ذكر موقع "ذي إنترسبت" الإخباري أن تقريرا سريا أعدته الشرطة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي يكشف ما قال إنه سلسلة من الأخطاء التراجيدية التي ارتكبها ضباط سلاح الجو، والبحرية والاستخبارات، وأدى في نهاية المطاف إلى استشهاد أربعة أطفال وإصابة ستة آخرين، كانوا يلعبون على شاطئ غزة في 2014، بعد استهدافهم بصواريخ من طائرات مسيرة تزامنا مع العدوان الإسرائيلي على القطاع.
وبحسب "ذي إنترسبت"، فإن الضباط الذي شاركوا في عملية الاغتيال، والتي لم يتم أبداً في السابق الكشف عن تفاصيلها، زعموا، لدى تقديمهم شهادتهم، أنهم ظنوا للوهلة الأولى أن الأطفال، الذين كانوا من عائلة واحدة وأعمارهم بين 10 أعوام و11، هم عناصر من حركة "حماس"، رغم أنه جرى استهدافهم في وضح النهار.
ولفت المقال إلى أن الشهادات/ الادعاءات التي أدلى بها الضباط تطرح مجموعة من الأسئلة حول اغتيال الأطفال، الذي تم أمام أعين العشرات من الصحافيين وأدى لموجة تنديد عالمية، جراء الاستهتار بأرواح المدنيين الأبرياء. ووفق ما ينقل "ذي إنترسبت"، فإنه بعد تصفية الاحتلال للطفل الأول، طلب منفذو الهجوم توضيحات من رؤسائهم لمعرفة إلى أي مدى يمكنهم ملاحقة الفارين على الشاطئ، الذي يستخدمه المدنيون في العادة.
وبعد أقل من دقيقة، ينقل الموقع، وبينما كان الأطفال يفرون هرباً من الموت، قرر مسيرو الطائرات عن بعد إطلاق صاروخ ثان، أدى لاستشهاد ثلاثة أطفال آخرين، رغم أنهم لم يتلقوا أي أمر عسكري بمعاودة القصف.
إلى ذلك، قالت للموقع المحامية، سهاد بشارة، التي تتولى الدفاع عن الضحايا أمام القضاء، إن استخدام إسرائيل الطائرات المسيرة لتصفية الفلسطينيين يطرح "تساؤلات عديدة بشأن هامش القرار البشري، والاعتبارات الأخلاقية، وكذا مدى الالتزام بالقوانين الإنسانية الدولية".
وأضافت أن الصواريخ المسيرة عن بعد "تقوض إمكانية اتخاذ القرار في الوقت المناسب"، لافتة إلى أن استخدام تلك التكنولوجيا الحربية في هجمة الشاطئ 2014 "يوسع حلقة الأشخاص المسؤولين عن اغتيال الأطفال الذين هم من عائلة بكر".
كما أوضح الموقع أنه بعد انتشار صور جريمة الاحتلال وموجة التنديد العالمية الواسعة التي لاقتها، عمد جيش الاحتلال إلى إجراء إعادة تقييم للعملية العسكرية، وأوصى الشرطة العسكرية بإجراء تحقيق حول مدى وجود تقصير جنائي. وبحسب "ذي إنترسبت"، فإن الشهادات/الادعاءات التي قامت بتجميعها الشرطة العسكرية من الفريق الذي شارك في عملية الاغتيال تم دمجها في تقرير أرسل إلى المدعي العسكري العام، الجنرال داني عفروني، بعد مرور 11 شهراً على تصفية الأطفال.
هذا الأخير، يورد الموقع، لم يقم بنشر الشهادات/الادعاءات، بل اكتفى بنشر خلاصات من نتائج التقرير في 11 يونيو/ حزيران 2015، بعدما قرر إنهاء التحقيق دون متابعة أحد. واعتبر عفروني أنه لا حاجة لاتخاذ أي قرارات تأديبية أو متابعة جنائية، بما أن المحققين خلصوا إلى أنه كان يصعب التعرف ‘لى من ظهروا في صور كاميرات الطائرات المسيرة على أنهم أطفال.
