روسيا: في منتصف أيلول الماضي، أسقطت الدفاعات الجوية السورية طائرة روسية كانت تحمل على متنها عدداً من الجنود الروس؛ بعد أن اختفت خلفها مقاتلات إسرائيلية كانت تقصف أهدافاً داخل سورية.
في ذروة غضبهم، توعّد الروس بعقاب إسرائيل من خلال تدعيم الدفاعات الجوية السورية بصواريخ إس إس 300.
بعد ذلك بأقل من شهر، صرح وزير الدفاع الروسي بأن بطاريات هذه الصواريخ أصبحت موجوده في سورية، وبأن العسكريين السوريين يتدربون على استخدامها. لاحقاً لذلك، قالت مصادر روسية: إن هذه الصواريخ ستبقى تحت مسؤولية الفنيين الروس، ما يعني أن تفعيلها لن يتم إلا بقرار روسي.
منذ إسقاط الطائرة الروسية، قامت إسرائيل بقصف الأراضي السورية مرات عديدة، كان آخرها الإثنين الماضي، عندما تعرض مطار دمشق الدولي للقصف من ثلاثة اتجاهات ولمدة زادت على الأربعين دقيقة.
القصف الإسرائيلي، وفق الإعلام الروسي، أدى لمقتل أربعة عسكرين سوريين. ووفق المرصد السوري المعارض أدى لمقتل 11 شخصاً بعضهم سوريون، بالإضافة بالطبع إلى إصابة العديدين.
ادعاء الروس بأنهم سيدعمون الدفاعات الجوية السورية بعد حادثة طائرتهم مليء بالأكاذيب؛ بدليل أن الصواريخ التي تم الادعاء بأنها قد مُنِحت للسوريين للدفاع عن أجوائهم لم يتم تفعيلها، وأن الأراضي السورية مستباحة من قبل الإسرائيليين بشكل يومي تقريباً.
الروس يكتفون بعدّ الصواريخ الإسرائيلية التي تمكنت سورية من إسقاطها، وبالطبع لا علم لنا إن كانت هذه المعلومات صحيحة أم مجرد أكاذيب للقول: إنه لا حاجة لهم للدفاع عن سورية؛ لأن الأخيرة قادرة على فعل ذلك لوحدها.
ما نعلمه حقيقة أن روسيا لم تكن بحاجة لإرسال صواريخ إس إس 300 إلى سورية؛ لأن لديها فيها صواريخ أحدث وهي إس إس 400، والتي وفق ما تقوله صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، أكثر تقدماً من صواريخ الباتريوت الأميركية، وبالتالي إن أرادت حماية سورية فهي ليست بحاجة لجلب صواريخ أقل تقدماً مما لديها، خصوصاً أنها ما زالت تحتفظ بسيطرتها على تشغيل هذه الصواريخ.
ونعلم أيضاً، أن الضربات التي توجهها إسرائيل لسورية يتم تبليغ الروس بشأنها وبخلاف ذلك لا تستطيع روسيا حماية جنودها في سورية.
إيران: في كل مرة تضرب فيها إسرائيل سورية، تدعي بأنها تدمر معدات عسكرية إيرانية إما في طريقها لـ"حزب الله" أو بهدف منع التموضع الإيراني في سورية.
في مقابلة مع غادي آيزنكوت، رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال السابق، مطلع هذا الشهر، مع صحيفة نيويورك تايمز، ادعى أن جيشه بدأ بتنفيذ غاراته على سورية منذ بداية أزمتها، وأن الهدف كان منع وصول أسلحة إيرانية متقدمة لـ"حزب الله"، لكن في العام 2016، اتضح أن الإيرانيين يسعون لبناء جيش في سورية قد يصل تعداده إلى 100 ألف جندي، معظمهم من أفغانستان وباكستان والعراق، وأنهم يرسلون وحدات مخابراتية وجوية إلى كل قاعدة عسكرية سورية. لهذا يقول آيزنكوت: إن حكومته في العام 2017 فوضته بضرب الإيرانيين ومنع تموضعهم داخل سورية.
آيزنكوت يضيف: إن العام 2018 قد شهد إلقاء أكثر من 2000 قنبلة على المواقع الإيرانية داخل سورية، وأنه في كل يوم تقريباً من ذلك العام قد شهد قصفاً لمواقعها، ما اضطرها لسحب عدد من عناصرها البالغ عددهم ثلاثة آلاف إلى العراق.
