تحولت «السوشيال ميديا» إلى قناة رئيسة للأردنيين، منها ينهلون أخبارهم ويشكلون آراءهم، وعبرها يعرضون لأفكارهم وما يجول في خواطرهم التي تفيض بكل مشاعر الألم والأمل، اليأس والرفض، الإحباط والممانعة ... لا حدود لما يكتب وينشر، ولا سقف لما تفيض به المشاعر والأفكار، بصرف النظر عن غثه وسمينه، رقيّه وانحطاطه، تلكم مسألة أخرى.... لقد تملك «الحراك» إعلامه، بعد أن أصيب حراك الإعلام التقليدي/ الرسمي، بالهزال.
نحن في عصر «السوشيال ميديا»، وهذا صحيح ... لكن الاعتمادية على أدواتها كمصدر رئيس للأخبار ومنصة وحيدة للتعبير عن الرأي، تتفاقم حين يُخلي الإعلام التقليدي، الحكومي في غالبه، المساحة للمدونين و»المواطنين الصحفيين» ... حين يحجم الأخير، من صحف وتلفزة وإذاعات، تقفز «السوشيال ميديا» إلى صدارة قائمة المصادر الأكثر اعتماداً من قبل قطاعات واسعة من الرأي العام.
هذا وضع جيد وسيء في الوقت ذاته ... جيد، لأنه وفّر منصة عملاقة لحرية الرأي والتعبير، بل ولممارسة الحق في التنظيم كذلك، فـ»السوشيال ميديا» باتت منظومة عملاقة لضرب المواعيد وتنظيم التجمعات، وتبادل المقترحات العملية ... لم تعد فضاءً افتراضياً، بل أداة للتعبئة والتنظيم والتحشيد، تزداد مكانتها، كلما ضاقت مساحة «الفضاء العام»، وتراجع دور الأحزاب واشتدت حملات التضييق على المجتمع المدني، وضُرب عرض الحائط بالقوانين الناظمة للحق في الاجتماعات والتجمعات.
لكنه وضع محمّل، بكل عناصر الخطورة كذلك، وهذا هو الوجه السيء لعصر الاتصالات والمعلومات ... فهنا أيضاً تتوفر منصة عملاقة، المنصة ذاتها، لثقافة الكراهية واغتيال الشخصية، والإشاعات الكاذبة والأنباء المغرضة ... هنا أيضاً، يأتي دور «الذباب الالكتروني» الذي بات سلاحاً في أيدي حكومات وأجهزة ودوائر استخبارية وحركات سياسية وشعبوية، تسعى في حرف الرأي العام عن وجهته، واستبدال أجندته وأولوياته بأخرى غيرها، وخلق الانطباعات الزائفة، ومن كانت له الوفرة من هذا «الذباب» ضمن أحسن النتائج وأكثرها فاعلية.
لذلك كله، نرى ويرى غيرنا، أن البدائل عن الإعلام التقليدي – بما فيه الرسمي – عن قنوات التعبير والتمثيل والمشاركة الأخرى، من أحزاب ومجتمع مدني وفضاءات العمل الوطني المفتوحة، هي بدائل أكثر خطورة، أو على الأقل، غير مضمونة العواقب، ومن الذكاء أن تقدم الحكومات والأنظمة، على فتح فضاءاتها «النظامية» أمام الناس، لتقلص من حجم اندفاعتهم، نحو مصادر أخرى وقنوات بديلة.
في تجربة الحراك الاحتجاجي على قرارات الحكومة رفع الأسعار وتقديم مشروع قانون جديد لضريبة الدخل، لم يكن البرلمان والحكومة والأحزاب، وحدهم في عداد الخاسرين للثقة الشعبية، بل الإعلام بوسطائه التقليدية من صحف وتلفزيون وإذاعة ووكالة أنباء ... فمن قصّر منها عن التغطية والمواكبة بالعرض والتحليل والنقد والتقييم، تخلف عن الركب، وقامر بفقدانه ثقة الجمهور والرأي العام سواء بسواء، وعلي إدارات المؤسسات الإعلامية والصحفية الأردنية، أن تقف مع نفسها وقفة مراجعة نقدية، فما نراه اليوم، من ضعف في التغطيات والتحليلات، يعود في الأساس إلى السياسات التحريرية وليس إلى ضعف في مبادرات العاملين في هذا في القطاع، وتلكم مسألة تستحق أن تتوقف عندها، أرفع مستويات الدولة ومؤسسات صنع القرار في الأردن، لأن خسارة هذا السلاح، ترتب أوخم العواقب على المدى المباشر وفي المديات المتوسطة والبعيدة.
لقد عجّت وسائط التواصل الاجتماعي بالانتقادات المتكررة لهذا الضعف والغياب ... وعقد نشطاء ومثقفون مقارنات قاسية، بين تغطيات إعلام الخارج وتغطيات إعلام الداخل، وتحولت بعض البرامج والتغطيات التلفزيونية والصحفية، إلى مادة للتندر، وتملك الحراك إعلامه الخاص عبر السوشيال ميديا وتجربة البث المباشر ... يسهل على مؤسسة أن تقامر بخسارة ثقة المواطنين، ولكن سيصعب عليها استعادتها حين تقرر ذلك، فهل نتعلم الدرس قبل فوات الأوان.