ونقل الموقع أن عفروني لم يقدم أي توضيحات تكشف العائق الذي يحول دون معرفة أن من ظهروا في الكاميرات هم أطفال. وأضاف أنه قبل يومين على استشهاد الأطفال، نشرت وحدة العلاقات العامة بجيش الاحتلال الإسرائيلي شريط فيديو آخر يوثق إلغاء تنفيذ ضربة عسكرية بعدما اتضح من كاميرات الطائرات المسيرة أن المستهدفين هم أطفال.
كما نقل الموقع أن مركز عدالة، ومركز الميزان لحقوق الإنسان (غزة) والمركز الفلسطينيّ لحقوق الإنسان (غزة)، بعثوا يوم 20 أغسطس/آب 2017، برسالة إلى الجهات القضائيّة العليا في إسرائيل، وطالبت هذه الرسائل بالتجاوب مع توجّهات سابقة قُدِّمت ضد إغلاق ملفّات التحقيق بمقتل الأطفال الأربعة، كما تطالبهم بإلزام الجيش بكشف مواد التحقيق.
وبحسب بيان مشترك للمراكز فإنه إبان العدوان الإسرائيليّ على قطاع غزّة، والذي أُطلق عليه اسم "الجرف الصامد"، أطلقت القوّات الإسرائيليّة قذائف قتلت أربعة أطفال من عائلة بكر – عاهد (10 سنوات)، زكريّا (10 سنوات)، محمّد (11 سنة)، وإسماعيل (10 سنوات) – بينما كانوا يلعبون كرة القدم على شاطئ الصيّادين في مدينة غزّة. وقد أصيب ستة آخرون في ذات الغارة، من بينهم أربعة أطفال في سن 10 و11 عامًا من عائلة بكر.
وبحسب المصدر ذاته، فإنه بعد يومين من الغارة، قدّم مركز عدالة ومركز الميزان رسالةً إلى المدّعي العسكري العام وللمستشار القضائيّ للحكومة، يطالبون فيها بفتح تحقيق في مقتل أطفال عائلة بكر. بعد عامٍ من هذه الرسالة، وفي تاريخ 11 يونيو/ حزيران 2015، قدّمت المؤسستان طلبًا باسم الضحايا للحصول على مواد التحقيق. وقد امتنعت السلطات الإسرائيليّة منذ ذلك الحين عن تقديم أي ردٍ على هذا الطلب. كما ولم يتم الرد على الاستئناف الذي قدّمته المؤسستان في أغسطس/آب 2015 ضد قرار المدعي العسكري العام بإغلاق ملف التحقيق.
كذلك، توجّه المركز الفلسطينيّ لحقوق الإنسان في غزّة بطلب مشابه للمستشار القضائي للحكومة الإسرائيليّة مطالبًا بنقض قرار المدّعي العسكري العام في أغسطس/آب 2015 والذي يقضي بإغلاق ملفات التحقيق. ورغم تزويد الجيش بمواد تحقيق إضافيّة، وإرسال تذكيرات عدّة والمطالبة بالحصول على مواد التحقيق، إلا أن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان لم ينجح في تلقّي أي ردٍ من المدّعي العسكري العام أو المستشار القضائيّ للحكومة بما يتعلّق بهذا الملف.
من جهتها، قالت المحامية بشارة في تصريحها للموقع، إن التحقيق الذي أجراه الاحتلال، وبرأ من خلاله جنوده من أي مسؤولية، يحمل في طياته تناقضات عدة. وأوضحت في هذا الصدد أن الشهادات/ الادعاءات لم تنجزها الشرطة العسكرية إلا بعد مرور أربعة أشهر على اغتيال الأطفال، وبأنه أخذت في عين الاعتبار فقط ما يمكن مشاهدته من الشاطئ من كاميرات الطائرات المسيرة. وتابعت أنه لم يتم أبداً الاستماع لشهادات الصحافيين الدوليين الذين عاينوا عملية الاغتيال، وكذا تصريحات الشهود الفلسطينيين، بما في ذلك إقرارات مكتوبة من الأطفال الذين أصيبوا في القصف الجوي.