29 تشرين الثاني: انقلاب التحالفات..رجب أبو سرية

الجمعة 30 نوفمبر 2018 03:57 م / بتوقيت القدس +2GMT
29 تشرين الثاني: انقلاب التحالفات..رجب أبو سرية



صحيح أن الصخب الذي كان يرافق عادة الأحداث المرتبطة بالقضية الفلسطينية، قد خفت عما كان عليه قبل عقود، وصحيح أيضاً أن إسرائيل قد نجحت في فك الكثير من عزلتها الدولية التي كانت عليها قبل عقود أيضاً، لكن صحيح أيضاً، أن الحالة ليست على قاعدة من الربح الصافي أو الخسارة التامة، بل يمكن ملاحظة أن الحق الفلسطيني يحقق تضامناً هنا والجبروت الإسرائيلي يحقق مكسباً هناك، وهكذا تسير الأمور لدرجة يمكن القول معها: إن المواقف السياسية للدول والمجموعات السياسية وحتى الشعوب لا تقف عند حال، بل هي متغيرة ومتقلبة، لدرجة الانقلاب في بعض أو حتى في كثير من الأحيان، وهذا ربما ينطبق أيضاً على الموقف من طرفي معادلة الصراع" القرني"، أي المستمر منذ نحو قرن من الزمان، ونقصد به بالطبع الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي.
قبل ثلاثة أيام، وفي حديث أجرته معه "واشنطن بوست"، أشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى تضاؤل أهمية نفط الشرق الأوسط بالنسبة لبلاده، ولم يوضح السبب، إن كان متعلقاً بظهور الغاز الطبيعي كمنافس، أو بسبب تزايد استخراج النفط الأميركي، أو بسبب المتغيرات التي جرت على الاقتصاد العالمي، والتي لم يعد معها ضرورياً وجود الثروة الطبيعية لتحقيق النمو الاقتصادي، وهذا ليس أمراً مهماً، لكن المهم هو أنه كشف أن النفط كان سبباً رئيسياً للوجود الأميركي في المنطقة (كقوة استعمارية بالطبع)، ثم استدرك قائلاً: إنه مع تضاؤل أهمية النفط، يتبقى هناك سبب وحيد للبقاء في المنطقة وهو إسرائيل.
إذا كان النفط سبباً للوجود الأميركي منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية في الشرق الأوسط كدافع استعماري، غير أخلاقي، فإن ترامب في داخله أراد أن يوازن السبب الثاني لوجود بلاده بدافع "أخلاقي" هو مقتنع به، وهو حماية إسرائيل، وربما لهذا السبب يريد أن يلقي "بالحمل" عن كاهله وإلقاء ما يسميه "صفقة القرن"، فإن نالت رضا إسرائيل فخير وبركة وإن لم يكن، فقد "عمل الرجل اللي عليه" ومضى، ولكن هذه تبقى وجهة نظر ترامب الجمهوري، وليست بالضرورة أن تظل ثابتاً للسياسة الأميركية القادمة، أي بعد سنوات أو عقد من السنين.
من يدري فقد تكتفي الولايات المتحدة بدعم إسرائيل فيما هو قادم من سنين بالدعم المالي، على الطريقة العربية خلال عقود مضت في دعم القضية الفلسطينية، لكن أميركا البراغماتية، التي لا تعلي من شأن الأخلاق كثيراً، سترى في إسرائيل القوية عسكرياً والغنية اقتصادياً وغير المهددة وجودياً دولة ليست بحاجة للدعم ولم تعد بحاجة لها. وها هو سيناتور جمهوري يعيق، في سابقة تحدث لأول مرة، الموافقة النهائية على اتفاقية المساعدات العسكرية التي تم توقيعها منذ عامين بين الدولتين، والتي من المقرر أن تزود إسرائيل بحوالى 38 مليار دولار على مدى عشر سنوات قادمة.
إسرائيل نفسها تعد العدة منذ وقت للوصول إلى حالة "الفطام" عن الولايات المتحدة، فقد كان بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية قد قال في خطاب له أمام الكونغرس الأميركي قبل عقدين: إنه يطمح إلى إنهاء الدعم الاقتصادي الأميركي لإسرائيل، ومع تبدد التهديد الوجودي، رغم أن إسرائيل "تخترع" كل فترة عدواً وهمياً، مرة العراق ومرة التطرف، ومرة أخرى إيران، إلا أن الدنيا كلها ترى بعينيها المجردتين أن كل ذلك ما هو إلا افتراء وكذب.
انقلاب الموقف من طرفي معادلة الصراع في الشرق الأوسط، كان قد مس الغرب الأوروبي قبل الولايات المتحدة، وبالتحديد منذ انتهاء الحرب الباردة، حيث ظهرت حالة من التوازن في مواقف معظم دول أوروبا الغربية، المؤيدة لحل الدولتين ولحل سياسي ينتهي بإقامة دولة فلسطينية إلى جوار دولة إسرائيل، بعد إنهاء احتلالها للأرض الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، ومع مرور الوقت يتأكد ويتعمق الاصطفاف على أساس الانحياز للحق الفلسطيني لدى الشعوب عامة وعند الدول الديمقراطية التي تقر بحقوق الإنسان ومنها حقوق الشعب الفلسطيني الطبيعية، فيما لا تجد إسرائيل في ظل محاولتها الاحتفاظ بنتيجة الحرب والعدوان، أي باحتلالها للأرض الفلسطينية وقهر الشعب الفلسطيني، من حليف سوى ما تبقى من دول ما زالت محكومة بمخلفات الحرب الباردة وبما تبقى من ثقافة الاستعمار، ثم في أنظمة الاستبداد في الشرق الأوسط وبعض دول إفريقيا وكذلك في بعض دول أوروبا الشرقية.
كانت الدول العربية وكذلك دول العالم الثالث، بمن فيها الدول الإفريقية، ودول المنظومة الاشتراكية، أي دول أوروبا الشرقية، حليفاً تلقائياً للقضية الفلسطينية، بسبب من حالة الاصطفاف العالمي بين معسكري الشرق والغرب، لكن هذا الواقع تغيّر، وهذا ما يفسر ما تحققه الآن إسرائيل من دخول لقصور أنظمة الاستبداد في دول المشرق العربي، ومن استغلال للفقر في بعض دول إفريقيا.
تستند إسرائيل في تحالفاتها القادمة لمنظومة "المصالح" الاقتصادية ، فيما الحق الفلسطيني يجد الدعم والإسناد من التقدم على صعيد منظومة الأخلاق الإنسانية، التي تريد أن ترى العالم أكثر عدلاً ومساواة بين البشر، لذا فإن نجاح إسرائيل ليس له مستقبل، بينما كل المستقبل للحق الفلسطيني في الحرية والعدالة والمساواة.
لن نذكّر هنا بجملة القرارات المتخذة في الأمم المتحدة، حيث دائماً إسرائيل تواجه بالإدانة في "برلمان العالم" ممثلاً بالجمعية العمومية، بينما تجد الحماية في "حكومة" المنظمة الدولية، أي في مجلس الأمن، وهكذا هي قد تنجح في دخول القصور الملكية ورؤساء الدول والحكام حلفاء، لكنها على الصعيد الشعبي لن تجد إلا الصد والمطالبة بأن تنهي احتلالها للأرض والشعب الفلسطيني أولاً، وثانياً التراجع عن طبيعتها كدولة عنصرية.
Rajab22@hotmail.com