الوعي الاصطناعي ..عيسى صالح

الخميس 24 يناير 2019 10:55 ص / بتوقيت القدس +2GMT



عند بداية التجارب على الذكاء الاصطناعي وخاصة في ألعاب مثل الشطرنج، صرح البعض بأن الكمبيوتر لن يكون بمقدوره أن يهزم الإنسان قط.

غير أن بطل العالم في الشطرنج آنذاك جاري كاسباروف والذي تغلب عليه برنامج Deep Blue الخاص بشركة IBM سنة 1997 بعد أن كان قد تغلب على النظام سنة 1996 أعلن أنه خلال سنوات سوف لن يتمكن البشر من هزيمة الكمبيوتر أبداً، وهذا ما حدث فعلاً.

قد يقول البعض بأن الكمبيوتر يتغلب على البشر لأن لعبة الشطرنج في نهاية الأمر محدودة مهما بلغت عدد تفريعاتها الهائلة، وبأن الكمبيوتر لديه القدرة الأكبر على الحساب في مثل هذه الحالات، ولديه القدرة على تخزين كل ما تم لعبه من مئات السنين واختيار أفضل نقلة لكل موقف.

في سنة 2017 تمكن برنامج من شركة Deep mind البريطانية والتي اشترتها جوجل فيما بعد، تمكن هذا البرنامج باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي - التي تطورت بشكل هائل - من تعلم الشطرنج "لوحده" تماماً دون تدخل من البشر. تم إعطاؤه طرق اللعب وقوانين اللعبة فقط، ثم قام هذا النظام المعزز بما يسمى التعزيز الذاتي العميق، باللعب مع نفسه لمدة أربع ساعات استطاع خلالها ان يتفوق على مستوى البشر في اللعبة.

بعد ذلك تم عقد منافسة بين هذا الذكاء الاصطناعي والذي تم تسميته Alpha zero وبين البطل الحقيقي للشطرنج حالياً بدون منازع (وهو برنامج شطرنج اسمه Stock fish) وكانت نتيجة هذه المباراة المكونة من 100 لعبة 28-صفر لصالح ألفا زيرو.

لعب البشر الشطرنج لمدة تزيد عن 1500 سنة وتم تجاوز هذه المعرفة المتراكمة خلال هذه المدة الزمنية الهائلة خلال أربع ساعات من التعلم الذاتي لنظام ذكاء اصطناعي!!

التحدي التالي هو في جعل الكمبيوتر يمتلك "وعياً اصطناعياً"، بعد أن استبعد البعض أن يقوم الكمبيوتر بامتلاك "ذكاء اصطناعي". على الرغم من الفرق الواضح بين ذكاء البشر وذكاء الكمبيوتر إلا إنه يبدو أن هذا الفارق يتقلص بفعل تطوير خوارزميات وشبكات عصبية صناعية تشابه في طريقة عملها عمل المخ البشري. وعلى الرغم من هذا الاختلاف إلا أن الكمبيوتر تمكن أن يتغلب على البشر في ألعابهم التي تعتمد على الذكاء والتصور بل واستغلال ما يُعرف بالبديهة.

فنظام ألفا زيرو يقوم بتحليل 80,000 موقف في الثانية ليصل للنقلة الأفضل، بينما لا يستطيع البشر مهما بلغت قواهم العقلية تجاوز واحد على ألف من هذه القدرة. ولكن الغريب في الأمر أن نظام ألفا زيرو هذا يعتمد على طريقة البشر في الاستبعاد، فبينما يقوم نظام Stock Fish بحساب مايقارب 80,000,000 موقف في الثانية إلا أن ألفا زيرو سحقه تماماً.

وهذا يدل على أن نظام ألفا زيرو أقرب للتفكير البشري من Stock Fish الذي يعتمد بالإضافة لخوارزميته على فحص ملايين المواقف المخزنة في ذاكرته من جميع الألعاب التي استطاع مبرمجوه من تخزينها في ذاكرته على مر العصور من بداية لعب الشطرنج إلى يومنا هذا.

على الرغم من أن الوعي الاصطناعي أعقد بكثير من موضوع الذكاء، فهو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بماهيتنا كبشر.

ولكن من قال بأن الوعي الاصطناعي يجب أن يكون نسخة عن الوعي البشري؟!

ولماذا لا يكون الوعي الاصطناعي مشابهاً للوعي البشري، ولكن بصيغة أخرى مثلما هو الحال في الذكاء الاصطناعي؟

السؤال الذي يمكن أن يحيّر العقول هو ليس القدرة على خلق وعي اصطناعي من عدمه؟ بل هو: هل من الممكن أنه بعد تطوير شئ يمكن أن نسميه وعياً اصطناعياً، أن يقوم هذا الوعي بتجاوز قدرة وعينا نحن البشر؟ مثلما فعل الذكاء الصناعي، وتجاوز قدرتنا على لعب الشطرنج المتراكمة منذ 1500 سنة بعد أن لعب مع نفسه لمدة أربع ساعات فقط؟

ماذا يمكن أن يكشف لنا الوعي الاصطناعي - لو تم تصنيع شئ كهذا -؟ وهل سنستطيع فهم ما سيطرحه من مفاهيم وتصورات وأفكار، بل وأسئلة؟ أم أننا سنقف عاجزين أمامه كما نقف الآن عاجزين أمام الذكاء الاصطناعي في الشطرنج؟