واقع الجمعيات والهيئات الخيرية بين الرقابة الشكلية ..م. هاني ابو عكر

الأحد 16 ديسمبر 2018 01:41 م / بتوقيت القدس +2GMT



الجمعية أو الهيئة هي شخصية معنوية مستقلة تنشأ بموجب اتفاق بين عدد لا يقل عن سبعة أشخاص كحد ادنى لتحقيق أهداف مشروعة تهم الصالح العام دون استهداف جني الربح المالي بهدف اقتسامه بين الأعضاء أو لتحقيق منفعة شخصية.

ويبلغ عدد الجمعيات المُسجلة لدى وزارة الداخلية في قطاع غزة تقريباً "914 جمعية " منها "823 جمعية محلية "، إضافة إلى "91 جمعية أجنبية".
ويقع أهمية دور الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية في دفع عجلة التنمية الوطنية الفلسطينية أساسا وليس شكلا ،ولخدمة قطاعات واسعة من شرائج المجتمع الفلسطيني.
وتُقدر الميزانية السنوية العامة للجمعيات العاملة في محافظات قطاع غزة أكثر من مليار وأربعمائة مليون شيكلا ،(ما يعادل 400 مليون دولار).
وتعتبر وزارة الداخلية حارسة العمل الأهلي والعين الساهرة لتقليص هامش الفساد وازدواجية الخدمات للمستفيدين من الجمعيات العاملة في قطاع غزة ولكنها لا تقوم برقابة كلية وفرض قيود إلزامية ، وقوانين صارمة رقابية ، وتشكيل لجنة مهنية تراجع عمل هذه الجمعيات كليا وتحديد الأولويات ، لإنفاق 
المبلغ الموفر من المانحين في القنوات الصحيحة وتقترح مشاريع إستراتيجية ليست أنية شكلية إهدارية تخدم المصلحة العُليا لأبناء شعبنا المحاصرين ، وهذا يُعزز خدمة الجمعيات لكافة شرائح المجتمع الفلسطيني بكل أمانة ونزاهة وحق ومستحق .
على الرغم من الدور الذي يُناط بالجمعيات والمنظمات الغير هادفة للربح، في تقديم الخدمات للفئات والشرائح الاجتماعية التي لا تصلها خدمات المؤسسات الحكومية بسبب عدم وجود الميزانيات اللازمة ،إلا أنها لم تنجح في أدائه في قطاع غزة برغم توفر ميزانيات جيدة.
إن ضخامة المبالغ المرصودة على الحالة التنموية على الأرض، واقعيا تجد تأثيره ضعيف مقارنة بما يصرف ، فمازالت معدلات الفقر والبطالة مرتفعة بشكل غير مسبوق، ولم تفلح في تحقيق حالة من التنمية والإنعاش الاقتصادي لسكان القطاع.
و ذلك لسوء صرف الأموال في وجهات لا تعود بالفائدة الفعلية على المواطن الغزي، وذلك من جانبين أن سياسة المانحين لها دور كبير في عدم تحقيق التنمية، فهي تُصر على تقديم المال لأغراض تدريبية واستشارية ودعم نفسي بعيدًا عن المشاريع الإنتاجية التي من شأنها أن تخلق فرص عمل تؤدي إلى خفض معدلات الفقر والبطالة.
والجانب الآخر عدم وجود لجنة مهنية من خبراء تنمية ومعرفة إقتصادية وسلامة غذائية تراقب مع وزارة الداخلية على أداء الجمعيات لفرض مشاريع ذات اولوية وتكون ذات رقابة إجرائية من مراقبة ترسية العطاءات وفحص المواد ومراجعة أسعار العطاءات لتقليص الفساد المالي والإداري لما يعقد من إتفاقيات مشبوهة خلف الكواليس .
