أنت لاتحس بالقميص على جسدك الا في اللحظة التي تلبسها وفي اللحظة التي تخلعها وفي الساعات الطويلة بين اللحظتين وهي على جسدك فأنت لاتشعر بها وهي تلامس جلدك وتلتف حول صدرك وذراعيك ولكنك لانحس بها ولاتشعر بوجودها، والمرأة بالمثل تحس بها وأنت تشعر فيها في لحظة التعارف والتقارب وتبادل الاغاني وكلمات الغزل فإذا لبستها تماما كالقميص وأحاطت بصدرك وظهرك وذراعيك فقدت الشعور بوجودها وأصبحت مثل قطعة أثاث في بيتك تدخل كل يوم لتجدها في مكانها، مثل المنظر التي تطل عليه من نافذتك يثيرك للمرة الاولى ويصبح عاديا ثم تنساه تماما وتظل فتاتك منسيه كالقميص حتى تأتي اللحظة التي يدب فيها الخلاف بينك وبينها وتتأرجح العلاقه على هاوية الانفصال هنا تبدأ بخلعها كما تخلع قميصك وفي تلك اللحظة تعود للشعور بها بعنف ويرتجف قلبك من خشية فراقها.
إن العلاقة التي يسمونها بالسعيدة والذي يدوم فيه الود وتنتظم فيه العلاقة بين الطرفين في سياق رتيب هادئ يفتر فيه الشعور وكل واحد بالآخر وينطفئ الوهج من قلب الاثنين، ما السر؟
السر في كيمياء الاعصاب، إن أعصابنا مصنوعة بطريقة خاصة تحس بلحظات الأنتقال ولاتحس بالأستمرار، حينما تفتح نافذتك فإنك تسمع الضوضاء بالخارج وتخف شيئا فشيئا في أذنيك، حينما تركب المصعد تشعر به في لحظة تحركه وفي لحظة توقفه أما في الدقيقة الطويلة بين اللحظتين فأنت لاتشعر بها لان حركته مستمرة.
وحينما تنظر للشمس لأول مرة تغشى عينيك ولكن حينما تتعود عليها ستبحلق بها دون أن تتأثر، حينما تعيش بصحة مستمرة لاتحس بهذه الصحه ولا تتذكرها الا حين تمرض، وعندما تدخل السجن تفقد وزنك لأنك تشعر بالفرق بين هواء الحرية وهواء الزنزانة ومن ثم تتعود فتفقد احساسك بضيقها وتعود شهيتك وتسمن.
إن الدوام قاتل الشعور لأن أعصابنا عاجزة بطبيعتها عن الإحساس بالمنبهات التي تدوم ، نحن مصنوعون من الفناء ولاندرك الاشياء الا في لحظة فنائها، نشعر بثروتنا حين تفر من يدنا ولا نشعر بصحتنا الا حين نخسرها ولا نشعر بحبنا الا حين نفقده.
أما إذا دام شيء في يدنا فإننا نفقد احساسنا به.
والسلام على وجهك البدر في كماله ورحمة الله وبركاته.