طالب الدكتور حنا عيسى، الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، بتطوير وتفعيل واقع التعليم في مدينة القدس المحتلة بالقدر الذي يعزز الصمود ويحافظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، وبضرورة تعامل المجتمع الدولي مع القدس كأراض محتلة، وبالتالي تفعيل دور مديرية تربية القدس الشريف كمرجعية لقطاع التعليم في المدينة.
وقال عيسى، "التعليم في مدينة القدس المحتلة يمثل هدفاً رئيساً لسلطات الاحتلال الإسرائيلية لتدميره واضعافه، فهو يعاني من سياسات الاحتلال كغيره من القطاعات، حيث الالاف من الطلاب دون مقاعد دراسية، والعديد من المدارس تفتقر لأدني المقومات والأساسيات من معلمين وقرطاسية وخدمات، ناهيك عن تهويد المناهج الدراسية وتحريفها، اضافة لوضع معيقات امام عملية بناء المدارس وترميمها".
وأضاف، "من أبرز معيقات التعليم وتطوره في القدس المحتلة هو افتقار المدينة لمرجعية موحدة لإدارة العملية التربوية، فمن جهة تفرض سلطات الاحتلال نفسها من خلال مدارس المعارف والبلدية ومن خلال التضييقات المختلفة التي تمارسها على المدارس الأخرى، ومن خلال ضمها شرقي القدس إدارياً إلى دولة الاحتلال، ومن جهة ثانية، تعتبر السلطة الفلسطينية شرقي القدس جزءاً إدارياً من الضفة الغربية، ولكن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية لا تدير فعلياً إلا مدارس الأوقاف".
وتابع عيسى "تتعاون مدارس وكالة الغوث مع توجهات هذه الوزارة، أما المدارس الأهلية والخاصة فإنها مختلفة الانتماءات والتوجهات، فمنها ما يتعاون مع الوزارة الفلسطينيةً، ومنها ما يتمتع بدعم سلطات الاحتلال وبالتالي يحابيها، ومنها ما هو مستقل أو يتبع لهيئات عربية أو دولية أو دينية مختلفة، لذلك بات التعليم في القدس يعاني من سياسات مختلفة وتوجهات متناقضة ليكون الطالب هو الضحية".
ميزانيات لا تغطي الاحتياجات
ولفت عيسى، "يعتبر عدم وجود مصادر تمويلية ثابتة ومستقرة وميزانيات كافية ومستمرة تغطي احتياجات القطاع التعليمي من مشاكل التعليم الاساسية في القدس المحتلة، ومن أبرز نتائج هذه المشكلة هو النقص في عدد المدارس وعدم كفايتها لأعداد الطلاب المتزايدة، وعدم صيانة أو توسيع القائم فيها، مما أدى الى استئجار مبان غير مؤهلة، وحاويات وأبنية متنقلة وملاجئ ومخازن وممرات، واستخدامها أماكن للدراسة تفتقر للحد الأدنى من الظروف الصحية والتصميمية والمرافق التعليمية المناسبة".
واستطرد عيسى "وهو الأمر الذي أدى إلى ازدحام واكتظاظ الصفوف الدراسية لضيقها ولعدم إمكانية التوسع ببناء مدارس جديدة أو ترميم بعضها الآيل للسقوط حيث باتت تبلغ الكثافة الصفية حوالي 30 طالب بالصف الواحد، ناهيك عن ازدياد المشاكل في البنى التحتية للمدارس وتردي حالة الكثير منها لافتقارها للمرافق والساحات والتجهيزات المخبرية والطواقم الإدارية التعليمية والخدمات لأساسية اللازمة للعملية التعليمية والملائمة للبيئة المدرسية ورياض الأطفال، ونقص البرامج لذوي الاحتياجات الخاصة وعدم توفر الأماكن التي تخصص للأنشطة اللامنهجية كالمكتبات والقاعات والصالات وملاعب الرياضة وخلافه".
وأشار أن جهاز التعليم في القدس الشرقيّة يعاني من اكتظاظ شديد داخل غرف التدريس، أشدّ بكثير من ذاك القائم في القدس الغربيّة، فيصل معدّل عدد الطلاّب في المدارس الابتدائية البلديّة في القدسالشرقيّة إلى 32 طالبا تقريباً في الصفّ الواحد، مقابل 21 طالباً تقريباً في الصفّ الواحد في القدس الغربيّة، أما في التعليم فوق الابتدائي فيصل معدّل عدد الطلاّب في الصفّ الواحد في مدارسالقدس الشرقيّة إلى 32 طالباً، بينما يصل في المدينة الغربية إلى 24 طالباً في الصفّ الواحد".
وقال، "اضافة للمشاكل التي تعاني منها المباني والمستلزمات التعليمية في القدس المحتلة، فان المنهاج الدراسي بين يدي الطلبة المقدسيين يتعرض للتعديل والتشويه وحذف أجزاء من الكتب الدراسية وطمس مادة العقيدة الإسلامية، وغياب بعض السور القرآنية، وتجزئة مادة التاريخ، وتحريف أسماء المدن الفلسطينية بدواعي تحريضية بهدف تهويد واسرلة منهاج التعليم في القدس، بخطوات مدروسة وممنهجة لتجهيل ونشر ثقافة التخلف".
