انسحاب إسرائيلي أحادي الجانب من الضفة ..بقلم: ميخال ملشتاين

الأربعاء 09 يناير 2019 11:44 ص / بتوقيت القدس +2GMT



"مرت علينا فترات أصعب من هذه، لكن لم يكن لدينا فترات كئيبة أكثر من هذه"، هذا ما قاله على مسامعي صديق من غزة، عندما طلبتُ منه قبل بضعة اسابيع وصف كيف يحلل وضع الفلسطينيين الآن. "لقد شهدنا مواجهات مريرة في الداخل، ضربات قاسية من قبل اسرائيل، خيانة من جانب العالم العربي، والتخلي عنا من قبل المجتمع الدولي"، قال. "ولكن لم يمرّ علينا وقت كهذا، حيث لا يظهر فيه أي بصيص أمل في الأفق". أجل، الفلسطينيون يجدون أنفسهم في السنوات الاخيرة في أزمة شديدة متعددة الأبعاد: العملية السياسية غارقة في أزمة عميقة، وحلم الدولتين يبتعد، بل يتلاشى بالتدريج، والانقسام الداخلي بين الضفة وغزة يتعمق، والجمهور الفلسطيني يشعر بعدم الثقة واحيانا بالاغتراب تجاه قيادته، وفي الساحة الدولية يفقد الموضوع الفلسطيني مكانته الرئيسية، وحدث شرخ غير مسبوق مع الادارة الأميركية.

اذا لم يكن هذا كافيا، ففي السنوات الاخيرة حدثت هزة في الحقائق التي على أساسها أدار الفلسطينيون النزاع خلال عشرات السنين، والتي كانت في نظرهم مصدر الشرعية والتفاؤل. جزء من العالم العربي يشجع تطبيعا محسوبا مع اسرائيل، حتى بدون تسوية بينها وبين الفلسطينيين. اتخذت الولايات المتحدة خطوة دراماتيكية بشأن القدس، حتى بدون أن يتم التوصل الى تسوية دائمة؛ وقدس الاقداس بالنسبة للفلسطينيين – قضية اللاجئين – تتعرض لتهديد على شكل تقليص في المساعدات الأميركية لـ"الاونروا" وتغيير الاعتراف بمكانة اللاجئين.

بالاستعارة من مفهوم "دولة فاشلة"، لن يكون مبالغا فيه اعتبار الفلسطينيين اليوم "قومية فاشلة".

ولكن الأزمة العميقة في الطرف الفلسطيني لا تبشر بالخير لإسرائيل، بل العكس، التوتر بين اليأس العميق من الوضع وبين عدم الرغبة في أن يصل الى المصير الذي تدهورت اليه الدول العربية في فترة "الربيع العربي"، ازاء الاهمية التي يعطونها لنسيج الحياة المستقر في الضفة الغربية، فان جزءا يزداد تعاظما من الجمهور الفلسطيني بدأ – من خلال اعتبارات عملية بدون تحمس – يظهر الاهتمام بفكرة الدولة الواحدة. أي، كيان واحد، يمتد من النهر الى البحر، يعيش فيه الشعبان معا.

حسب رأيهم، هذا السيناريو لن يكون مقترنا باقامة دولة مستقلة على المدى المنظور، لكن سيتم في إطاره ضمان الاستقرار الاقتصادي. هذا السيناريو يجسد إمكانية كامنة لانقلاب استراتيجي في المستقبل، أي وضع يكون فيه للفلسطينيين هيمنة.

تدرك اسرائيل جيدا هشاشة النظام الفلسطيني، وبالاساس احتمال أن تطورات داخلية فيه ستنعكس سلبا وبسرعة على الساحة الاسرائيلية. الخوف الرئيسي في اسرائيل هو من تهديدات خطيرة مثل مواجهة عنيفة، انتفاضة ثالثة، أو تفكك سريع للسلطة الفلسطينية يرافقه فوضى و"ارهاب".

لكن ربما أن التهديد الحقيقي ليس بالضرورة "انفجارا" في الضفة الغربية، يحذرون منه في اسرائيل منذ بضع سنوات ولم يتحقق. ربما أن التهديد من ناحية اسرائيل يتجسد في الهدوء المستمر، اليومي، لتجسد الواقع الجديد وغير المعترف به للدولة الواحدة، ذلك الذي في مركزه اندماج سكاني وجغرافي وديمغرافي متزايد بين الشعبين في الضفة الغربية.

هذا هدوء مخادع، يخلق وهما بامكانية مواصلة النظام الحالي لفترة طويلة، على اساس الحفاظ على الاستقرار المادي. نهاية هذا الهدوء، الذي سيجعل الشعبين في السنوات القادمة يواجهان واقعا معقدا، تم تخيله بصورة عامة، لكن لم يتوقعاه بصورته المفصلة والملموسة. هذا الوضع سيغير الشروط الاستراتيجية الاساسية لدولة اسرائيل ويجبرها على اجراء نقاش عميق حول طبيعتها ومستقبلها كدولة يهودية وديمقراطية.

استنتاج كهذا يفرض تفكيرا معمقا بخصوص البدائل الاستراتيجية التي تقف امام دولة اسرائيل في السياق الفلسطيني بشكل عام والضفة الغربية بشكل خاص. من جهة، ستكون هناك صعوبة في الحفاظ على الواقع الحالي في الضفة لفترة طويلة. ويتوقع كما يبدو أن يتطور ازاء التغييرات في النظام الفلسطيني (مثلا، تداعيات اليوم التالي لـ "محمود عباس") أو في اسرائيل (مثلا، تأثير الازمات الاقتصادية فيها على الاقتصاد الفلسطيني). من جهة اخرى، بديل اقامة دولة فلسطينية مستقلة استنادا الى اتفاق مع اسرائيل، كان في الماضي هو البديل المفضل من ناحية الطرفين، يبدو على الاقل في هذه المرحلة ذا احتمال ضعيف.

على هذه الخلفية يوصى بفحص بديل الانسحاب أحادي الجانب من قبل إسرائيل من الضفة الغربية طبقا للحدود التي تحددها اسرائيل. من المفضل أن تنفذ هذه الخطوة بتنسيق وموافقة الطرف الفلسطيني، ولكن اذا لم يتحقق ذلك فان من الضروري تنفيذها حتى بشكل أحادي الجانب. هذه الخطوة يتوقع بالطبع أن تكون مليئة بالتحديات والتهديدات الكثيرة بالنسبة لاسرائيل، لكن سيتجسد فيها انجاز استراتيجي له مغزى مهم جدا وهو منع الانزلاق الى سيناريو الدولة الواحدة.


عن "هآرتس"