«أضنة» والصراع على سورية...عبير بشير

الثلاثاء 29 يناير 2019 10:05 ص / بتوقيت القدس +2GMT



كل ما يجري في الساحة السورية حالياً، يؤكد أن الحرب هناك ما زالت مستمرة، ولكن بعناوين جديدة.
الرقص الإسرائيلي في السماء السورية، وما كشفه إعلان المسؤولين في تل أبيب مباشرة ورسمياً عن الغارات الأخيرة التي استهدفت مطار دمشق ومحيطه، بعدما كان هناك حرص إسرائيلي في الماضي على تفادي إعلان المسؤولية، يعني الكثير، وخصوصاً، في ضوء إعلان ترامب عن انسحاب عسكري أميركي من شرق الفرات، فتل أبيب تريد التأكيد على أنها حصلت على ضوء أخضر من ترامب بمطاردة الوجود الإيراني في سورية، وأن إيران لن تستطيع في الذكرى الأربعين لانتصار الثورة فيها بأن تتفاخر، بأن صواريخها صارت على مرمى حجر من الجولان مثلما هي موجودة في لبنان.
أي أن هناك غياباً أميركياً عن سورية، يقابله مزيد من التشدد الإسرائيلي في ظل تفاهمات مع روسيا، ومؤازرة واشنطن.
ثم إن القتال الشرس بين ميليشيا «الدفاع الوطني» و»الفرقة الرابعة» التي يقودها ماهر الأسد من جهة والمدعومة من طهران، و»الفيلق الخامس» و»قوات النمر» بقيادة سهيل الحسن، المقرب من موسكو، والذي كان أعنفه في قرى وبلدات الحرة والكريم والبارد والرصيف والجديدة وتل التوبة وغيرها من القرى والبلدات في سهل الغاب القريبة من الخطوط العسكرية للمعارضة السورية في حماة، يعني ببساطة، أن هناك خلافاً واضحاً، بين رؤية موسكو لمستقبل سورية وتلك الرؤية التي تمتلكها طهران، بالإضافة إلى رغبة الجانبين في السيطرة على مناطق سورية المختلفة، فروسيا تريد أن تهدأ الأوضاع في سورية، لأنها بذلك تستطيع كسب امتيازات على المستوى الدولي، وكذلك تتجنب النزاعات العرقية والدينية في سورية بالإضافة إلى تشجيع المجتمع الدولي، بالانخراط في مشروع إعادة إعمار سورية، بينما تبحث إيران عن أهداف أكثر أيديولوجية، فهي تحاول عن طريق الإنفاق الهائل تحويل العلويين إلى شيعة بنسختها كحزبها في لبنان.
وكشف الاتفاق الذي تم توقيعه بين ميليشيات النظام السوري في نقطة المراقبة الروسية بريف حماة الشمالي، والذي يقضي بالسماح للفيلق الخامس الذي تدعمه موسكو بالإشراف الكامل على جبهات سهل الغاب، وإدارة العمليات البرية في المنطقة، بأن روسيا لها اليد الطولى على الملعب السوري.
والثابت أيضاً، وجود أطماع تركية تاريخية في سورية، وخصوصا أنه في السنوات المقبلة، ستجد أنقرة نفسها قد تحررت من قيود المعاهدات التي وقعتها بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية، وهي تعتقد أن لديها مجالاً حيوياً تستطيع التحرك في إطاره في سورية.
ويبدو الثلاثي الروسي التركي الإيراني معنياً بسورية والعراق، وبالمشرق العربي، ولكن، لكل طرف من هذا الثلاثي رؤيته، تجاه إعادة التشكيل السياسي، والجغرافي.
ويقوم الحكم التركي، بوجهه الإسلامي السني الأكثري، والحكم الإيراني بوجهه الإسلامي الشيعي الأقلوي، على إعادة تركيب المشرق العربي وفق مصالحهم كحكام للدولتين الإقليميتين.
وباتت أنقرة اللاعب الأكبر في الشمال السوري، ويدخل التنازل الروسي لتركيا حول مشروع المنطقة العازلة، في باب المقايضات بين أنقرة وموسكو، في ظل حاجة الأخيرة إلى ترتيبات تطال مصير عشرات الآلاف من مقاتلي هيئة تحرير الشام المتمركزين في محافظة إدلب، وبقايا الجيش السوري الحر.
وبالتالي فإن إعلان الرئيس التركي بأن بلاده تتوقع من الحلفاء المساعدة في إقامة منطقة آمنة في سورية على الحدود مع تركيا في غضون بضعة أشهر، لم يأتِ من فراغ. 
أردوغان تجرأ وقال أكثر من ذلك، قال إن اتفاق «أضنة» بين أنقرة ودمشق إبان عهد الراحل حافظ الأسد، يسمح لتركيا بدخول الأراضي السورية عندما تواجه تهديدات، وأضاف: «لسنا بحاجة لدعوة أحد، نحن ضمنا بالفعل حق التدخل ضد الإرهاب في سورية عبر اتفاق أضنة 1998»، والذي وقع بين حافظ الأسد، والرئيس التركي الراحل، سليمان ديميرل.
كانت استراتيجية حافط الأسد، تقوم على أساس فك الحصار الإقليمي المفروض على سورية، فإسرائيل تحاصرها من الجنوب، وتركيا من الشمال، وإيران الشاه من الشرق، وكان لا يطمئن إلى موقف موارنة لبنان، أما العراق، فكان الأسد البعثي على صراع مرير مع حزب البعث العراقي.
وما ان سقط الشاه، وانتصرت الثورة في إيران، حتى سارع الأسد الأب إلى تلقف اللحظة التاريخية، ورحب بقوة بهذا التحول الإيراني، في حين كان العرب ينظرون بريبة عميقة، إلى الجمهورية الإسلامية الصاعدة، التي رفعت شعار تصدير الثورة الإسلامية. 
وقابل هذه الثغرة الاستراتيجية، التي فتحها الأسد الأب، تشدد تركي ضد سورية، بلغ أشده، بتهديد دميريل بالقيام بإعلان الحرب على سورية بسبب دعم دمشق للأكراد وزعيمهم أوجلان الذي وفرت له دمشق إقامة آمنة على أراضيها، كما حشدت إسرائيل قواتها من جهة الجنوب.
وفي حين كان حافظ الأسد، يعاني من تدهور حالته الصحية في شكل متسارع، وكان يعمل على تأمين وراثة بشار له في الحكم، تمكنت أنقرة من فرض شروطها الكاملة على الأسد، ووقع العام 1998 ما عرف باتفاق أضنة، بوساطة الرئيس المصري حسني مبارك.
ونص اتفاق أضنة على تعاون سورية التام مع تركيا في مكافحة الإرهاب عبر الحدود، وإنهاء دمشق جميع أشكال دعمها لـ «بي كا كا»، وإخراج زعيمه أوجلان من ترابها، وإغلاق معسكراته في سورية ولبنان، ومنع تسلل عناصر هذا التنظيم إلى تركيا. 
كما تعطي الاتفاقية تركيا حق ملاحقة الإرهابيين في الداخل السوري حتى عمق 5 كيلومترات، واتخاذ التدابير الأمنية اللازمة إذا تعرّض أمنها القومي للخطر. 
فيما أشار الملحق الثالث للاتفاقية، إلى أن الطرفين السوري والتركي، يعتبران الخلافات الحدودية بينهما، منتهية، وهو البند الذي اعتبر اعترافاً من نظام حافظ الأسد، بتبعية (لواء اسكندرون) للدولة التركية.