الفلسطينيون والأوروبيون يتوحدون في التعبير عن الملل من وقاحة أميركا وإسرائيل..حسين حجازي

السبت 02 يونيو 2018 12:33 م / بتوقيت القدس +2GMT



في الأساطير الإغريقية القديمة وهي نتاج شعب عريق علم البشرية في وقت مغرق في القدم، قيل ان «الآلهة لا تحب الوقاحة». وفي القرآن الكريم ان الله لا يحب الظالمين ولا يحب المعتدين ولا حتى الفرحين بظلمهم او افترائهم. ولسنا بحاجة ان نقول لأنفسنا او نذكر انفسنا بما نعيشه واقعا منذ عشرات السنين، ان هذه الدولة التي لا زالت تجثم على ظهورنا باحتلالها تقوم بظلمنا والاعتداء علينا، وكذا هي دولة وقحة ومفترية. ولكن الشيء الجديد هو ان العالم على مدى المعمورة البشرية اصبح يشاركنا هذه المعرفة.
ولقد عبروا عن فرحهم في اليوم التالي لوقف إطلاق النار بان نشروا صورا للمواقع والأهداف الـ65 التي قصفوها في غزة، تأكيدا على ان ردهم كما قالوا سوف يكون موجعا لـ»حماس» في غزة. ولكن أحدا منهم لم ينتبه او يأتي على ذكر ان ما حدث هو ان الغزيين البؤساء الذين لا يجد البعض منهم إفطارا او سحورا ربما لإطعام أولاده، ويعانون أسوأ وضع يمكن ان يعيش في ظله أي فئة من البشرية، كانوا صبيحة يوم الثلاثاء، الذي يشبه يوما من الحرب وكأنهم هم الأكثر شعورا من كتائب القسام وسرايا القدس بالملل بل القرف من هذه الوقاحة او الافتراء الإسرائيلي الذي تجاوز كل الحدود، وكانوا يريدون هذا الرد الذي قامت به «حماس» و»الجهاد الإسلامي».


ومثلما لاحظ شمعون بيريس ذات مرة ان «المشكلة ليست عرفات نقتله ونتخلص منه، وإنما شعب عرفات الشعب الفلسطيني». فإن المشكلة اليوم هي المشكلة بالأمس وسوف تظل غدا وهي تتلخص بهذا السؤال، ما هي الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين عموما والغزيين خصوصا؟. ولسنا بحاجة الى إعادة التأكيد على هذه الاستراتيجية الفاشلة التي يمارسها اليمين الإسرائيلي منذ زمن، إذا كان بالأخير ان ما نقوم به ونفعله وما نقوله نحن هو الأمر المهم والحاسم في هذا الصراع. وما نفعله او نقوم به هو أننا لم نتوقف على مدى السبعين عاما عن هذه المواجهة الحربية أحيانا وغير الحربية أحيانا أخرى، السلمية وغير السلمية في مواجهة هذا الاحتلال.
ولكن ما يحدث الآن هو أننا قد نكون وصلنا الى الفصل الأخير ربما في هذه السلسلة الطويلة والممتدة من المواجهة، اذا كانت الحرب الحقيقية تحولت عند هذه العتبة الفاصلة منذ بعض الوقت، لكي تكون مباشرةً ولأول مرة على هذا النحو المكشوف بيننا وبين الإدارة الأميركية، أي مع النذل الأكبر أي الولايات المتحدة والتي بدون حمايتها للاحتلال الإسرائيلي لا قدرة لهذا الاحتلال ان يبقى دولة احتلال. 


ولكن الشيء الجيد في هذا التحول ليس انه يصار الآن الى شفائنا نحن أيضا، او فطامنا السياسي من هذه العملية على مدى الخمسين عاما، ما يمكن تسميته إدامة الوهم العظيم بأن الولايات المتحدة هي وهي فقط من يمكنها القيام بدور الوسيط منفردة، وانه علينا ان نقبل بل وان نخضع ولا نجادل في مقدار واقعية وسلامة هذا الاعتقاد، الذي تحول في غضون هذه العقود الماضية الى ما يشبه العقيدة ولكن هذا انتهى، اليوم. 


