تؤكد وزارة الخارجية والمغتربين أن تصريحات ومواقف "جاريد كوشنر" صهر ومستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تنم عن جهل مُطبق بحقائق التاريخ وتجاهل متعمد لحقائق الصراع، ولا تعدو كونها تكراراً مُملاً لمواقف الإدارة الأمريكية، ومحاولات فاشلة لتسويق هذه المواقف وفك العزلة عنها، تارة من خلال التلويح بالإغراءات الإقتصادية و "عائدات صفقة القرن" على شعوب المنطقة، والعمل على تحويل القضية الفلسطينية الى قضية إقتصادية إنسانية ليس لها أي بعد سياسي، وأخرى عبر مُحاولات خلق فجوة بين الفلسطينيين والعرب من جهة، وبين الفلسطينيين وقيادتهم من جهة أخرى. إختار كوشنر في تصريحاته الصحفية التغطية على حقيقة الموقف الأمريكي المنحاز بشكل أعمى للإحتلال وسياساته الإستيطانية التوسعية، وتجاوز حقيقة أن الرئيس ترامب هو من بدأ العدوان على الشعب الفلسطيني وحقوقه، وتخلى بذلك عن الدور الأمريكي في رعاية عملية سلام ومفاوضات ذات معنى.
ترى الوزارة أن تصريحات كوشنر لا يمكن أن تصدر إلا عن شخص مبتدىء في السياسة، خاصة عندما يُحاول تحريض الشعب الفلسطيني على قيادته، وجعل الأزمة تتمحور حول ما يصفه بـ "تعنت" القيادة الفلسطينية والسيد الرئيس، دون أن يوضح المؤشرات التي بنى عليها هذا الموقف، ومتوهما بقدرته على إسقاط رغباته السياسية على الموقف الفلسطيني مُتجاهلا حقيقة أن الشارع الفلسطيني يدعم القيادة التي تلتزم بثوابت الموقف الفلسطيني ولا تتنازل عنه، وهذا هو حال الرئيس محمود عباس. ويُمارس كوشنر حملة تحريض واسعة على الجانب الفلسطيني، عندما يتحدث عن (أخطاء وقعت وفرص ضائعة دفع الفلسطيني ثمنها)، مُحاولاً بذلك تحميل الطرف الفلسطيني المسؤولية عن فشل وتعثر جولات المفاوضات السابقة، وعن تبعات الرفض الفلسطيني للانحياز الأمريكي للاحتلال ومحاولات تصفية قضيته وحقوقه الوطنية والمشروعة. ليس هذا فحسب، وإنما أيضاً يُعبر عن جهل عميق وأمية سياسية بشؤون المنطقة وحقائق الصراع عندما يُشير الى أن الرئيس عباس لديه نفس نقاط الحديث التي لا تتغير خلال 25 سنة. نعم إن نقاط ومحاور مواقف الرئيس محمود عباس هي ثوابت الموقف الفلسطيني والرؤية الفلسطينية لحل الصراع، والتي سيسمعها كوشنر من الرئيس محمود عباس أو غيره وطيلة الوقت ما دام الصراع مستمراً. ويبلغ عمى الالوان السياسي لدى كوشنر مرحلة مُتقدمة عندما يتهم الرئيس عباس بالتركيز فقط على بقائه السياسي، فهذا المبتدىء في السياسة لم يقرأ عن تاريخ الرئيس عباس ومواقفه، ولم يستمع الى حديثه المتواصل عن الرغبة في التقاعد وترك العمل السياسي، بالرغم من الالتفاف الشعبي الفلسطيني حوله ودعوات قادة العالم له بالاستمرار في قيادة الشعب الفلسطيني، وشهادتهم له بأنه من أبرز صانعي ومريدي السلام.
يقول كوشنر أن المجتمع الدولي يشعر بالاحباط من القيادة الفلسطينية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: عن أي مجتمع دولي يتحدث صهر الرئيس الأمريكي ترامب؟، من الواضح أن كوشنر يتحدث عن مجتمع دولي في خياله لا يمت بصلة لحقيقة المواقف الدولية الرافضة للسياسات والتوجهات الأمريكية في أكثر من محطة دولية، بما فيها القضية الفلسطينية. تؤكد الوزارة أن الإحباط الحقيقي الذي يشعر به المجتمع الدولي هو الاحباط من الرئيس ترامب وقراراته، فمنذ قدوم ترامب الى البيت الأبيض يعمل على تخريب النظام الدولي من خلال رفضه لاتفاقية تغيير المناخ وإدخال العالم في معركة تجارية مع أوروبا والصين وكندا والمكسيك وغيرها، هذا بالإضافة الى تهديده بوضع الأطفال اللاجئين في أقفاص وسياساته المهزوزة والمبتورة إتجاه قضية الهجرة، والعديد من تصريحاته ومواقفه التي تُهدد السلم الدولي وتزعزع الإستقرار العالمي، بما في ذلك الإنسحاب من الاتفاق النووي مع ايران. إن مواقف المجتمع الدولي ضد نهج وقرارات الرئيس الأمريكي ترامب تجلت بوضوح في النجاحات التي حققتها القيادة الفلسطينية ودبلوماسيتها في أروقة الأمم المتحدة ومحافلها المختلفة التي ما زالت تحصد اصوات أغلبية الدول، في حين أن المواقف الأمريكية التي يقودها ترامب هي التي تتعثر وتحصد الفشل تلو الآخر.
يبدو أن بعض عناصر الإدارة الأمريكية خاصة المسؤولين عن ملف الصراع بحاجة الى دروس مكثفة في تاريخ هذه المنطقة، وبالتحديد قصص الفشل الذريع لعشرات المؤامرات التي حاولت تصفية القضية الفلسطينية، والتي سقطت واحدة تلو الأخرى. إن القيادة الفلسطينية ليست بحاجة لـ (شهادات) من كوشنر وغيره من المنحازين للاحتلال وسياساته حول مدى التزامها بالسلام والشرعية الدولية وقراراتها، فمن يخرج عن هذه القرارات ويتحداها ويتمرد عليها ويتعامل مع الأزمات الدولية بلغة البلطجة لا يمكنه أن يتقمص دور الحكيم وراعي السلام. تدرك الإدارة الأمريكية حجم الأزمة التي تعاني منها في تسويق طروحاتها وصفقتها المشبوهة، وهي على دراية تامة أن عقلية الصفقات التجارية وسياسة الإغراءات المالية والإملاءات السياسية، وإستخدام سلاح قطع المساعدات وصلت بفعل صمود شعبنا وثبات قيادتنا ودعم أشقائنا واصدقائنا الى طريق مسدود.