نكبة غزة وكيف نواجهها؟ مهند عبد الحميد

الثلاثاء 12 يونيو 2018 12:49 م / بتوقيت القدس +2GMT
نكبة غزة وكيف نواجهها؟ مهند عبد الحميد



غزة وما آلت إليه من كوارث ومحن فرضت حضورها عالمياً وإقليمياً، بما في ذلك فرضت نفسها على دولة الاحتلال. غير أن حضور غزة الدولي ارتبط بأجندات سياسية وثيقة الصلة بمشروع صفقة القرن الأميركي الإسرائيلي في مسعى قبيح لمقايضة أزماتها الإنسانية بتصفية القضية الوطنية، في الوقت الذي أخفقت فيه مؤسسات الأمم المتحدة عن القيام  بأبسط واجباتها الإنسانية في غزة، وبقيت عاجزة ومستكينة أمام الغطرسة الإسرائيلية، وكانت النتيجة مواصلة الحصار والخنق والعدوان والمعاناة الشديدة، والإمعان الإسرائيلي في تكريس فك قطاع غزة عن الضفة وعن الأجزاء الفلسطينية الأُخرى.   
 لا يمكن فصل محنة غزة عن العامل الفلسطيني بكل مكوناته، "فالقلاع لا تسقط إلا من داخلها" وهذا يقود الى التوقف عند المسؤوليات والأدوار الفلسطينية في صد او تيسير عملية خنق غزة وفصلها عن المكونات الأُخرى. للأسف كان وما يزال مستوى التفاعل الفلسطيني مع ما حدث ويحدث في غزة هو الأضعف، ولا يقلل من خطورة ومعنى فقدان او ضعف التفاعل مع غزة راهنا، وجود سوابق شبيهة من نوع شبه غياب التفاعل الفلسطيني داخل وخارج فلسطين مع محنة مخيم اليرموك ونكبة اللاجئين الفلسطينيين الجديدة في سورية، وغاب التفاعل مع محنة فلسطينيي العراق سابقا، كذلك كان مستوى التفاعل الفلسطيني مع معاناة المقدسيين وهباتهم ضعيفاً ومقلقاً وخطراً، الى ان جاء حراك حيفا واخيراً حراك رام الله ليتركا فسحة من الأمل في تجسيد وحدة المصير بين ابناء الشعب الواحد.  
هل دخلنا مرحلة التفكك الأبعد مدى من الانقسام؟ سؤال أجاب عليه، ضعف التفاعل مع غزة والقدس واليرموك، مقدماً الدليل وقارعاً جدران الخزان. إزاء ذلك لا يكفي وصف حالة  التفكك القائمة منذ وقت، بل مطلوب التوقف عند الأسباب التي قادت الى ذلك، والأهم مقاومة التفكك ومعالجة أسبابه، قبل فوات الأوان. لا شك أن التفكك يحيلنا الى قدرات وأهلية الحركة السياسية التي تتصدر المشهد والمسؤول الأول عن حل الأزمة. ان ضعف تفاعل الكل الفلسطيني مع ازمة غزة وأزمات ما قبلها -القدس ومخيمات سورية ولبنان - يطرح علامة استفهام حول قدرة وكفاءة الإدارة السياسية- منظمة التحرير-، على توفير ما يلزم من "لاحم" وموحِّد للمكونات والأجزاء الفلسطينية ومن تحديد أولويات الاهتمام، ومن الحفاظ على المستوى الضروري من الثقة ومن الروح المعنوية لعموم الشعب. لم تضع المنظمة خطة إنقاذ وطوارئ لاخراج المواطنين الغزيين من محنتهم او حتى للتخفيف من معاناتهم، فقد خلا الخطاب السياسي والاعلامي من الاهتمام  بالضائقة المالية وازمة الكهرباء الى حد كبير. لا يوجد اسم لغياب خطة وتدخل ملموس غير الاخفاق في الامتحان، ولا يغير من حقيقة الاخفاق تحميل سلطة الامر الواقع "حماس" مسؤولية كل شيء". وإذا كانت سلطة "حماس" مسؤولة قولاً وفعلاً عن الازمة، فإن المنظمة هي صاحبة الولاية السياسية على عموم الشعب بما في ذلك الشعب في قطاع غزة.  