قال الجنرال احتياط عاموس يدلين، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكريّة (أمان)، رأى أنّه في إثر فشل مبادرة جون كيري، وزير الخارجية الأمريكيّ السابق، أقصيت العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين إلى الهامش، واستدرك قائلاً إنّه يبدو الآن أنّ 5 سنوات من الجمود السياسيّ تقترب من نهايتها، في ضوء بعض الإشارات الصادرة من طرف كلٍّ من واشنطن، ووارسو، وموسكو، والرياض.
وشدّدّ الجنرال يدلين، وهو اليوم رئيس مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، التابع لجمعة تل أبيب، شدّدّ على أنّ مفتاح فهم المقاربة الصحيحة حيال العملية السياسية يكمن في استبطان الواقع المعقّد، فمن جهة يُعتبر الوضع القائم (الستاتيكو) مصطلحًا خياليًا، نظرًا إلى حقيقة أن الديناميكيّة في الميدان غير متوقفة، وفضلاً عن قدرة هذه الديناميكيّة على إنتاج أزمة أمنية حادة في غزة أوْ في يهودا والسامرة، أيْ الضفة الغربية، في المدى القصير، فإنّها يمكن أنْ تؤدي في نهاية المطاف إلى قيام دولة واحدة ثنائية القومية.
ومن جهة أخرى، تابع يدلين، فإنّ الأوهام بشأن القدرة على الوصول إلى تسوية إسرائيلية – فلسطينية من خلال المفاوضات لا تستند إلى أيّ أساس في صورة الوضع الحالية على الساحة الفلسطينية، على حدّ تعبيره.
وأردف قائلاً في مقالٍ نشره بصحيفة (يديعوت أحرونوت)، ونقلته للعربيّة مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة، أردف قائلاً: واجهت التسريبات بشأن خطة السلام الأمريكيّة المعروفة باسم “صفقة القرن” تكذيبًا خجولاً من طرف المبعوث الأمريكيّ الخّاص جيسون غرينبلات الذي انضم إلى زميله في الطاقم جاريد كوشنير في مؤتمر وارسو، إذ حاولا أنْ يقنعا الدول العربية البراغماتية بتأييد خطتهما، كما أكّد.
وطبقًا لأقواله، فإنّ ما يبدو إلى الآن أنّ الجانبين المعنيين بهذه الخطة بشكل مباشر، الفلسطينيون وإسرائيل، مترددان في التجاوب معها. فقد رفض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذهاب إلى مؤتمر وارسو، وبدلاً من ذلك اتجه نحو 3 قنوات أخرى: في قطاع غزة يحاول أنْ يتسبب باندلاع مواجهة عسكرية بين إسرائيل وحركة “حماس” من خلال تشديد العقوبات ضد القطاع، وفي موسكو حاول مندوبو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إجراء مصالحة بين “فتح” و”حماس″ التي ترفض حتى الاعتراف بإسرائيل في خطوط 1967، وفي الرياض التقى عباس العاهل السعودي الملك سلمان في محاولة يائسة لمنع انضمام السعوديين إلى خطة السلام الأمريكيّة.
في المقابل، قال الجنرال يدلين، على الرغم من أنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو ذهب إلى مؤتمر وارسو فإنّه فعل ذلك بسبب انشغاله بالتهديد الوجودي الوحيد الذي يراه أمام عينيه، وهو إيران، ومع أنّ ميل نتنياهو إلى الانهماك بالمسألة الإيرانية مثابر وعنيد، إلّا أنّه يدرك أنّ التدهور إلى واقع الدولة الواحدة لا يقل خطرًا على الحلم الصهيوني.
علاوة على ذلك، رأى يدلين أنّ نتنياهو يُدرِك أنّه من أجل ترجمة إشارات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية التي ظهرت في مؤتمر وارسو في الواقع العملي، يتعين على إسرائيل أنْ تعرض تقدمًا مهمًا في جهودها من أجل إنهاء الجمود السياسي في مقابل الفلسطينيين.
ولفت الجنرال يدلين إلى أنّه ممّا يؤسَف له أنّ معركة الانتخابات العامة في إسرائيل لا تطرح أي جدل جاد بشأن المسألة الفلسطينية، في الوقت الذي يتوقع جمهور الناخبين من قوائم المرشحين للانتخابات أن تقدّم رؤيتها في هذا الصدد، وأنْ تعرض أي دولة يريد زعماء هذه القوائم رؤيتها سنة 2040 أو سنة 2050، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّه من دون تحديد مثل هذا الهدف يمكن أنْ تتدهور الدولة في منزلق يؤدي إلى نهاية أحد أهم مركباتها كدولةٍ يهوديةٍ وديمقراطيةٍ.
وقال أيضًا إنّه يجب منح فرصة حقيقية لمفاوضات مباشرة من أجل الوصول إلى سلام على أساس خطة ترامب، حتى لو كانت احتمالات النجاح ضئيلة، ولا شك في أن نحو 70 بالمائة من الجمهور في إسرائيل يؤيدون أنْ تقوم دولتهم ببلورة خصائصها المستقبلية الجغرافية والأمنية والديموغرافية والأخلاقية، ولا مهرب من أخذ زمام المبادرة من خلال التنسيق قدر الإمكان مع الأمريكيين والدول العربية المؤيدة لخطة السلام، والمطلوب أكثر من أيّ شيءٍ آخر هو بلورة الظروف لحل في المستقبل، على حدّ قوله.
واختتم الجنرال يدلين مقاله بالتشديد على أنّه في يوم الانتخابات يجب منح الأصوات للأحزاب التي هي على استعداد لتبنّي برنامج سياسي، مُوضحًا أنّه فقط هكذا يمكن ضمان الحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية آمنة وأخلاقية، ولا شك في أنّ رئيس الوزراء نتنياهو أيضًا يفهم ذلك جيدًا، وفقًا لأقواله.