ما بعد حل التشريعي! مهند عبد الحميد

الثلاثاء 25 ديسمبر 2018 03:27 م / بتوقيت القدس +2GMT
ما بعد حل التشريعي! مهند عبد الحميد



2018-12-25

نشهد احتداما للصراع الفلسطيني مع الاحتلال، عبر موجة جديدة إسرائيلية أميركية محمومة هدفها تصفية واحتواء القضية الفلسطينية وتقرير مصير الشعب نيابة عنه.  
الهجوم السياسي جاء نتاجا لتحولات يمينية عنصرية إسرائيلية شملت المجتمع الإسرائيلي، ونتاجا لصعود الترامبية وانتشار سياسة التوحش السياسي والاقتصادي على صعيد كوني، ونتاجا للتحول في أولويات النظام العربي حيث لم تعد القضية الفلسطينية أولوية، ما أدى إلى الاستفراد الإسرائيلي الأميركي بإدارة الصراع وبوضع الحلول المدمرة للحقوق الوطنية وللمشروع الوطني. 
الاحتدام أو الهجوم السياسي الأميركي الإسرائيلي والانقلابات الإقليمية، انعكس على الحركة السياسية الفلسطينية في السلطة والمنظمة والمعارضة. 
فلم يكن الاستعداد الداخلي بمستوى الرد على الهجوم، وقد أخفقت كل محاولات تطوير الوضع الداخلي أو إعادة بنائه بمبادرات داخلية نظراً لضعف أو افتقاد ديناميات التغيير والتطوير الذاتية. 
بقيت مؤسسات المنظمة على حالها، وتعطل المجلس التشريعي على مدى 12 عاما، ولم تتمكن التنظيمات والأحزاب من موقع الحكم (فتح وحماس) ومن موقع المعارضة (الجهاد والتنظيمات اليسارية والقومية) من التغيير ضمن مؤسساتها الخاصة وفي المؤسسات المشتركة. 
كذلك أخفقت كل المساعي الإقليمية لإيجاد حلول للوضع الفلسطيني المأزوم، وسبب الإخفاق يعود إلى محاولات إخضاع قطبي الخلاف للأجندات الخاصة بالمتدخلين وبحلفائهم. 
ومن المنطقي أن تخفق المساعي الإقليمية نظراً لافتقاد العامل الذاتي لديناميات التغيير والتكيف. 
لماذا لم يحفز الخطر الخارجي الكل الفلسطيني لنوع من الوحدة الوطنية أو الاصطفاف الجبهوي لدرء خطر يهدد المصير الفلسطيني برمته؟ وما هي مسؤولية كل طرف؟  طرحت هذا السؤال على صديق أكاديمي أثناء رياضة المشي. 
أجاب دون تردد بالقول: التفسير المبدئي لبقاء التفكك رغم الخطر الداهم، هو انحياز القوى النافذة لمصالحها الخاصة دون الالتفات أو الأخذ بالاعتبار للمصلحة الوطنية المشتركة. 
هل يتساوى الجميع مع نفس المستوى من المسؤولية؟ وبخاصة إذا استعرضنا تجربة الإسلام السياسي في العمل المشترك. 
هناك تاريخ من رفض العمل المشترك ومبدأ الشراكة، واعتماد العمل الموازي والبديل، وهذا ينسجم  مع الايديولوجيا الدينية.. قال صديقي: صحيح أن قوى الإسلام السياسي تعتقد أنها تمتلك الحقيقة والصواب وحدها وأن الآخرين على خطأ، لكنها لا تقول ذلك بشكل صريح، فنجدها تتبنى سياسات ولا تلتزم بها وتبدو في موقف مزدوج وهذا يضعف من مصداقيتها. 
لكن القوى المسيطرة على المؤسسة تاريخيا تعتقد أيضا أنها تملك المؤسسة بشكل حصري – أم الولد - ومطلوب من الآخرين التعامل معها كمالك دائم للمؤسسة وأنها أم الولد، تعاقب أو تكافئ الآخر بالمستوى الذي يهدد أو لا يهدد فيه سيطرتها على المؤسسة، في الوقت الذي لا تعمل فيه على تطوير المؤسسة. 
عدنا إلى وجود مشكلة هنا ومشكلة هناك، مشكلتان تصنعان أزمة متفاقمة وقابلة للمزيد من التفاقم. 
لا يوجد تنازلات متبادلة في مجال سيطرة كل طرف عن مصالحه الفئوية من شأنها جسر الهوة وصولا إلى عمل مشترك يتصدى للهجمة الأشد الممثلة بالخطر الخارجي. 
كل شيء يعتمد على ميزان القوى في المعادلات الخارجية والداخلية، وطالما لا توجد أكثرية مريحة أو قاعدة شعبية حاسمة لدى أحد القطبين، فإن الأزمة ستستمر وتتفاقم.
وطالما يتمتع كل طرف بدعم وتأييد قاعدة شعبية، فلا يمكن شطبه أو تجاهله. 
