من القاهرة التي ترعى المصالحة الفلسطينية هدد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بوقف المخصصات المالية لقطاع غزة, وكأنه يعلن من هناك ان المصالحة الفلسطينية وصلت إلى خط النهاية, ولن يمضي في مشوار المصالحة إلى ما لا نهاية, وانه آن الأوان لاتخاذ إجراءات رادعة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
الغريب والعجيب ان رئيس السلطة يعتبر هذا الإجراء العقابي خطوة وطنية بالقول «غير مستعد أن أدفع شهريا هذه المبالغ، في حال لم يسيروا وينفذوا قرار إجراء الانتخابات بعد أن تم حل المجلس التشريعي, مشددا على أنه طالما لا يوجد مصالحة بيننا سنلغي كل شيء، وسوف نتوقف عن دفع 96 مليون شهريا».».
انه منطق مستغرب من رئيس السلطة ويدل على المأزق الذي يعانيه على المستوى الشخصي, وحالة التضليل التي ادخله فيها بعض المتنفذين داخل السلطة, والذين يقدمون له تقارير أمنية مضلله وكاذبة لا تمت الى الواقع بصلة.
الأمور لم تنته عند هذا الحد بل ان رئيس السلطة اعتبر ان القضية الفلسطينية تمر بصعوبات بالغة ومشاكل مستعصية» مع أمريكا وإسرائيل وحركة حماس، وأن السلطة الفلسطينية لن تستسلم، أي انه وضع حماس في نفس السلة التي وضع فيها أمريكا وإسرائيل, وهذا يعني انه يتعامل معها كعدو وليس شريكاً وطنياً فلسطينياً يعبر عن شريحة كبيرة من المجتمع الفلسطيني. بل وتصنف على أنها الشريحة الأكبر فلسطينيا, وهو عندما يتحدث عن حماس كحركة مقاومة فهذا يعني انه يتحدث عن كل فصائل المقاومة الفلسطينية ولا يستثني احداً, وبالتالي رئيس السلطة الفلسطينية لا يرى رأيا غير ما يرى هو, ولا يستمع لأحد سوى نفسه ومن يحيط به من بطانة السوء, وهذا منطق فرعون عندما خاطب قومه « لا اريكم الا ما أري وما أهديكم إلا سبيل الرشاد», ولا اعتقد ان شعبنا الفلسطيني الذي قدم كل هذه التضحيات من الممكن ان يقبل بأن يخاطبه احد بهذا المنطق الفرعوني.
حالة من الغليان يشهدها الشارع الفلسطيني في قطاع غزة بعد حرمان آلاف الموظفين في القطاع من رواتبهم, وبعد خصم 50% من قيمة الراتب لمن تسلموا راتبهم, وهذا الإجراء عبر عنه البعض باعتداء «مستنكر» على تلفزيون فلسطين في غزة, وهنا تكمن الخطورة, ولا يستطيع احد ان يتوقع ردة فعل الشارع الفلسطيني على خطوة قطع أرزاق الناس من خلال قطع رواتبهم, خاصة إذا وصلت الجرأة لقطع رواتب الأسرى والجرحى والشهداء, فهذا هو العبث بعينه, وما لا يمكن ان يقبله احد, هل بمثل هذه الإجراءات العقابية يمكن ان تجبر حماس على إجراء الانتخابات يا سيد أبو مازن, هل يمكن المغامرة بأرزاق الناس من اجل الانتخابات, وهل سيحقق لك هذا الإجراء العقابي فوزا مدويا على الساحة الفلسطينية, الم تفاجئك استطلاعات الرأي التي دللت على تدني شعبيتك وشعبية فتح الى ادنى المستويات, أم ان هناك من صور لك الأمر بغير ذلك وان فوزك بالانتخابات مضمون.
بمثل هذه الإجراءات العقابية من الذي يكرس فصل غزة عن باقي ربوع الوطن يا سيادة الرئيس, من الذي يمرر صفقة القرن, من الذي يمرر مخطط الحل النهائي, من الذي ينسف كل فرص المصالحة الفلسطينية ويعزز الانقسام, الشعب الفلسطيني يدرك تماما من يعمل لصالحة ويخدم قضاياه, ومن يتواطأ مع الاحتلال والإدارة الأمريكية, لماذا تصر سيادة الرئيس على عقاب غزة وأهلها, ان فئات كثيرة ممن قطعت رواتبهم ليسوا حماس ولا جهاد ولا حتى من الشعبية والديمقراطية, بل منهم من هم من أبناء حركة فتح, فهل تعاقب أبناءك وتحاسبهم على انتمائهم لحركتهم, ان هذه الإجراءات لن تكون في يوم من الأيام جزءاً من الحل, بل ستعقد الأمور وتوصلنا إلى المجهول, فحالة الاحتقان في الشارع الفلسطيني وصلت لذروتها ورود الفعل الشعبية غير مضمونة, لكن الشارع الفلسطيني لن ينفجر في وجه حماس, بل في وجه الاحتلال والجهات التي أقدمت على تنفيذ الإجراءات العقابية, وهذا ما دفع فتح لإغلاق مؤسساتها في قطاع غزة خوفا من عواقب هذا القرار.
المطلوب فورا من الأشقاء المصريين وقف هذا الإجراء العقابي بالضغط على رئيس السلطة الفلسطينية, والشروع باستئناف جهود المصالحة الفلسطينية ومحاولة إنهاء الانقسام, نعلم تماما ان المهمة ليست سهلة, لكن مصر بمكانتها ودبلوماسيتها والتقائها مع جميع الأطراف, تستطيع ان تصل إلى حلول, أو على الأقل توقف العقوبات على شعبنا في قطاع غزة, وقد نجحت في ذلك سابقا, فان عجزنا عن حل مشاكلنا فيما بيننا, نلجأ لمصر كي تتدخل في الوقت المناسب لوضع الحلول المناسبة وغالبا ما تنجح في ذلك, ويقينا هى قادرة على إقناع كل الأطراف بالقبول بالحلول التي تطرحها والتي ترضي الجميع.