعظيم دور "الايديولوجيا" كعامل حاسم في انضمام بعض الشباب المسلم الى هذه الجماعات.
على اية حال، بينت دراسات قام بها باحثون عرب درسوا خلالها مئات الحالات ممن انضموا لتنظيمي داعش والقاعدة أن المستوى التعليمي والوضع الاقتصادي والايديولوجيا للملتحقين بهذه الجماعات لا علاقة له او أن علاقته ضعيفة الى حد ما بنزوع البعض للانضمام للجماعات الارهابية.
ما يهمني هنا ليس بيان لماذا يلتحق البعض بهذه التنظيمات، ولكن بيان غياب أسباب مهمة للبحث عن أجندة الباحثين قد تكون الاسباب الحقيقية التي تدفع الآلاف من العرب والمسلمين للالتحاق بهذه الجماعات.
لدي هنا أربعة أسباب قد تفسر حجم الغضب الذي يعتمر قلوب عشرات الملايين من العرب والمسلمين، والتي قد تدفعهم للتفكير في تبني أفكار متطرفة وتحويلها الى أفعال اذا توفرت لهم الفرصة في ذلك.
أكذوبة الدفاع عن الديمقراطية: كل عربي ومسلم يدرك أن الغرب لديه ازدواجية في المعايير فيما يتعلق بدفاعه عن الديمقراطية عندما تتعلق المسألة بهم. وهم يتذكرون أن بعض الغرب إما شارك في دعم انقلابات عسكرية على جماعات سياسية ودينية منتخبة محلياً من شعوبها وإما صمت على انقلابات عسكرية عليهم ولاحقاً تعاون مع المنقلبين وكأن شيئاً لم يكن.
الجماعات الارهابية التي تستهدف الغرب تقول في أدبياتها بأن الغرب لن يقبل طوعاً نجاح تيار اسلامي في انتخابات سلمية، ولأن هذا هو حال، لا فائدة من النشاط السياسي السلمي كله لأنه لا يؤدي الى التغير المنشود كما بينته التجربة التاريخية الحديثة في أكثر من بلد عربي خلال العقدين الماضيين.
أكذوبة الدفاع عن حقوق الإنسان: هنالك قناعة عند العرب والمسلمين بأن الغرب كثير النفاق في كل القضايا التي تتعلق بحقوق الإنسان في بلادهم، وأن المصالح الأمنية والاقتصادية واسرائيل أهم بكثير لدى الغرب من حقوقهم الإنسانية. بعض الدول في الشرق الأوسط سجونها فيها الآلاف من المعتقلين السياسيين ولكن لا أحد يسمع من غالبية الدول الغربية كلمة واحدة عن حالة حقوق الإنسان. الملايين في إحدى دول المنطقة في مجاعة، لكن الكثير من الدول الغربية تفضل إغلاق عيونها وادارة ظهرها للمشكلة الانسانية، حتى لا تضطر لوقف صادراتها من السلاح لحلفائها.
الغرق في غرام إسرائيل: الكل في العالمين العربي والإسلامي يدرك بأن غالبية دول الغرب تتعامل مع إسرائيل كما لو أنها بقرة مقدسة يحق لها أن تلقي بروثها أينما تريد وعلى من تريد.
لا أحد يحاسبها على جريمتها المستمرة منذ نصف قرن في احتلال واذلال وقتل الفلسطينيين أو على استمرار احتلالها للجولان السوري أو على اعتداءاتها المستمرة على لبنان وسورية أو حتى عندما تقوم بعمليات اغتيال لخصومها خارج حدودها. الجميع يرى ذلك ويشعر بأن إسرائيل تستمد قوة عربدتها من أميركا أولاً، ومن ثم من دول أوروبية عديدة.
تجاهل المسؤولية عن وجود جماعات ارهابية وعن جرائم ارتكبت باسم الحرب على الارهاب: ايضاً يرغب الباحثون الغربيون في تجاهل حقيقة يعلمها غالبية العرب والمسلمين وهي أن الغرب هو من أعلن "الجهاد الاسلامي" وسلحه وموله خلال الحرب الباردة عندما كان هذا الجهاد موجهاً ضد الاعداء "السوفييت" في أفغانستان. وأن احتلال العراق كان سبباً محورياً في زيادة قوة تأثير الجماعات الارهابية على جزء من الشباب. وأن هذا الغرب لم يتعب بعد من الاستمرار في نفس السياسة وقام بتكرارها في ليبيا وسورية للإطاحة بأنظمة لا يتفقون معها.
في نفس الوقت، هنالك تجاهل لحقيقة أن قتل الآلاف من المدنيين العرب والمسلمين خلال حملة "الغرب" على الإرهاب هي أيضا سبب جوهري في تعزيز الجماعات الإرهابية وتقوية شوكتها.
الكل في الغرب يبحث في "النص القرآني" لعله يجد سبب ظاهرة الارهاب فيه أو في قدرة التنظيمات الإرهابية على تطويعه لحسابها، وكأن هذا "النص" يختلف عن "النص" التوراتي أو "الانجيلي" من حيث القدرة على التطويع لغير ما قصد منه.
لكنهم جميعاً وبشكل طوعي وواع يفضلون إبقاء اعينهم مُغلقة عن دور الغرب نفسه في تمكين الجماعات الارهابية وزيادة نفوذها.