خلصت دراسة صادرة عن "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي إلى أن مواجهة التهديدات الاستراتيجية والأمنية التي يمثلها قطاع غزة تتطلب توفير الظروف التي تسمح بعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، وإرسال قوة مراقبين دولية.
ونوهت الدراسة التي أعدها كل من الجنرال "أودي ديكل" والباحثة "كيم لبيا"، إلى أن حل المعضلة الإنسانية والاقتصادية في قطاع غزة عبر مشاريع إعادة الإعمار يتطلب عودة السلطة الفلسطينية إلى هناك، على اعتبار أنه مصالح "إسرائيل" تقتضي أن يدرك المواطن الفلسطيني في غزة أن السلطة، وليس حماس، هي المسؤولة عن تحسين واقعه الاقتصادي.
وحذرت الدراسة، التي نشرها موقع المركز اليوم، من إعادة إعمار قطاع غزة تحت حكم حركة حماس على اعتبار أن هذا التطور سيعزز مكانة الحركة بشكل كبير ويكرس حكمها.
ودعت الدراسة صناع القرار في تل أبيب إلى إعداد خطة لإعادة اعمار القطاع بالتعاون مع السلطة الفلسطينية ومصر والقوى الدولية التي تشترط تمويل مشاريع إعادة الإعمار في القطاع بأن تتولى السلطة إدارة هذه المشاريع.
وحسب الباحثين، فأنه يتوجب على "إسرائيل" أن تعلن بشكل واضح وصريح أنها تشترط السماح بإعادة إعمار القطاع بعودة السلطة الفلسطينية إلى هناك، على اعتبار أن مثل هذا الإعلان سيحرج حركة حماس أمام الجمهور الفلسطيني وسيقلص هامش المناورة الذي تتمتع به حاليا.
وأوضحت الدراسة أن إرسال مراقين دوليين إلى قطاع غزة سيمس بقدرة حركة حماس على العودة إل ممارسة أنماط المقاومة المسلحة ضد "إسرائيل" وسيجعلها مسؤولة أمام المجتمع الدولي وأمام الجمهور الفلسطيني عن تدهور الأوضاع مجددا في القطاع.
وشددت الدراسة على أن كل الاعتبارات الاستراتيجية تدفع "إسرائيل" لتجنب مواجهة شاملة مع حماس في قطاع غزة، على اعتبار أن هذه المواجهة ستقلص فرص تفرغ تل أبيب لمواجهة تحديات أكثر جدية على جبهات أخرى.
وأشارت إلى أن جميع مصالح "إسرائيل" في الساحة الفلسطينية، وضمنها قطاع غزة، "قصيرة المدى"، مما يستدعي حل مشكلة القطاع بما يتناسب مع مصالح "إسرائيل".
وحسب الدراسة، فأنه على الرغم من أن كلا من "إسرائيل" ونظام السيسي معنيان بالتخلص من حكم حماس في القطاع إلا أن الطرفين يواصلان جهودهما لإنجاز تهدئة بشروط محدودة لأن مصالحهما ستتأثران سلبا في حال اندلعت مواجهة شاملة.
ونوهت الدراسة إلى نجاح الذراع العسكري لحركة حماس بالكشف عن الوحدة الخاصة الإسرائيلية التي عملت الأسبوع الماضي شرق مدينة خانيونس، جنوب القطاع، وإقدام الحركة على قصف العمق الإسرائيلي، مكن زعيمها يحيى السنوار من إرسال رسالة واضحة للقيادة الإسرائيلية بأنه لن يسمح بأن تستغل تل أبيب التهدئة في تنفيذ عمليات في القطاع.
وحسب الدراسة، فقد نجحت الاستراتيجية التي اعتمدها السنوار، منذ انتخابه في تحسين مكانة حركته الاستراتيجية في مواجهة "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية والمجتمع الدولي من خلال التركيز على أنماط المقاومة التي تستند إلى الطابع الجماهيري المدني لمواجهة الحصار وعمد إلى تقليص مظاهر الخطاب الديني والقومي.
ونوهت إلى أن حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب غير متحمسة حتى الآن لإنجاز المصالحة الداخلية الفلسطينية، التي ستضمن إعادة السلطة للقطاع، على اعتبار أن هذا التحول لا يسهم في تحقيق هدفها المتمثل بالفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة؛ مشيرة إلى أن الواقع يخد الخط الدعائي لليمين في إسرائيل الذي يحاجج بأنه لا يوجد شريك للمفاوضات في الجانب الفلسطيني.
ورأت الدراسة أن عدم رغبة تل أبيب في عودة السلطة جعلها تنغمس في مفاوضات غير مباشرة مع حماس من أجل التوافق على مسار تهدئة محدود.
واستدركت الدراسة أن التباين في المواقف بين حماس و"إسرائيل" يقلص فرص التوافق على مسار تهدئة طويل الأمد، على اعتبار أن تل أبيب تصر على تحرير أسراها لدى الحركة، في حين أن الحركة ترفض الربط بين ملف الأسرى وملف التهدئة.
وأوضح معد الدراسة أن "إسرائيل" تشترط الإفراج عن الأسرى قبل السماح بتدشين مشاريع إعادة الإعمار، والموافقة على ربط غزة بالعالم من خلال ممر بحري يصل القطاع بقبرص، مشيرة إلى أنه بدون تلبية هذا الشرط فأن "إسرائيل" ستسمح فقط بإدخال المال الذي تبرعت به دولة قطر لدفع رواتب موظفي حكومة حماس وتمويل شراء الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع.
ونوه الباحثان إلى أن "إسرائيل" معنية بألا يتم تمكين حماس من تحيق إنجازات يمكن أن يرى فيها الجمهور الفلسطيني مؤشرا على نجاح حراك مسيرات العودة، الذي قادته الحركة، في حين أن السلطة الفلسطينية رفضت القيام بأية خطة يمكن أن تساعد على انجاز التهدئة، خشية أن يسهم الامر في تعزيز مكانة حماس.
وأعادت الدراسة للأذهان حقيقة أن نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي معني من خلال دوره في انجاز التهدئة بين "إسرائيل" وحماس وتحقيق المصالحة الداخلية الفلسطينية بتمكين السلطة من العودة للقطاع بشكل تدريجي.