هل نأسف على نهاية العام 2018، ونفرح بمقدم العام 2019، بعد أن اعتدنا على قول، إن العام المنصرم هو أسوأ الأعوام التي مررنا بها، ويتكرر ذلك في كل عام، ما يعني أن الانحدار للأسوأ هو القاعدة. هذا لسان حال السواد الأعظم من الناس، أما بالنسبة للذين يعملون من اجل التغيير للأحسن، ففي الغالب يرددون المقولة الشهيرة للإيطالي أنطونيو غرامشي: "تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة" ويرددون مع الشاعر التركي ناظم حكمت: "أجمل الأيام تلك التي لم نعشها بعد".
تفاديا للإحباط، نبدأ بأبرز الأحداث والإنجازات العلمية التي نشرها موقع "روسيا اليوم"، وهي إطلاق أول مركبة من صنع الإنسان تتوغل في الغلاف الجوي الخارجي للشمس. إنماء أدمغة بشرية مصغرة للمرة الأولى في اختراق علمي مذهل. إنماء بويضات بشرية في المختبر لأول مرة. نجاح أول عملية استنساخ قردين في العالم. تطوير جنين دون بويضات او حيوانات منوية. أول طائرة تعمل بالطاقة النووية في العالم. كل حدث او إنجاز من العناوين السابقة "يدوخ" ويحتاج لعام 2019 بكامله لمعرفة كيف حدث ذلك من وراء ظهر الأمتين العربية والإسلامية التي لا ناقة لها ولا جمل في مجال هذا النوع من الإنجاز وغيره. قد يستغرق الجدل حول فستان رانيا يوسف الخادش للحياء الوقت الأطول.
وفي مجال الإيجاب القليل أيضا، الأمم المتحدة تعلن العام 2019 عاما للغات السكان الأصليين، وسيشهد خليج سيدني عروضا فنية تحتفي بثقافات السكان الأصليين، سيضاء خليج سدني لمدة 12 دقيقة بالألعاب النارية المتلألئة. ستكون لوحة فنية ورمزية ساحرة الجمال سنشاهدها على شاشات التلفاز. وبصفتنا من السكان الأصليين، سنتذكر "قانون القومية" الذي شطب الاعتراف باللغة العربية كثاني لغة رسمية للدولة الإسرائيلية المستعمرة. ورغم ذلك لا بديل عن الاحتفال. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أدخلت اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة في 18 كانون الأول العام 1973. ومنذ ذلك التاريخ اعتبر ذلك اليوم يوما عالميا للغة العربية. وكان احتفالنا بهذا اليوم قبل 19 يوما ضعيفا جدا للأسف، وضعفه ناجم عن ضعف أمة الضاد في كل المجالات.
وشهدت السعودية أول قداس مسيحي يتم الإعلان الرسمي عنه من قبل الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، تلاه الحديث عن إمكانية بناء كنيسة في المملكة. يعد هذا الحدث أول اختراق للفكر التعصبي السائد، ولموقف هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي زاولت دور محاكم التفتيش في العصور الوسطى. وبالضد من الخطاب التحريضي ضد التعدد الديني، وهو اعتراف بحرية الديانات والمعتقد.
في مجال السلب، سنجد وفرة مصائب فائضة عن طاقة البشر على التحمل، كانت المأساة الكبيرة موت 2600 إنسان في زلزال اندونيسيا، حدث جلل أصاب أضعافا مضاعفة بالجروح والكسور والعاهات والذعر والتشرد. للأسف لم تستحوذ هذه المحنة الإنسانية الرهيبة على اهتمام وسائل الإعلام العربية، ففي اليوم التالي كأن شيئا لم يكن، تلاشى الخبر وانتهى. وبالمقارنة فقد استحوذت جريمة قتل جمال خاشقجي البشعة على الحيز الأكبر من الإعلام على امتداد شهرين مقابل مرور سريع في يومين على محنة زلزال اندونيسيا.
