بقلم: يوآل جوزنسكي وكوبي ميخائيل
على خلفية التأثير الكبير لإيران في الشرق الأوسط، والذي يعتبر سبب قلق في إسرائيل وفي دول عربية، وبالطبع في الولايات المتحدة؛ نقلت التقارير مؤخرًا أن إدارة ترامب تضع جهدها في وضع خطة لتشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة، هذه القوة، التي تسميها الإدارة (التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط)، حظيت فعليًا باسم "ناتو عربي".
ووفق مصادر أمريكية وعربية رسمية، فإن الحلف يهدف للعمل كعائق أمام "ميول إيران التوسعية والإسلام المتطرف"، وحسب التقارير، ستتشكل القوة - بالإضافة للولايات المتحدة - من ست دول في الخليج العربي، ومصر والأردن، ومن المتوقع أن يبدأ حيز التنفيذ في 2019. هذا وقد أنهت قوات عسكرية من هذه الدول مؤخرًا أسبوعيْن من المناورات، التدريب الأول من نوعه "درع العرب 1" عقد في مصر دون مشاركة قطر وعُمان، وضمّ مراقبون من لبنان والمغرب، وكان بمثابة طلقة افتتاحية لتشكيل نفس القوة العسكرية عربية مشتركة.
نماذج عربية سابقة لتعاون عسكري
تجربة تأسيس تحالف عسكري عربي ليست جديدة، وتاريخ هذه التجارب لا يبشر بخير حول مستقبل "الناتو العربي" وقدرته على تحقيق أهدافه، التي تبدو طموحة أكثر من اللازم. في سنوات الخمسينات من القرن الماضي، فشلت محاولة الولايات المتحدة بإقامة مثل هذا الإطار (تحالف بغداد)، ومنذ ذلك الحين فشلت أيضًا الجهود لاستخدام القمة العربية (الإطار العربي الأقدم) لتعزيز التعاون العسكري بين الدول العربية. في 2015، قررت القمة العربية تشكيل قوة عسكرية مشتركة تضم 40,000 مقاتلًا، وتهدف لمواجهة "التأثير الإيراني والتطرف الإسلامي"، وكان مفترضًا أن تقدم مصر أساس القوة المقاتلة ودول الخليج تقدّم التمويل. في 2016، أعلنت السعودية عن إقامة تحالف عسكري، مكون من 34 دولة إسلامية، لمحاربة التنظيمات غير الحكومية مثل "الدولة الإسلامية"، لكن لم يتم تنفيذ شيء من تلك الخطط الطموحة.
في الواقع، نجحت السعودية بتشكيل تحالف عسكري مع دول عربية أخرى من أجل الحرب في اليمن، هذا التحالف يعمل للعام الرابع ضد المتمردين الحوثيين الذين تدعمهم إيران، لكن فعليًا الامارات العربية المتحدة فقط تشارك بالقتال. في الوقت نفسه، الحرب مستمرة ومتطورة ودون حسم، كما أن الائتلاف متهم بتحمل مسؤولية إلحاق الضرر الكبير بالمدنيين وخلق أزمة إنسانية قاسية في اليمن؛ هذا الفشل يُعيد لوعي العالم العربي (وربما مصر على وجه الخصوص) ذكرى النتائج الفاشلة للتدخل المصري في الحرب الأهلية في اليمن بداية سنوات الستينات، ويردع أغلب الدول العربية عن القيام بدور مهم في هذا الجهد.
وفعليًا، السعودية فشلت في الحشد للعملية، باستثناء دعم رمزي، من قبل الجيش العربي الأقوى (الجيش المصري)، كذلك القوة الإسلامية السنية الأكبر (الجيش الباكستاني) لم يشارك في المهمة، لرغبة إسلام أباد بالحفاظ على علاقات جيدة مع إيران وتجنب التدخل في المواجهة الإيرانية - السعودية.
يُعتبر مجلس التعاون الخليجي النموذج الأنجح لتعاون عربي منظم، ويشمل قوة عسكرية مشتركة. تحت راية القوة العسكرية الخاصة بها، دخلت للبحرين عام 2011 قوات تابعة للسعودية والامارات من أجل التأكد من أن الثورة الشيعية لن تُسقط البيت الملكي السني، نعم، مجلس التعاون الخليجي يعتبر نموذجًا ناجحًا نسبيًا لتعاون عربي بالنسبة للمنظمات العربية الإقليمية الأخرى.