 ورغم وجود مبالغ تمويل جيدة تصل إلى (400) مليون دولار بواقع (35) مليون دولار شهريًا إلا أنها لم تستثمر تلك الأموال لزيادة التنمية، وتجد تركيز المنظمات والجمعيات الغير هادفة للربح على الأنشطة التدريبية بدلًا من الأنشطة الإغاثية القائمة على التنمية  كان له دور في عدم الاستفادة من المال بالشكل المطلوب لتحسين الواقع المعيشي للسكان، ويعزز ذلك إلى تنفيذ المنحة بشروط المانح  الذي يوزع المنحة بطريقة غير مُجدية ولا تلمس احتياجات المواطن في تحقيق تنمية موارده وأدوات نشاطه بما يُحسن وضعه الاقتصادي، مع وجود فساد مالي وإداري تحت رقابة حكومية صارمة فى المراجعة المالية والإدارية .
إن حاجة المواطن تتمثل في إيجاد مشروعات إغاثية تستهدف بالدرجة الأولى المستوى المعيشي له والعمل على تحسينه ،بالإضافة إلى حاجته لمشروعات داعمة لبعض السلع الاستهلاكية، وأخرى تُعزز وتحسن الواقع الصحي والتعليمي والكثير من القطاعات الحياتية بخلاف مشاريع الدعم النفسي والفيسيولوجي والاستشارات الإدارية التي تنفذ من خلال الجمعيات.
 أنه على الرعم من الأموال المرصودة للجمعيات في قطاع غزة والمقدرة بـ قرابة (60%) من موازنة حكومة غزة المقالة السابقة إلا أنها لم تكبح جماح الفقر المتزايد في القطاع، إن المساعدات الخارجية تساهم في ارتفاع عدد الفقراء ، أن عدد المتعطلين عن العمل في غزة عام 2007  بلغ قرابة (81) ألف متعطل، مقارنة بما هو عليه الآن حيث بلغ عدد  المتعطلين خلال العام الماضي (282) ألف متعطل، لو كانت فلسفة الجمعيات تقوم على تقليص معدلات الفقر لكان عددها صفر, أن قضية الفقر والنقص الحاد للأمن الغذائي باتت سلعة ومصدر ثراء للبعض، بل امتياز للبعض .
أن الميزانية السنوية المرصودة للجمعيات لو تم استثمارها بالشكل الصحيح لأحدثت اختراقًا في عملية التنمية في قطاع غزة, أن ذلك المبلغ من توفر فرص العمل وخلق مجتمع منتج، تستطيع توفير 50,000 فرصة عمل سنوية على أساس أن تكلفة كل فرصة تبلغ 8000 دولار لكن فلسفة المانحين لا تُريد ذلك فقط تُريد دفع المبالغ على شكل مساعدات وبرامج دعم نفسي وتدريب واستشارات، بعيدًا عن أي مشاريع تشغيلية تمنحهم القدرة على الإنتاج وتحسين القدرات الاقتصادية التي تخرجهم من بوتقة الاعتماد على الغير.
ومما سبق تجد المعضلة الأساسية تكمن بين ضعف أداة ومراقبة وزارة الداخلية وبين ما يقدم من مشاريع للمانح بهدف تغطية المصاريف الإدارية ومدة المشروع وفجوات التلاعب والفساد المالي وقلة خبرة القائمين على مراقبة الأداء والمشاريع كتنفيذ وترسية ومتابعة ، وإختصار مهما مراقبة وزارة الداخلية على أوراق شكلية صرفية ، وعليه يجب فرض إستراتيجية جديدة تهدف إلى تقليص البطالة والفساد والنفقات وخدمة الجمعيات لأكبر عدد ممكن دون وجود إزدواجية الخدمة وإهدار مال المنح وصرفها فى مشاريع شكلية ثانوية بل إستراتيجية تطويرية مستدامة ، وفرض قانون عدم تضارب المصالح وعدم إزدواجة العمل بين القطاع العام والخاص للمؤسسين والموظفين والقائمين عليها .
تجد كثيرا من القائمين على الجمعيات إلا من رحم ربي ، كان فقيرا معدما وفجأة أصبح رغيد العيش والحياة وصاحب رصيد مال وعقار .