التوازن بين القطبين تحول إلى أزمة. الفارق أن حركة فتح تملك الشرعية من خلال سيطرتها على المنظمة والتمثيل الفلسطيني والسلك الدبلوماسي والاعتراف الدولي والعربي.  
وحماس تعتبر خارج الشرعية لأنها غير ممثلة داخل المنظمة نتيجة خطأ تاريخي فادح لم يتم تداركه حتى الآن، بل وهناك دول تعتبر حركة حماس منظمة إرهابية، وفي أحسن الأحوال مطلوب منها الاستجابة لشروط قاسية حتى يتم الاعتراف بها. 
لقد استخدمت حركة فتح سلاح الشرعية وعملت على تطوير استخدامه منذ أن تقدمت بطلب الاعتراف بدولة فلسطين عضوا مراقبا تحت الاحتلال وانضمت إلى مجموعة من المؤسسات والاتفاقات والمعاهدات التي عززت من شرعيتها. 
استخدام حركة فتح لسلاح الشرعية وتطوير استخدامه كان بديلا لتطوير بنية المنظمة الشائخة، ولتطوير مؤسسات السلطة، وبديلا للانفتاح على الأجيال الجديدة، وبديلا للديمقراطية في التعامل مع القوى السياسية والمجتمع المدني. 
وقد عززت حركة فتح سيطرتها على المؤسسات الشرعية باتخاذها موقفا سياسيا رافضا لصفقة ترامب ولقراراته حول القدس واللاجئين والأونروا والاستيطان، وفي سعيها للحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، هذا السلاح الذي تملكه حركة فتح يسمح لها باللعب المنفرد بالسياسة الفلسطينية إلى مزيد من الوقت. 
مقابل ذلك فإن حركة حماس تملك سلاح المقاومة الذي استخدمته سابقا في حسم سيطرتها على قطاع غزة وفرض سلطتها كأمر واقع دون قطيعة مع السلطة التي واصلت دعم سلطة حماس لوجستيا وماليا وشكلت نوعا من الغطاء السياسي لها في مواجهة الحروب الإسرائيلية. 
ونجحت حركة حماس باستخدام سلاح المقاومة في تعطيل المجلس التشريعي 12 سنة دون عمل ودون انتخابات. أخذا بتكتيك الثلث المعطل للحكومة والبرلمان اللبناني الذي استخدمه حزب الله ولا يزال. ونجحت حركة حماس في استخدام سيطرتها المحكمة على قطاع غزة في استعادة العلاقة مع النظام المصري رغم حالة العداء.
وهي الآن تبرم اتفاق هدنة مع إسرائيل يضفي نوعا من الشرعية على سلطتها في قطاع غزة، مقابل حصول إسرائيل على الأمن وفصل وحسم فصل قطاع غزة غن الضفة الغربية وهي حلقة من حلقات صفقة القرن. 
خطان متوازيان تعمل داخلهما الحركتان، وهما تضعان مصالحهما الفئوية فوق كل اعتبار آخر، مع وجود اختلاف كبير في مدى الضرر الذي تلحقه مصالح كل حركة بالشعب، في المسألة الوطنية، حركة حماس تلحق الضرر الأفدح، حيث تتوافق مع صفقة القرن وفصل القطاع عن الضفة. 
في المسألة الديمقراطية فإن الحركتين تقوضان الديمقراطية بلا رحمة، حزبان حاكمان إلى ما لا نهاية يستخدمان التنظيمات الأخرى ويعاقبانها على المواقف، ويعملان على إلحاقها بسياساتهما. القيادة الشرعية تتعامل بنظام علاقات التبعية مع التنظيمات الأخرى. وقيادة حماس تستخدم الأسلوب ذاته، فقد استحدثت قيادة الحراك ومسيرات العودة لصاحبها حركة حماس.  
في غياب معادل داخلي، بيضة قبان، قطب ثالث مؤثر، سيبقى الصراع محتدما، وقد دخل الآن  طورا جديدا بمحاولة كل طرف نزع أسلحة الطرف الآخر. 
وكانت مذكرة كتلة حماس في المجلس التشريعي للامين العام للأمم المتحدة التي تطعن بشرعية الرئيس وتقول إنه لا يمثل الشعب الفلسطيني، وقبلها كانت العقوبات التي فرضتها السلطة على قطاع غزة، والآن يأتي حل المجلس التشريعي والذهاب إلى الانتخابات بعد 6 أشهر. 
ستبقى هذه المعادلة ما لم ينبثق تيار أو قطب ثالث يستطيع بتحالفه مع أحد القطبين أن يوقف الانحدار. 
لا أعتقد أن أحدا سيذرف الدموع على حل المجلس التشريعي (الذي لا يعمل شيئا).