وبهذا المعنى تبقى مسؤولية المنظمة راجحة. ثمة فرق بين قيام المنظمة بمحاولات جادة للإنقاذ - حتى لو اخفقت- وبين تحميل المسؤولية لحركة حماس وكفى، بل يضاف الى أزمة الغزيين إجراءات أُخرى هي في واقع الحال عقوبات تلحق الضرر الشديد بالمواطنين في القطاع. واللافت أن مثل هذا القرار يلفه الغموض، فإذا كانت "حماس" هي المستهدفة من العقوبات، لماذا تقبل المنظمة المس بجزء كبير من  المواطنين في سياق الاستهداف، وهل يجوز خلق معاناة إضافية فوق المعاناة الهائلة التي يتسبب بها الاحتلال وحكم حماس؟ لقد اتخذ المجلس الوطني قراراً بإنهاء الإجراءات لكن القرار لم يطبق. وعدم التطبيق يمس بمصداقية المؤسسة  الرسمية، وبمستوى افدح يمس مصداقية اللجنة التنفيذية. ويؤدي في الوقت نفسه الى زعزعة ثقة المواطنين بالمؤسسة. ان اي تقييم موضوعي لنتائج الإجراءات سيخلص الى نتيجة صادمة عنوانها خسارات كبيرة للمنظمة ولحركة فتح وللسلطة، وأخطر تلك الخسارات زعزعة الثقة وإصابة المشاعر والمعنويات في مقتل، والتي يصعب معالجتها ببساطة كما قال غسان كنفاني : "المشاعر لا تُرتق كالقمصان".
 مقابل ذلك فإن الاستثمار المضاد للأزمة الناجمة عن الحصار والمتفاقمة بالإجراءات أخذ يشق طريقه مخترقاً الوضع الفلسطيني برمته. كما ان حركة حماس المسؤول الأكبر عن الأزمة بعد الاحتلال والمستهدفة من العقوبات تحولت الى طرف رابح يحظى بتعاطف الناس والقوى، وتحولت الى عنوان لحل الأزمة الإنسانية. هذا ما يرشح من المزاج العام ومن استطلاعات رأي سابقة تعود الى بداية الإفصاح عن الاجراءات. المؤسسة التمثيلية تخسر جزءاً كبيراً من رصيدها في قطاع غزة، وتخسر الجزء الاكبر من ابناء المخيمات في سورية وبمستوى اقل في لبنان. وعندما لا تحرك هذه الخسارات ساكناً في المؤسسة، تصبح قضية الاصلاح والتجديد والتغيير مطلباً أكثر أهمية من أي وقت مضى. ويصبح تصويب السياسات والمواقف اكثر إلحاحية. 
نقد المنظمة وتحميلها مسؤولية حل الأزمة والتخفيف عن المواطنين، ناجم عن الصفة التمثيلية والمسؤولية التاريخية للمنظمة، هذا النقد لا يعفي حركة حماس من المسؤولية، فهي صانعة الأزمات المتلاحقة، ويبدو ان معاناة المواطنين ليست من أولويات اهتماماتها، بل يتقدم هدف الحفاظ على كيانها على كل ما عداه. إن الإقرار بكيان  فلسطيني في غزة  منفصل عن الضفة الغربية هو محطة من محطات صفقة ترامب التي يجري إنضاجها على نار الاعتداءات الإسرائيلية. يتحدث إسرائيليون عن وجود مصلحة إسرائيلية في تحول القطاع الى كيان حمساوي منفصل، ويلمح بعض القياديين والمستشارين في حركة حماس باستعدادها للتعاون في حل المسألة الإنسانية مع خطة الإنقاذ الأميركية، وضبط الأوضاع الأمنية، والحيلولة دون حدوث الانفجار، في إطار هدنة طويلة الأمد، مقابل وضع حد للاختناق والضائقة الإنسانية للمواطنين والعودة الى المربع الأول في القضية الوطنية. ما أود قوله هنا إن خطر مشاركة "حماس" في صفقة القرن غير مستبعد، لهذا يكتسب حل أزمة المواطنين وإعادة الاستقطاب على قاعدة رفض ومقاومة صفقة القرن، أهمية استثنائية.
Mohanned_t@yahoo.com