50% تسريب من المدارس
وأضاف عيسى "من المشاكل والمصاعب التي تواجه التعليم في القدس المحتلة تنامي نسبة التسرب والتسريب خاصة المراحل العليا التي تجاوزت أكثر من 50% بين أبناء المدينة، جراء جذب سوق العمل الإسرائيلي لهم بسبب ارتفاع الأجور، ومشاكل النظام التربوي كالنقص في عدد المدارس، والغرف الصفية الضيقة والتي تفتقر للشروط الصحية والسلامة التربوية، وتوتر علاقات المعلمين مع الطلبة والتي لعبت دوراً كبيراً في التسرب حتى أصبحت ظاهرة مقلقة للغاية، خصوصاً وان ذروتها بالمرحلة الثانوية".
وحذر، "تتعمد وزارة التعليم الإسرائيلية المساس باللغة العربية ومحاولة طمسها من خلال احتواء المناهج على أخطاء لغوية واستبدال اللغة الفصحى باللهجة العامية، أما بخصوص الجامعات الإسرائيلية التي يدرس فيها الطلاب العرب فقد لوحظ أن التدريس يتم بالعبرية وموضوعات النحو والصرف مهمشة في المناهج، كما أنها تفتقر لكل ما يتعلق بجماليات العربية التي تحبب اللغة إلى المتلقين وخاصة الأطفال منهم، في محاولة واضحة لقيام العبرية محل العربية وتشويه الهوية الإنسانية الوطنية والقومية للطالب المقدس".
وقال عيسى "تعتبر القدس بتاريخها القديم والمعاصر مركزاً تعليمياً لفلسطين ضمّ أفضل المؤسسات التعليمية التي تماثلت مع الأهمية السياسية، والاقتصادية والخدماتية للمدينة، وتعاظمت محاولات سلطات الاحتلال الإسرائيلي لعزل القدس عن محيطها المباشر وباقي الأراضي الفلسطينية، وقد انعكس ذلك على الوضع التعليمي في المدينة فتضاءل عدد الطلاب الذين قدِموا من قرى القدس المحيطة، ومناطق أريحا وبيت لحم ورام الله مع تشديد سياسة الإغلاق والحصار".
واستطرد، "وفي عام 1949م أُنشئت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين (الأونروا)، والتي وفرت في البداية تعليماً مدته 9 أعوام للأطفال المقدسيين، وفي 1994/8/28 أُنشئت وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية فتسلمت هذه الوزارة مسؤولية التعليم بجميع جوانبه في الضفة الغربية وقطاع غزة، باستثناء القدس، حيث استلمت فقط مدارس الأوقاف، أما اليوم فتتوزع الهيئات المشرفة على التعليم في القدس على أربع جهات رئيسة، هي: الأوقاف الإسلامية (وتتبع للسلطة الوطنية الفلسطينية)، ووزارة المعارف وبلدية القدس التابعتان للاحتلال، والقطاع الخاص، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)".
وقال عيسى "بعد هزيمة العرب في حرب 1967 واحتلال الإسرائيليين شرقي القدس، ألغت سلطات الاحتلال العمل بقانون التعليم الأردني ووضعت التعليم الابتدائي تحت رقابة وزارة المعارفالإسرائيلية ، والتعليم الثانوي تحت رقابة بلدية القدس الإسرائيلية، كما أغلقت مكتب التعليم في محافظة القدس، واعتقلت العديد من مسؤولي التربية والمعلمين بمن فيهم مدير التربية، أما المدارسالخاصة المحلية والأجنبية فسمح لها بإدارة شؤونها، وإن ظلت تخضع لضغوط مباشرة وغير مباشرة لمحاباة سياسات الاحتلال، وخاصة في المناهج".
صمود قطاع التعليم
وشدد، "يجب العمل على تخصيص موازنة مستقلة لمواجهة التحديات الخاصة بقطاع التعليم في القدس من قِبل السلطة الفلسطينية ، وتعزيز وعي المواطنين في القدس حول أهمية التعليم في العملية التنموية ، وفضح الممارسات الإسرائيلية في قطاع التعليم التابع للبلدية والمعارف الإسرائيلية وفلسفتها المدمرة على المدى البعيد".
وناشد عيسى بممارسة ضغوط محلية ودولية على سلطات الاحتلال لوقف تقييد حرية الحركة للطلبة والمعلمين وتجنيد مؤسسات حقوق الإنسان للمساهمة في ذلك، وبتوفير منح دراسية لخريجي الثانوية العامة بدلا من التوجه لسوق العمل الإسرائيلية، والاهتمام بتأهيل الكوادر التعليمية من خلال تنظيم البرامج التدريبية المختلفة بشكل دوري، والتركيز على احتياجاتهم، خاصة في بيئة الاحتلال.
وقال، "لدعم صمود قطاع التعليم في القدس، يتوجب إنشاء صندوق لدعم التعليم في المدينة ويهتم بدعم رواتب المعلمين والمدارس بما فيها المدارس الخاصة للاستغناء عن الدعم المقدم من البلدية، ويجب تأمين الدعم المادي ، للطلاب والمدارس على حد سواء. فسيحدّ هذا الدعم من نسب التسرب العائدة إلى ضيق الظروف الاقتصادية. كما سيمكن هذا الدعم المدارس من دفع رواتب مغرية تجذب أصحاب الكفاءات ".