ويتابع آيزنكوت متبجحاً: إن الإيرانيين اختاروا ساحة للتموضع هم فيها أضعف بكثير من إسرائيل التي تمتلك القدرات الاستخباراتية والتفوق الجوي في سورية.
لنا بالطبع أن نتخيل عدد الضحايا التي يخلفها هذا القصف اليومي في صفوف السوريين والإيرانيين وفي صفوف "حزب الله". ولنا بالطبع ألا نصدق جميع ادعاءات آيزنكوت، لكننا يقيناً نعلم أن إسرائيل تقوم بقصف أهداف داخل سورية أكثر مما يتم الإعلان عنه من قبلها أو من قبل السوريين.
كل ما نسمعه من الإيرانيين، بعد كل ضربة إسرائيلية يتعرض لها جنودهم أو مستشاروهم في سورية، أنهم جاهزون لتدمير إسرائيل وإزالتها عن خارطة الشرق الأوسط.
قديماً قالوا: "من يُكَبّر حجره لا يضرب".
ونحن نقول: الجميع يعلم أن شعار إزالة إسرائيل من الوجود هو مجرد كلام فارغ لا قيمة له؛ لأن الدول التي تمتلك أسلحة نووية، ومنها إسرائيل، تمتلك القدرة على إبادة خصومها إن كان هنالك تهديد فعلي لوجودها، والجميع يعلم أن هنالك خطوطاً حمراء دولية لا تسمح "بإزالة" إسرائيل من الوجود حتى لو امتلكت إيران أسلحة نووية.
لكن، لماذا "تُكَبّر" إيران حجارتها وتهدّد بمحو إسرائيل؟
لأنها ببساطة لا تريد أن ترد على الاعتداءات الإسرائيلية على قواتها ومواقعها العسكرية في سورية لأسباب يمكن التكهن بها ومنها:
أولاً: أن إيقاع الرد من سورية على الاعتداءات الإسرائيلية تضبطه الحسابات الروسية وليست الاعتبارات الإيرانية
ثانياً: التخوف من أن التصعيد مع إسرائيل يمكن أن يؤدي إلى هجوم إسرائيلي شامل يضعف الجيش السوري أمام خصومه الداخليين.
ثالثاً: وأنا أميل لهذا السبب أكثر، أن الامتداد الإيراني في المنطقة، بما فيه امتدادها في سورية ولبنان والعراق واليمن، هدفه الأساس الدفاع عن أمنها هي وليس عن هذه الدول، وبالتالي فإن أي تصعيد من جانبها تجاه إسرائيل يجري وفق هذه الحسابات، وطالما أن أراضيها ونظامها السياسي ليسا مهددين فإنها ستبقي الحال على ما هو عليه.
في الحسابات الإيرانية لأمنها، إيران لا ترى إسرائيل كتهديد إستراتيجي لها؛ لأن الأخيرة تبعد 2000 كيلومتر عن أراضيها، ولا تستطيع حتى القيام بضربات جوية لمواقع داخل الأراضي الإيرانية دون مساعدة خارجية.
إيران ترى التهديد لأمنها قادماً من الولايات المتحدة التي تمتلك القواعد العسكرية والإمكانات المادية لمحاربتها وتدميرها.
هنا الوجود الإيراني في سورية، كما هو الدعم لـ"حزب الله" و"حماس" و"الجهاد الإسلامي"، يستهدف جعل إسرائيل هدفاً مركزياً لإيران إن أعلنت أميركا الحرب عليها. الوجود الإيراني بهذا المعنى في هذه الدول يستهدف ردع الأميركيين عن محاربة إيران، ولا يستهدف فعلياً محاربة إسرائيل إلا ضمن سياق حرب أميركية على إيران.
لهذا السبب تحديداً، لا يُعَوّل على الإيرانيين الرد على الاعتداءات الإسرائيلية على سورية أو على قواتهم الموجودة فيها.
إذا كان النظام السوري جاداً في الدفاع عن أراضيه، هو وحدة المخول بالرد على الاعتداءات الإسرائيلية وردعها.
النظام السوري لم يتوانَ عن تدمير مدن وقرى سورية تحت مسمى "مكافحة إرهاب الجماعات التكفيرية"، لكن عندما تتعلق المسألة بإسرائيل، فهو صامت كالجثة الهامدة.