الرئيس الأميركي ترامب كان سيد السلب الأول على صعيد عالمي، وقد طالت سهامه فلسطين، بل اعلن وفريقه الحرب على الشعب الفلسطيني، باعترافه بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال وبنقل السفارة الى واشنطن، وبسعيه لإلغاء "الاونروا"، وبتشكيل غطاء ومظلة للاستيطان والتهويد والاستباحة الإسرائيلية للحقوق الفلسطينية بالطول وبالعرض. ترامب اعلن الحرب على اتفاقية المناخ، وأعلن حربا تجارية مع الصين، وانسحب من الاتفاق النووي مع ايران، ويبني جدار فصل عنصري مع المكسيك، وقائمة تطول ولا تنتهي من قلب الملفات الجيوسياسية. وأحيا ترامب قوى اليمين العنصري والشعبوية ليس فقط في الولايات المتحدة وإنما في أوروبا التي قطع الاتحاد الأوروبي دابرها وهمشها. لكن صعود ترامب أعاد الحياة كجزء وامتداد لظاهرته. صعد اليمين المتطرف في إيطاليا والنمسا الى سدة الحكم، واحرز اختراقات في ألمانيا كان من نتائجها أزمة فرضت التراجع والانسحاب على المستشارة أنغيلا ميركل، وهناك سيطرة لليمين القومي في بولندا والمجر. وتضعضعت مكانة الرئيس الفرنسي ماكرون الذي فقد الطبقة الوسطى وتحول الى رئيس الأغنياء المتعجرف بحسب حركة السترات الصفراء.
وإذا ما استمرت التحولات لمصلحة الترامبية في أوروبا فإن بقاء الاتحاد الأوروبي سيصبح محفوفا بالانفراط. وقد أصابت عدوى الترامبية البرازيل التي انتقلت فيها الرئاسة الى رئيس وجنرال شعبوي، سرعان ما اعلن عن انحيازه لإسرائيل بما في ذلك نقل سفارة البرازيل من تل أبيب إلى القدس. واليمين العنصري في استراليا اصبح جزءا من الظاهرة الترامبية. السؤال المهم، هل ستتعزز الترامبية في العام 2019 أم ستتراجع؟
حكومة نتنياهو وحلفها اليميني العنصري والقومي، تشكل أحد أركان الترامبية وقاعدة نشرها وانطلاقها، وقد وظفت دعم ترامب لها في تصعيد الحرب على الشعب الفلسطيني. يقول تقرير لجيش الاحتلال عن إنجازاته في العام 2018: اعتقلت سلطات الأمن 3173 فلسطينيا. وشن الطيران الحربي الإسرائيلي 865 هجوما على قطاع غزة، وصادر 406 قطعة سلاح، ودمر 15 نفقا، واستكمل بناء 27 كيلومترا من الجدار تحت الأرض على حدود غزة. ولم يحدد التقرير الأمني عدد الشهداء الفلسطينيين. وبحسب التجمع الوطني لأسر شهداء فلسطين، فإن 312 مواطنا بينهم 57 طفلا، استشهدوا برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، خلال العام 2018. وكان توزيع الشهداء 271 شهيدا من محافظات غزة، و42 شهيدا من محافظات الضفة. عدد الشهيدات الإناث بلغ 6، والذكور 306، وعدد الشهداء الأطفال (أقل من 18 عاماً، 57، ومتوسط أعمار الشهداء 42 عاما.
وفي الوقت الذي تطرح فيه حكومة نتنياهو تصفية القضية الفلسطينية سياسيا، وتستخدم القوة العسكرية والحصار لترويض الشعب الفلسطيني، في هذا الوقت يتم تطبيع عربي مع هذه الحكومة، فقد شهد العام 2018 زيارة نتنياهو لسلطنة عمان وزيارة وزيرة الرياضة الإسرائيلية ميري ريغف للإمارات العربية، ومشاركة رياضيين إسرائيليين في مباريات في قطر والإمارات، وتبرم اتفاقات اقتصادية بما في ذلك مرور شركة العال في أجواء السودان وعُمان. وثمة أشكال من التعاون والعلاقات غير معلنة تتحدث عنها حكومة نتنياهو باعتبارها إنجازات، سيوظفها في حملته الانتخابية القادمة.
وكان العام 2018 حزينا برحيل الأديب السوري المبدع حنا مينا، ورحيل الفنانة الفلسطينية الجميلة ريم بنا، ورحيل الفنانة السورية مي سكاف. ولا يسع المرء إلا ان يحزن لموت داعية السلام الإسرائيلي اوري أفنيري الذي ظل ضد الاحتلال وإنكار الحقوق الفلسطينية. العام الفارط يكاد ينتهي بمشهد لخص كل التحولات السابقة وهو مرور وزيرة الإعلام الأردنية جمانة غنيمات فوق العلم الإسرائيلي خلال دخولها مبنى مجمع النقابات، وغضب الحكومة الإسرائيلية الشديد.
mohanned_t@yahoo.com