قال جنرال إسرائيلي مرموق إن "كل ما يجري الحديث بشأنه في القاهرة من مباحثات يمكن أن نصفها أنها تهدئة أو ترتيبات سياسية، بغض النظر عن الدور المتوقع للسلطة الفلسطينية مما يحدث، فضلا عن المخاوف من إمكانية إعادة احتلال قطاع غزة، لكن إسرائيل محظور عليها أن تقع في أي أوهام، لأن المعركة القادمة العنيفة في غزة ستقع: عاجلا أم آجلا".
وأضاف الجنرال عاموس يادلين الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" في مقاله بصحيفة يديعوت أحرونوت،" أن "الغموض والضبابية التي أدارت بموجبها الحكومة الإسرائيلية الوضع القائم في قطاع غزة، جعل الجمهور الإسرائيلي يعيش حالة من البلبلة والتذبذب".
وأوضح أن "زيادة التقارير في الأيام الأخيرة حول ترتيبات التهدئة في القاهرة، أضافت المزيد من علامات الاستفهام حول طبيعة الحاصل بين حماس وإسرائيل برعاية مصرية، حيث بتنا في الآونة الأخيرة أمام وضعين وحالتين: الأولى الحديث عن تهدئة طويلة المدى، تشمل فتح معابر غزة، وترميمها اقتصاديا، وإعادة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، وتبادل أسرى، ومنع تعاظم الذراع العسكري لحماس، ونزع غزة من سلاحها".
وشرح قائلا أن "مثل هذه الصيغة ليس من المتوقع أن تعمر طويلا، بسبب ثلاثة عوائق أساسية: أولها أن حماس لن تتنازل عن ذراعها العسكري، وثانيها أن السلطة الفلسطينية ترفض أن تكون طرفا في هذا لاتفاق، وثالثها أن الطلب من حماس إعادة الجنود والقتلى الإسرائيليين إجابته ليست متوقعة".
وانتقل يادلين، الذي يترأس حاليا معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، أن "المستوى الثاني يتمثل في الذهاب لخيار العملية العسكرية الواسعة وصولا إلى الحرب، وتعني الدخول في مواجهة مسلحة في حدها الأقصى، يتخللها إطلاق حماس صواريخها بعيدة المدى إلى الحد الأقصى الذي يمكن أن تصله، محملة برؤوس متفجرة ثقيلة، وتحاول التسلل داخل إسرائيل عبر الأنفاق أو البحر، وتفعيل طائرات مسيرة".
وزاد قائلا أن "هذه الحرب ستشغل إسرائيل فيها سلاحها الجوي لضرب مئات الأهداف لحماس، وتعود للاغتيالات الموجهة، والعمليات العسكرية البرية، وأخرى لم تشهدها الحرب الأخيرة الجرف الصامد 2014".
وأوضح يادلين الذي كان مرشح حزب العمل لتولي وزارة الحرب في الانتخابات الأخيرة، أن "التجربة السابقة، تشير إلى أن حماس وإسرائيل لا تريدان وصول المواجهة الشاملة، فحماس تفهم موازين القوى في غير صالحها، والبيئة السياسية هي الأفضل لإسرائيل بدءا بواشنطن مرورا بالقاهرة وصولا إلى الرياض، فضلا عن الكارثة الإنسانية في غزة".
أما إسرائيل، يقول يادلين أنها "تفضل البقاء في مواجهة إيران وحزب الله في الشمال، والانتظار لحين الانتهاء من الجدار الحدودي الشرقي مع القطاع، فضلا عن عدم رغبتها باحتلال غزة بسبب كل الأثمان الباهظة التي تنتظرها".
واستنتج قائلا إنه "في ظل عدم الرغبة القائمة لكليهما، حماس وإسرائيل، بالذهاب لمواجهة عسكرة مفتوحة، فإننا سنكون أمام مناورة سياسية بين المستويات الثلاثة: وقف لإطلاق النار، جولات متقطعة من المواجهة، ترتيبات جزئية".
وأضاف يادلين، الذي يعد من العقول العسكرية والاستخبارية الكبيرة في إسرائيل، أنه "بغض النظر عما يحصل منذ انطلاق المسيرات الفلسطينية، يمكن القول إننا أمام أربعة أهداف استراتيجية لإسرائيل في قطاع غزة: أولها إعادة الهدوء لغلاف غزة، وتجديد الردع الإسرائيلي، وثانيها الانفصال الكلي عن القطاع من أي مسؤولية إسرائيلية بإعادة السلطة الفلسطينية، وثالثها وضع المزيد من المسؤولية الثقيلة على مصر، ورابعها التأكد من نزع السلاح من غزة، أو على الأقل منع تعاظم قدراته العسكرية".
وأوضح أنه "يمكن تحقيق هذه الأهداف من خلال احتلال القطاع، وتدمير سلطة حماس، لكن الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل لا تريد مثل هذه العملية، لأنها ستعني في النهاية إعادة الحكم العسكري إلى غزة، مع ما يحمله ذلك من أعباء عسكرية واقتصادية وإدارية ستلقى على كاهلها".
ووصل الكاتب للخلاصة قائلا إن "المتاح حاليا أمام إسرائيل هو تنفيذ عملية عسكرية واسعة جدا في غزة دون احتلالها، مع إزاحة العديد من الكوابح أمام العمليات الجوية والبرية التي لم تنفذ في الجرف الصامد، مع التراجع عن الإبقاء على حماس كعنوان مركزي في غزة عبر المس بالأهداف العسكرية والإدارية للحركة".
وختم قائلا إن ذلك "يمكن أن يتم عبر ضربات قوية جدا بهدف تثبيت الردع، باتجاه ترتيبات سياسية تتلو المعركة العسكرية هذه، أعرف أننا أمام عملية ستكلف إسرائيل دماء وأموالا، لكن لابد منها، أمام إنجازات استراتيجية من المهم أن تتحقق".