وكأنها بلد بلا أصحاب..صادق الشافعي

السبت 12 يناير 2019 03:58 م / بتوقيت القدس +2GMT



من يراقب الحركة المحمومة حول سورية بمشاركة اكثر من جهة واكثر من طرف إقليمي ودولي بادعاء ترتيب أوضاعها، تتملكه الدهشة والاستغراب، فهي تجري دون إشراك سورية نفسها ولا حتى سؤالها. ان هذه الأطراف تتصرف وكأن سورية بلد بلا أصحاب.
ويزيد الدهشة والاستغراب ان هذا التصرف يحصل في وقت:
-  تستعيد الدولة الوطنية السورية سيطرتها التامة على اكثر من 75% من الأراضي السورية، بالقوة العسكرية لجيشها الوطني، وليس عبر مساومات سياسية وتنازلات.
-  وتسيطر على الأغلبية الكبرى من بقية الأراضي قوات سورية الديمقراطية. وهي تحالف بين أكراد وعرب بأغلبية للأكراد. وبعد ان عاد التحالف المذكور يعلن التزامه بالوطن السوري واصبح أقصى مطالبه حكما ذاتيا ضمن الوطن  الموحد.
-  تعيد الأنظمة العربية علاقاتها السياسية وفتح بعثاتها الدبلوماسية في سورية، في تسارع ملحوظ سيصل بالضرورة الى استعادة سورية وضعها الطبيعي وعضويتها في جامعة الدول العربية، لتعود وتلعب دورها المحوري في كل الوضع العربي وقضاياه الكثيرة.
- تشهد سورية عودة متصاعدة لأهلها الذين هاجروا منها بسبب الأحداث، بالذات بعد عدد من القرارات المشجعة التي أعلنتها قيادة الدولة السورية. وكان يمكن لهذه العودة ان تكون بوتائر اسرع وبأرقام أعلى لولا المعيقات التي تضعها بعض الأطراف، والمخاوف التي تنشرها.
- وضع إعادة الإعمار، على سلم الأولويات والبدء بالإجراءات التحضيرية لإنجازه، في مؤشر إضافي الى عودة الاستقرار والاطمئنان.
فرسان الحركة المحمومة المذكورة كثيرون منهم الدولي ومنهم الإقليمي. كل له مصالحه وتطلعاته الخاصة، او انه يتقاطع مع مصالح وتطلعات دول أخرى، او انه يخدمها.
لكن يبقى الفارسان الأميركي والتركي هما من يتصدران المشهد ويستقطبان الضوء في الأشهر الأخيرة في تناوب مثير ما بين الاتفاق والتعاون وما بين التعارض والاختلاف الذي يصل الى درجة الشد العلني.                                                                                             أميركا بالذات، تبدو مواقفها تجاه الموضوع السوري على درجة من التردد والتبدل لا تليق بدولة عظمى. فبعد قرار فردي مفاجئ اتخذه الرئيس الأميركي دون استشارة الجهات المعنية في إدارته بالانسحاب السريع للقوات الأميركية الموجودة في سورية، وهو القرار الذي أدى الى استقالة وزير دفاعه رفضا واحتجاجا، جاء تكرمه بالتبرع بسورية الى الرئيس أردوغان يفعل بها ما يشاء (It is all yours).
لكن سرعان ما حصل انقلاب في الموقف الأميركي يعلن الإبطاء غير المحدد بزمن لسحب القوات، ثم توجيه ما يقترب من التحذير لتركيا على لسان مستشار ترامب للأمن القومي (بولتون)، بعدم القيام بأي أعمال عسكرية في سورية دون معرفة وموافقة أميركا المسبقين.
التحذير ووجه برفض تركي مقرون برفض الرئيس التركي استقبال بولتون ما أدى الى مغادرته الفورية لتركيا.
الموقف الأميركي إضافة الى ما تقدم اقحم أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي ليجعل الالتزام به ركنا وأساسا في تعامله مع الموضوع السوري، وليضيف الى ذلك تلميحات بالاستجابة الأولية لجشع واغتصاب دولة الاحتلال المطالب بترسيم الاعتراف بضمها وبفرض سيادتها على الجولان السوري المحتل.
أما تركيا، فموقفها اكثر ثباتا. العنوان العام والناظم لهذا الموقف انها ترفض   "أن تخرج من المولد بلا حمص". بالذات وأنها ظلت تلعب الدور العملي الأهم على الأرض وفي كل المجالات: من تهريب الإرهابيين الى سورية، وتأمين وصول كافة أشكال الإمداد العسكري والتسليحي والسياسي والمالي، وتأمين الحركة من والى سورية، الى توفير مقرات لهيئات وقيادات المعارضة السورية وتسهيل تحركاتها.                                                                                                                تركيا تبرر موقفها الحالي بالتصدي للأكراد والحرب عليهم وعلى حركتهم السياسية والمسلحة لما يشكلونه من خطر على امنها الوطني. وهي تبدو مصممة على هدفها وجاهزة في سبيل تحقيقه الى التدخل المباشر بقواتها العسكرية وباستعمال وتحريك بقايا قوى مسلحة لبقايا قوى معارضة سورية.  
الدور الروسي مستمر في ثبات موقفه المؤيد لسورية ووحدتها، والداعم لها في تصديها للعدوان وتصديها لكل مشاريع تقسيمها وترتيب أوضاعها على مقاس المصالح الأميركية وحلفائها، او على مقاس العنوان العام لتحركات تركيا وأهدافها. وهذا الدور لا يمكن تجاهله ولا يمكن التقليل من قوة تأثيره.
الأكراد وحركتهم السياسية والعسكرية ضاعوا فرق عملة. فقد ركبوا موجة الدعم الأميركي الذي وصل حد التبني السياسي والتسليحي والتدريبي والتمويلي، والاستعمالي في نفس الوقت، ثم انحسرت الموجة عندما تخلت أميركا عنهم فجأة كما ظلت تفعل مع اتباعها دائما.
الآن، تتعالى بينهم الأصوات التي تدعو للعودة الى حضن الدولة السورية مع مطالب بحقوق معينة تراعي تميزهم العرقي. وتجد هذه المطالب استقبالا إيجابيا بشكل عام من القيادة السورية دون ان يصل حد القبول بالحكم الذاتي الذي ينادي به بعضهم.
أما قوى المعارضة السورية وهيئاتها ومنابرها ومنصاتها وزعاماتها وجيشها الحر وقيادته، فقد تبخرت كلها في الهواء عندما لم تجد لها (ولم يكن لها أصلا) جذرا يربطها بأرض الناس أصحاب الوطن، وعندما انتهى دورها الافتتاحي المطلوب باستدعاء التدخل الخارجي، ولم يعد لها لزوم بعده.
الشكل الوحيد الباقي للمعارضة هو هيئة المفاوضات التي ما زال ممكنا استعمالها في مماحكات المفاوضات السياسية دون ان يكون لها أي امتداد وطني سياسي او حضور جماهيري او تأثير جدي على مجريات الأمور.
الأمور تسير بوضوح وبتسارع ملحوظ لصالح سورية وطنا سيدا على كل مساحته المعروفة لكل أهله ومواطنيه، وسندا لكل عربي، ولصالح استعادة دوره المركزي في كل قضايا الأمة والمنطقة.