صعوبات عملياتية وعوائق سياسية
من ناحية الولايات المتحدة، ائتلاف عربي إقليمي قد يمنع أو يقلل من ضرورة تمركز قوات أمريكية على الأرض، بحيث يستطيع هذا التحالف مبدئيًا أن يضم أيضًا قتالًا ضد "التآمر والدعم الإيراني للإرهاب، وكذلك ضد تهريب السلاح من إيران لوكلائها في الشرق الأوسط"؛ وبذلك يستطيع التحالف "التخفيف" بشكل كبير عن الولايات المتحدة في الساحة الدولية - في سياق التوتر مع روسيا وفي الساحة الأمريكية الداخلية - من التكاليف السياسية الكامنة في التدخل مباشر، حتى لو رافق الائتلاف العربي الإقليمي تكاليف مالية بالنسبة للولايات المتحدة نتيجة لزيادة المساعدات العسكرية لهذا التحالف.
إن فرص تأسيس قوة عسكرية عربية مؤثرة ضعيفة جدًا، ليس فقط بسبب تصورات التهديد واختلاف الأولويات بالنسبة لأعضاء القوة، وكذلك الخلافات القوية بين البعض، وكذلك بسبب القدرات العسكرية المتواضعة لأغلب المشاركين. علاوة على ذلك، في كل تحالف عسكري هناك قوة رائدة، وفي حالة العالم العربي قد يحدث صراع لقيادة التحالف بين مصر والسعودية، حيث الجيوش الاكبر والاقوى من بين الشركاء المحتملين. بالإضافة لذلك، قوة عسكرية كهذه - سترسل حسب التقارير لسوريا أيضًا - تتطلب غطاءً جويًا ودعمًا لوجستيًا واستخباراتيًا أمريكيًا من أجل أن تكون فعالة ولكي تصمد أمام هجمات محتملة من جانب قوات النظام، بمساعدة روسيا أو إيران؛ وبالتالي فإن على إدارة ترامب أن تبحث اعتبارات عملية بالنسبة لقدرات حلفائها في الشرق الأوسط وتشجعهم على التدريب والاستعداد لكي يستطيعوا في الوقت المناسب أن ينفذوا عمليات مشتركة.
مصلحة إسرائيلية أو مصدر قلق؟
إسرائيل بالطبع لديها مصلحة على المدى القصير والمتوسط، لأن تحالفًا عربيًا يُفترض أن يركز على التدخل الإيراني في دول الشرق الأوسط وتأثيرها المتزايد في المنطقة، وسيؤكد على أن التهديد الذي يأتي من إيران لا يرتبط فقط بجهودها للحصول على سلاح نووي؛ بل بسعيها الواضح للتحول لقوة إقليمية رائدة، كذلك يُفترض أن يحارب الائتلاف تهديدات الجهاد السلفي والإسلام السياسي. من غير المستبعد أن تأسيس هذا الائتلاف سيساعد في تعميق العلاقات بين إسرائيل وبين دول مختلفة في المنطقة، وكذلك فتح الباب أمام شراكات هادئة لإسرائيل (من خلال مساعدة استخباراتية على سبيل المثال) في التحالف.
لكن على المدى البعيد، قد يكون لهذا الائتلاف - في حال تأسيسه - تأثيرات إضافية، ولن تكون كلها إيجابية بالنسبة لإسرائيل، وذلك في ظل احتمالات تغير النظام في الدول الأعضاء في الائتلاف، قد يحدث في أعقابه تغير في الأولويات واستئناف العداء تجاه إسرائيل في منطقة عربية محددة وذات قدرات عسكرية متطورة أكثر ممّا هي عليه اليوم. وفقًا لذلك، بالنسبة لإسرائيل من المناسب عدم التطرق علنًا للخطوة، وبالأخص العمل لتعزيز التنسيق مع الولايات المتحدة في هذا الشأن، طالما أن هناك تطور، بهدف ضمان الحصول على صورة محدثة حول التطورات المتعلقة بالأمر وصياغة تفاهمات مع الامريكان حول تحييد الجوانب التي قد تظهر كإشكالية وخطيرة بالنسبة لإسرائيل.أعلى النموذج