من حل الدولتين إلى الدولة الواحدة...محمد ياغي

الجمعة 04 يناير 2019 01:30 م / بتوقيت القدس +2GMT



هنالك العديد من العوامل التي تؤيد فكرة انتفاء إمكانية تحقيق حل الدولتين. 
من جهة سياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ توقيع اتفاقيات أوسلو، أثبتت أنها لا ترغب في رؤية دولة فلسطينية الى جوارها حتى لو كانت هذه الدولة منزوعة السلاح وناقصة السيادة في مجالاتها الأمنية والاقتصادية. 
ومن جهة أخرى، أدى الاستمرار في الادعاء بأن المفاوضات هي الخيار الوحيد للفلسطينيين لتحقيق حلمهم بإنهاء الاحتلال الى ظهور كيان فلسطيني لا يستطيع الحياة بعيداً عن إسرائيل. 
كلا العاملين يعززان فكرة سقوط حل الدولتين واستحالة تحقيقه. لكن سقوط هذا الحل، لا يسقط حقيقة أن الفلسطينيين لا يزالون ومنذ سبعة عقود يعيشون في حالة من القهر والذل والشتات، وأن هذا الحال لا يمكن له أن يستمر. 
بالنتيجة سيستمر الفلسطينيون في القتال من أجل الحصول على حقهم في حياة كريمة، تماماً مثل شعب الدولة التي تحتلهم. 
هذه سيرورة التاريخ التي تخبرنا بها تجارب مناطق أخرى في العالم تعرضت لأوضاع شبيهة الى حد ما مثل جنوب أفريقيا وإيرلندا الشمالية. الدولة الواحدة، أو الدولة لجميع مواطنيها، هي البديل الطبيعي والواقعي لما هو قائم في فلسطين.
بتوقيع اتفاقيات أوسلو العام ١٩٩٤ وبتحويل الفلسطينيين كل قضايا الصراع من قدس ولاجئين ومياه وحدود ومستوطنات وأمن الى قضايا قابلة للتفاوض، أثبت الفلسطينيون رغبتهم بتحقيق السلام وإنهاء الصراع بطريقة ترضي إسرائيل وتعطيهم في المقابل حقهم الطبيعي بإنهاء الاحتلال وإقامة دولتهم على جزء بسيط من أرضهم التاريخية.
مقابل ذلك قامت إسرائيل بتكثيف الاستيطان في الضفة بما فيها القدس الشرقية، وحصرت الفلسطينيين في مساحات جغرافية ضيقة داخل المدن، وقامت بإلحاق اقتصادهم وعملهم وحركتهم بها. 
وفوق ذلك كله، بذلت إسرائيل كل جهد ممكن لإبقاء الضفة وغزة منفصلتين، سواء أكان ذلك بالحصار المفروض على غزة منذ اثني عشر عاماً، أو بالحروب التي تشنها عليها كل ثلاث سنوات بالمتوسط، أو بتهديد السلطة بالعقاب إذا قامت الأخيرة بالتوصل لحلول مع حركة "حماس".
باختصار، إسرائيل عملت بلا كلل على إنهاء فرصة تطور كيان فلسطيني مستقل. وأصبح واضحاً لكل من يعي ما يجري على أرض فلسطين أن المشروع الإسرائيلي لحل المسألة الفلسطينية قائم على إلحاق مناطق "ج" بإسرائيل والتي تشكل ٦٠٪ من الضفة الغربية، وإبقاء الفلسطينيين في معازلهم داخل المدن الفلسطينية ولكن تحت السيطرة الإدارية للسلطة الفلسطينية، حتى لا تتحمل هي مسؤولية التعامل مع الفلسطينيين.
بلا شك أن نجاح إسرائيل في سياساتها لم يكن ممكناً لو أن الفلسطينيين رفضوا إملاءات المجتمع الدولي المنحاز لإسرائيل. لكن بقبولهم كل ما فُرض عليهم من تنسيق أمني ومن رفض للمقاومة ومن جري وراء سراب مفاوضات لا تريدها دولة الاحتلال، قام الفلسطينيون أيضاً ودون أن يدركوا بدفن مشروع حل الدولتين. 
اليوم كل شيء في الضفة مرتبط بالاحتلال بطريقة لا يمكن الخلاص منها. رأس المال "الوطني" الفلسطيني لا يمكنه القيام بعمله بعيداً عن الشراكة مع الإسرائيليين. عشرات الآلاف من الموظفين المدنيين والعسكريين لا يمكنهم تقاضي أجورهم دون "المقاصة" الإسرائيلية. التنسيق الأمني لا يمكن وقفه بقرار "فلسطيني" سيادي لأن ذلك يؤدي الى انهيار السلطة. 
في المقابل لا تزال معاناة الفلسطينيين مستمرة. قتل الفلسطينيين بشكل يومي، الاعتقالات وهدم البيوت مازالت مستمرة، إذلال الفلسطينيين على الحواجز الإسرائيلية في الضفة، حرمانهم من الحركة الآمنة ومن المعابر، منعهم من التوسع في العمران ومن الحق في الحصول على المياه والكهرباء وبناء الشوارع والمدارس. 
الواقع الفلسطيني الحالي لا يمكن له أن يستمر كما تريد دولة الاحتلال لأنه يتنافى مع أبسط القيم الإنسانية. ولأنه كذلك، فإن مقاومته ستستمر.
صحيح بأن الحراك الشعبي الفلسطيني في الضفة مثل إضرابات الاطباء والتظاهرات ضد قانون الضمان الاجتماعي موجه باتجاه السلطة وليس باتجاه الاحتلال.
 وصحيح بأن المقاومة في مجملها في الضفة المحتلة ذات بعد فردي ومن خارج فضاء تنظيمات منظمة التحرير الفلسطينية. 
لكن الفلسطيني سيدرك قريباً أن السلطة لا تستطيع أن تحل له مشاكله وأن جوهر مشكلته هي مع الاحتلال. وسيدرك أيضاً أن إنهاء الاحتلال يتطلب إما مقاومة "شرسة" يدفع الجميع، فلسطينيين وإسرائيليين ثمنها، أو دولة واحدة يعيش فيها الإسرائيليون والفلسطينيون بحقوق مدنية وسياسية متساوية.
إنهاء الاحتلال عبر حل الدولتين يحتاج الى مقاومة عنيفة. لكن هذه المقاومة لا تريدها السلطة، ولا تريدها قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني لكلفتها العالية وهي صعبة جداً بسبب تشابك المصالح التي تحدثنا عنها دون إسهاب سابقاً والتي تعيق هذه المقاومة. 
حل الدولة الواحدة أقل كلفةً وأكثر واقعية، لكنه يتطلب قناعة سياسية من قبل قادة منظمة التحرير بأن حل الدولتين قد سقط. ويتطلب أيضاً، إستراتيجية وبرامج عمل ولغة مختلفة عن تلك القائمة حالياً. 
نقطة البداية لذلك في تقديري هي الدعوة لعقد مؤتمر لمجلس وطني حقيقي يمثل جميع الفلسطينيين في الداخل وفي الشتات ليناقش هذه المسألة وليخرج بقراراته.