هل من مخرج من حالة الإحباط و«انعدام اليقين»...عريب الرنتاوي

الإثنين 03 ديسمبر 2018 11:30 ص / بتوقيت القدس +2GMT
هل من مخرج من حالة الإحباط و«انعدام اليقين»...عريب الرنتاوي



 سعت الحكومة عند تشكيلها أول مرة، إلى تمليك الأردنيين والأردنيات، «مشروعاً وطنياً جامعاً»، حمل عناوين كبيرة: «من الريع إلى الإنتاج»، «النهضة الوطنية» و»نحو عقد اجتماعي جديد»، وأحسب أن تلك، كانت بصمة الرئيس الدكتور عمر الرزاز الشخصية على نحو خاص، وبدل أن تكون هذه العناوين جمعية وجامعة، تحولت في لمحة بصر، إلى عناوين خلاف واختلاف، حتى أن الرئيس شخصياً، أخذ يقلل من استخدام هذه الشعارات، بل وربما يكون قد «قزّم» مراميها عن قصد أو من دونه.
في ظني أن للتآكل السريع في قيمة هذه الشعارات / العناوين، وتراجعها بذات السرعة التي جاءت بها، أسباباً عديدة، من أهمها: (1) أنها شعارات ظلت بلا حوامل اجتماعية وسياسية ترفع لواءها، ولم تجد أحداً يستنهضها ويعضدها. (2) أداء الحكومة المتواضع لم يأت منسجماً مع عظم المهمة وجسامة التحديات التي استبطنتها الشعارات المذكورة. (3) نجاح «السيستم» في ابتلاع هذه الشعارات وحكومتها التي لم تكن تليق بها وترقى إلى سويتها ومستواها، بل ونجاح «السيستم» في تحويل الحكومة التي جاء بها الدوار الرابع، إلى مجرد حكومة أخرى تضاف إلى السلسلة الطويلة من الحكومات المتعاقبة.
لا شك أن الرزاز – المثقف يعرف تمام المعرفة، أن مؤيدي مشروعه الاستنهاضي هم قلة بين الناس. صحيح أن لهم دوراً ريادياً وصوتاً مسموعاً وخطاباً متماسكاً إلى حد ما، بيد أنهم ما زالوا في خانة الأقلية. أما الرزاز – السياسي ورجل الدولة، فهو يعرف تمام المعرفة كذلك، أنه بحاجة لقاعدة أوسع لمساعدته في إنفاذ ما يفكر بها، وهنا لم يجد طريقاً آخر، غير طريق «المفاوضات حياة» مع مختلف مراكز صنع القرار وجماعات الضغط والمصالح، وكان معروفاً مسبقاً، ومحسوماً سلفاً، أن مآلات مسار المساومات هذا سينتهي إلى غلبة «السيستم» وهذا ما حصل.
لكن المفارقة المؤلمة، أن مرونة الرزاز واستعداده العالي للتجديف في مياه هائجة، لم تكسبه ثقة «السيستم» ودعمه وإسناده، فالمتربصون به كثرٌ من داخله. على أنه في المقابل، وجد نفسه مجرداً حتى من دعم «الأقلية» التي تشاطره أفكاره ورؤاه وفلسفته. فما كان من الرئيس القادم من «خارج النادي» إلى أن فقد دعم الأقلية التي تشبهه، من دون أن يحظى بدعم الأغلبية التي لم تستسغ بعد، عضويته لنادي رؤساء الحكومات.
الأردنيون بحاجة لمشروع وطني استنهاضي، بحاجة لقضية وشعار يلتفون حوله وينافحون عنها. مشروع يخرجهم من لحظة سوداوية وحالة إحباط عميم. أمس، كنت في جرش مع ثلة من أبناء المحافظة ومحافظاتها، وقد سادت أجواء النقاش والحوار مناخات يأس وإحباط و»انعدام يقين» لم أعهدها من قبل، وهذا غيض من فيض. هذا المناخ قاتل بكل معنى الكلمة، وينبئ بأوخم العواقب.
الأردنيون بحاجة لمشروع استنهاضي، تسبق فيه الأفعال الأقوال، فلا حديث مقنعاً عن محاربة الفساد، من دون رؤية حيتانه الكبار خلف القضبان، ولا معنى للحديث عن «شد الأحزمة»، من دون أن نرى سياسات تقشفية حكومية صارمة. ولا أفق لإصلاح النظام الضريبي، ما لم ير الأردنيون أغنياءهم يدفعون لصالح فقرائهم. ولا قيمة لكل هذا التغني بالشباب والنساء، وحرية الرأي والتعبير والتنظيم، من دون أن يخرج عليهم من يشرح لهم، لماذا ضعفت الإنترنت أو انقطعت عن محيط «الدوار»، ومن الذي صبّ الزفت والزيت على الأرصفة.
الأردنيون، بحاجة لعلاج بالصدمة، لكي يغادروا مربع اليأس والقنوط، وهذا لن يتم بتجريب المجرب، ولا باستعارة خطاب وممارسات الحكومات السابقة. هذا أمر لساسة وسياسيين في مراكز صنع القرار، بأكتاف عريضة، قادرين على شق «طريق الحق» من دون خشية أو هلع، لقلة سالكيه. الأردنيون بحاجة لإعادة إنتاج سيناريو 1989 وإن بقالب جديد، وعناوين جديدة.