سورية والدفع باتجاه الحسم العسكري..صادق الشافعي

السبت 01 ديسمبر 2018 02:28 م / بتوقيت القدس +2GMT



لماذا لا يتم الحسم النهائي للأمور في سورية، ولماذا تبقى المشاريع والاتفاقات الدولية دائما في خانة الجدل الخلافي ولا تخرج من دائرة المناورات؟
يحصل ذلك رغم ان حقائق مهمة فرضت نفسها على ارض الواقع السياسي كما على ارض الواقع الجغرافي والعسكري.                                                                               
أولى هذه الحقائق، ان النظام السوري وجيشه اصبحوا يسيطرون على ما يقرب من 80% من الدولة الوطنية السورية، أرضا ومؤسسات وسيادة وطنية، وما بقي خارج سيطرته موزع على اكثر من منطقة جغرافية.                                                                                                     
ثاني هذه الحقائق، وبالارتباط مع الحقيقة الأولى، ان لا احد تقريبا ما زال ينادي بمطلب رحيل النظام القائم ورئيسه. وإذا حصل ونادت به أطراف معينة، فإن مناداتها تبقى بلا وزن ولا قيمة، ولا تخرج عن دائرة ردة الفعل او المناورة محدودة التأثير والزمن.                                                                                                              ثالث الحقائق، ان المعارضة السورية لم يعد لها وجود فعلي ومؤثر.                                    
كل التشكيلات والتسميات التي كانت ذات حضور في الإعلام قبل سنوات اختفت. الجيش الحر الذي قدّم بوصفه الذراع العسكرية للمعارضة اختفى وتشرذم الى عدد من الفصائل المنفصلة عن بعضها البعض وانتهى دوره، اللهم إلا في مناسبات سياسية إعلامية حين يعاد تظهيره لإصدار بيان في قضية او موقف محدد. ودائما يبقى في موقع التبعية لتركيا، وفي باب التأييد لمواقفها.                                                                                           حكومة المعارضة اختفت. الهيئة القيادية العليا للمعارضة اختفت. وكذلك انتهت تشكيلات المعارضة القليلة والضعيفة التي كانت تمارس حضورها السياسي والإعلامي من داخل البلاد.                                                                                                                لم يبق من المعارضة إلا «الهيئة السورية للمفاوضات» المتبناة والمسيّرة تماما من الحلفاء الغربيين بقيادة أميركا. وتم إبقاؤها للمناورة بها في المشاريع العامة والتفاوضية، والأمور التفصيلية أيضا (مثل موضوع الدستور). 
لم يعد هناك لا دور ولا ضرورة لاستمرار وجود تشكيلات قوى المعارضة للقيام بدور الحرب بالوكالة الذي ظلت تقوم به. خصوصا، وقد ثبت عدم تمثيلها لقطاعات من الشعب ذات وزن، وثبت عدم قدرتها وكفاءتها.
الجهات الدولية والإقليمية التي ظلت هي الأساس والمحرك الحقيقي منذ بداية الأحداث في سورية، اندفعت لتتصدر المشهد وتتدخل بشكل مباشر ومكشوف حتى العري والاستفزاز. أميركا ترمي بثقلها وحضورها المباشرين، وترمي بثقلها وراء اتباعها المحليين وتقدم لهم الدعم بالمعدات والتدريب العسكريين، وبالمال والسياسة، وبشكل مباشر وعلني.                                                                                                                    وتلقى في ذلك موافقة ومساندة حلفائها من الدول الأوروبية الأساسية.
آخر تجليات التدخل الأميركي المباشر، البدء بإقامة خمس نقاط مراقبة لتعزيز وجودها العسكري والسياسي والمستمر الباقي شمال شرقي سورية. إضافة لتوقيعها مذكرة تفاهم لتدريب 30 ألف عنصر من قوات «قسد». 
تركيا تتصرف في المناطق السورية المحايدة لها وكأنها أراض ورثتها عن أجدادها العثمانيين. تحرك قواتها فيها بحرية وحسب حاجاتها وتقيم لها مواقع تمركز فيها قواتها وسلاحها وعتادها. كما تعقد اتفاقا مثلا، مع أميركا حول «منبج» وإدارتها، بتجاهل من الطرفين يصل حد النكران لحقيقة أكيدة انها مدينة سورية وعلى ارض سورية.                                                           وتزيد تركيا على ذلك بتجميع عدد من بواقي تنظيمات المعارضة، وبعضها إرهابي، مع بعض فصائل الجيش الحر، في «الجبهة الوطنية للتحرير» تسيّرها حسب رؤاها وسياساتها وخططها. 
الاستراتيجية الأميركية هي الإبقاء على ألفي جندي أميركي ومئات من الوحدات الخاصة من دول التحالف لتحقق بالتعاون مع حلفائها ومع «قسد» ثلاثة أمور: 
محاربة «داعش» ومنع عودتها، وإخراج ايران من سورية، والدفع نحو حل سياسي سوري. 
أما عن أمر «داعش»، فقد اثبت الجيش العربي السوري والقوى الحليفة له بجلاء وواقعية انه قادر تماما على القيام بالمهمة بكفاءة واقتدار.                                                                      
وأما عن أمر إخراج ايران من سورية، فان هذا الأمر (المهمة) هو في الأول والأساس تجاوب مع ضرورة مهمة وملحّة تطلبها دولة الاحتلال الإسرائيلي، لاعتقادها كما تعلن ان الوجود الإيراني في سورية هو خطر وجودي عليها.
أي ان قيام أميركا بهذا الأمر (المهمة) يحصل وبالدرجة الأولى تجاوبا مع ضرورات دولة الاحتلال ودفاعا عنها. مع التأكيد ان ذلك لا يلغي حقيقة ان هذا الأمر (المهمة) يقع في صلب وفي خدمة رؤيتها لعموم المنطقة وأهدافها فيها. 
وأما عن أمر الدفع نحو حل سياسي سوري، فهذا الأمر يفترض ان يكون «المهمة» التتويجية النهائية لها في سورية. مهمة فرض نظام على مقاس طموحات وأهداف ومصالح قوى الغرب عموما بقيادة أميركا في سورية، كما طموحاتها في عموم المنطقة.
أما عن الاستراتيجية التركية، فأساسها التمسك بهدف الحفاظ على مناطق نفوذ وسيطرة دائمين لها في الأراضي السورية، وعلى حساب السيادة السورية،  بتبرير تأمين مناطقها الحدودية من الخطر الكردي.
في كل ما تقدم، فان الأطراف المذكورة، تحاول تجاوز الإرادة السورية الوطنية، وتجاوز سيادة الدولة السورية الوطنية، وتجاوز الدول والقوى الدولية الأخرى القادرة على الفعل والصد. وتتجاهل حقائق وحدة الشعب السوري وتمسكه بوطنه وبدولته وسيادتها، وبوحدته وكرامته الوطنيتين، وتتجاهل قدرته على الدفاع عن كل ما ذكر.
كما تتجاهل كل الحقائق المهمة التي تم ويتم فرضها على الأرض بقوة الدم والسلاح.
لا تظهر في الأفق حتى الآن فرص جدية لحلول سياسية تحفظ وحدة سورية واستقلالها الوطني واستقلال قرارها ودورها في المنطقة. بل يبدو ان الأمور تدفع دفعا نحو خيار الحسم العسكري الذي يدفع ثمنه المواطن السوري من دمه وحريته وامنه واستقرار حياته، ويدفع ثمنه الوطن السوري من سلامه وامنه ومن الدمار ينتشر في أرجائه.