وهو ينتهي بالتزامن وهذا هو المتغير الجديد مع نهاية هذا الدور القيادي لأميركا حول العالم. اذا كانت الحرب التجارية هي التي يسمع وقع صوت طبولها من على ضفتي الأطلسي بين أميركا وأوروبا. وقد لاحظ التحليل الماركسي ان السياسة ليست سوى اقتصاد مكثف، وان الحرب ليست سوى هذه السياسة بصوت مسموع او بوسيلة أخرى.
إن الآلهة ببساطة كما كان يعتقد الإغريق الأوروبيون لا تحب الوقاحة، وقد تصورها هؤلاء أنها تسكن هناك على قمة جبل الأولمب، والتي تسمى إلى الآن الألعاب العالمية الرياضية باسمها أي «الأولمبياد». أي من على هذا الجزء الذي يلامس في رفعته وتساميه قبة السماء، وهو نفس المكان العلوي الذي ترى إليه الأديان السماوية التوحيدية بعد ذلك أنه المكان الذي يقع فيه ملكوت الله أي الجانب العلوي او الروحي، الذي هو أسمى من الجسد الدنيوي الذي يلامس الأرض. وهو ما يرمز إلى الكرامة والمشاعر القوية بالذات وهي المشاعر التي تتفوق بالأخير على الحسابات المادية.


وهو ما يفسر سلسلة الردود الأوروبية على مدى الأيام الأخيرة المتلاحقة على رئيس الولايات المتحدة بمواصلة أوروبا إعلان التحدي وعدم التراجع، حتى لو كلف ذلك التضحية بالحجم الهائل لمردود التجارة مع أميركا الذي يصل الى مئات المليارات، مقارنة بمردود هذه العائدات المالية بين الاستثمارات الأوروبية في ايران التي لا تتجاوز حسب كل التقديرات 15 مليار دولار.


لقد شعروا في الاتحاد الأوروبي بالإهانة والملل من وقاحة هذا الرجل رئيس الولايات المتحدة. في المرة الأولى عندما تراجع عن اتفاقية المناخ، وفي المرة الثانية عندما ظهر أمامهم في اجتماع قمة دول حلف الأطلسي كشخص لا يقيم أي وزن من الاحترام لمن يعتبرون حلفاء أميركا التاريخيين، وان كل ما يهمه هو الحصول على المال. وفي المرة الثالثة عندما لم يستمع الى نصائحهم وقام بالإعلان منفردا عن نقله السفارة الأميركية الى القدس، فصوتوا جميعا في الأمم المتحدة ضده وعزلوه دوليا. وفي المرة الرابعة وهذه المرة كانت القشة الأخيرة التي قصمت ظهر البعير كما يقال، عندما اعلن من طرف واحد انسحابه من الاتفاق النووي مع ايران دون أخذ مصالح أوروبا الأمنية والسياسية بعين الاعتبار. واكمل ذلك ليلة امس الجمعة، بما اعتبر إعلان حرب اقتصادية على أوروبا لإضعافها وربما تفكيكها، بفرض التعرفة الجمركية على صادرات أوروبا لأميركا من الحديد والألمنيوم، ما استدعى إعلان أوروبا فرض تعرفة جمركية مماثلة على السلع الأميركية.


والواقع ان البدء بإعلان هذا الملل والرد على الوقاحة الأميركية التي لم تعد تطاق، كان قد بادر إليه الرئيس محمود عباس بعيد تجرؤ الرئيس الأميركي على الاعتراف بالقدس من طرف واحد عاصمة لإسرائيل، وقام الفلسطينيون في حينه برفع «لا» كبيرة أمام الولايات المتحدة، بإعلان مقاطعتهم السياسية لها وسحب الاعتراف او القبول بواسطتها او دورها منفردة في تحقيق عملية السلام.


هل نحن، إذاً، بإزاء هذا النوع من التحول التاريخي بوقوف الفلسطينيين والأوروبيين على مسافة واحدة مشتركة او على خط سياسي واحد، في وحدة حال مشتركة في التعبير عن الشعور بالملل من الوقاحة الأميركية والإسرائيلية؟ وان هذا التحول سيكون له ما بعده في إعادة تركيب توازنات القوى بصورة غير مسبوقة، في كل ما يتعلق بمقاربات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والتوجه الدولي مستقبلا لحل هذا الصراع على حد سواء.