بعد 5 سنوات على روايتها الأخيرة (الأسود يليق بك)، تطل الأديبة الجزائرية المعروفة أحلام مستغانمي على قرائها بكتاب جديد تغوص فيه في أعماق النفس البشرية لتكتشف عوالم العشق المثيرة وألاعيب القدر الخبيئة.
تتحدث أحلام مستغانمي في الكتاب الذي يحمل عنوان (شهيا كالفراق) عن نفسها وتسترجع رواياتها السابقة. ومن خلال قصة رجل لوعه الفارق وأفقده ثقته في الحب تأخذ الكاتبة دور البطولة، وتنسج أحاديث مع الرجل الغامض الذي يخاطبها بكلمات ليست سوى كلماتها.
وتصف مستغانمي لوعة العاشق بقولها في نص الكتاب "أحتاج لأن أستعين بما بقي من شظايا قصتك لكتابة نص شهي والقيام بإعادة اعمار عاطفي لقلوب الحق بها الحب كل أنواع الدمار .. لكن القصص ليس ما ينقصني للكتابة ولا النصوص الجميلة، ينقصني الألم فكل ما تألمت من أجله في الماضي أصبح مصدر ندمي وعجبي، بما في ذلك تلك الأوطان التي مرضت يوم أحتُلت، وتلك العواصم التي بكيتها يوم سقطت، لتنجب لنا بعد ذلك قطّاع طرق التاريخ وأناسا لا يشبهون في شيء ممن كنت جاهزة للموت من أجلهم".
الكتاب الواقع في 250 صفحة من القطع الوسط والصادر عن دار هاشيت-انطوان في بيروت يتناول مقتطفات من الحياة بأكملها، من الحب والبغض والألم والفراق واللقاء ووسائل التواصل الحديثة والطرق القديمة.
وبأسلوب يمزج بين الرواية والسرد تعتبر مستغانمي الكتاب عبارة عن رسائل توجهها كهدية للقراء قائلة "فليكن... ما دام سعاة البريد جميعهم قد خانوا صندوق بريدنا، هذه رسائل لا صندوق بريد لوجهتها عدا البحر، أبعثها في زجاجة، إلى الذين لم يعد لهم من عنوان لنكتب إليهم".
تضاد العواطف
وتتحدث في مقدمة الكتاب عن نفسها ككاتبة وإنسانة وتقول "كتبت كثيرا من العواطف في تضادها وفي ذهابها وإيابها، عن علو الأحاسيس وانهياراتها، عن النفس البشرية وتناقضاتها".
وتضيف "أصبت غالبا وحدث ان أخطأت وما زلت أتأمل دهاليز النفس البشرية ومتاهاتها. فللكاتب واجب تأملي تجاه المشاعر ما دامت العاطفة هي ما يحكم الناس في الحياة وما يحرك الأبطال في الروايات وهي التي بمنطقها المجنون تحكم العالم".
وتستشهد بمقولة للكاتبة الانجليزية جوانا ترولوب "مأساة العالم هي أن الرجال يحبون النساء والنساء يحببن الأطفال والأطفال يحبون القطط".
ويحتوي الكتاب على العديد من القصص والأمثال والأقوال وآراء كتاب وأشعار وأغان.
وبأسلوب تهكمي تتحدث مستغانمي عن الوطنية والانكسار وكل ما تمر به البلدان العربية من إخفاقات وخيبات. وتصف شعوب المنطقة على أنها "معلقة إلى أبواب القطارات. ما عاد همنا إنقاذ الوطن كل منا يريد إنقاذ نفسه، الكل يركض للحاق بفرصته الأخيرة فقطار الهروب من الجحيم لا ينتظر".
وتتحدث مستغانمي عن نفسها في الكتاب قائلة "ماذا تنتظرون مني وسط هذا الإعصار؟ كيف يبدع من هو متعلق إلى القطار بيد وبالثانية يكتب ليصف المشهد؟ من تارة يمر بمنظر جميل وتارة يمر بنفق، بينما الناس يصعدون وينزلون ويتدافعون من حوله ليفوزوا بمقعد احتياطي للانتظار، يقعون في الحب حال الصعود، ويفترقون قبل محطة الوصول. فعشق اليوم يدوم مسافة محطة وعليك أن تواسي العاشق المخدوع وتقنع عاشقة تسافر من دون تذكرة عودة بأن عليها النزول".
حقيقة "مخيفة"
وفي سعيها لمقاربة الواقع تقول مستغانمي في كتابها إنها وقعت على حقيقة مخيفة "فمنسوب الصدق في حياتنا يتناقض بتناقض العفوية العاطفية، لقد ابتلينا بالتشاوف وإشهار العواطف وبفائض المجاملات في جمع (اللايكات) لذا نحن نعيش زمنا كاذبا ومنافقا لا بركة في عواطفه ولا في وقته ولا في ماله".
وتعتبر الكاتبة أن الزمن كان يمضي في انسياب جميل قبل أن تكون له أرقام فتسأل "هل بدأت مأساتنا يوم فقدنا بركة القليل ووقعنا في قبضة الأرقام؟ أرقام الأعوام والأعمار وأرقام متابعينا وأرقام الأرصدة وأرقام الهواتف وأرقام الشفرات لفك كل ما حولنا من أجهزة، وإذ بمصيرنا تحكمه سلسلة أرقام حولتنا الى رقم في سلسلة بشرية... فما عرفت رقما إلا خانني".
وكانت مستغانمي قد وقعت الكتاب في معرض بيروت للكتاب في وقت سابق من ديسمبر. وقالت ان هذا الكتاب "ليس دسما مثل الروايات لأن الزمن تأخر والعالم تغير والقارئ أصبح متعبا ليس له القدرة على التعايش مع كتاب من 500 صفحة".
وقد سُئلت مستغانمي من الصحفيين في بيروت عن دمجها في كتابها بين الحب والثورة ووسائل التواصل فقالت "أنا أبعث برسائل مشفرة وهذا الكتاب كتبته لنفسي، وهو الوصفة الأصدق للوصول الى القارئ. علينا في مرحلة معينة أن نكتب لأنفسنا وان لا نكون معنيين بالنقد وبالآخرين."
والكاتبة من مواليد عام 1953 وهي روائية جزائرية لها العديد من الروايات وحائزة على جائزة نجيب محفوظ للعام 1998 عن روايتها (ذاكرة الجسد). وصنفتها مجلة فوربس الأمريكية عام 2006 بأنها الكاتبة العربية الأكثر انتشارا بتجاوز مبيعاتها مليوني نسخة.