في الساحة الفلسطينية وقعت أحداث مهمة في الأشهر الثلاثة الأخيرة تفرض على صانعي القرار فيها اتخاذ العديد من الإجراءات التي من شأنها أن تعزز الصمود الفلسطيني على أرضه وتحصنه مما يحاك له من مؤامرات إسرائيلية وأميركية في عهد الرئيس الحالي ترامب.
كان هنالك أولاً مسيرات العودة العظيمة التي بلغت ذروتها يوم افتتاح السفارة الأميركية في القدس والتي وبحق لم تخطف فقط الأضواء عن المحتفلين في القدس، ولكنها جعلت العالم كله يشاهد حجم الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ومعها أميركا ترامب بحق الفلسطينيين، والتي أكدت في نهاية المطاف للعالم بأن الشعب الفلسطيني لن يستسلم للاعتراف الأميركي بالقدس كعاصمة لإسرائيل، وسيبقى متمسكاً بحقه في أرضه أياً كانت الصعاب والتضحيات.
في المقابل، كان هنالك شعور فلسطيني ايضاً بأن الحديث عن تصعيد المقاومة الشعبية في الضفة الغربية لم يكن أكثر من مجرد كلام لم يترجم على ارض الواقع.
ولا نعرف إن كان السبب في ذلك يعود الى عدم وجود رغبة من التنظيمات السياسية بتصعيد المقاومة الشعبية في الضفة أم أن الواقع الفلسطيني فيها مغاير لما هو في غزة.
في جميع الأحوال، ليس من حق من هو موجود في مكان آخر غير فلسطين أن يقرر للفلسطينيين إن كان عليهم التصعيد أم لا. لكن كمتابع ومهتم بالشأن الفلسطيني، أعتقد بأن هذه مسؤولية القيادة الفلسطينية في الضفة التي تحدثت مطولاً عن موضوع المقاومة الشعبية كبديل، ليس فقط للمقاومة العنيفة، ولكن كبديل لفشل اتفاق أوسلو ونهاية المفاوضات.
الحقيقة أن غياب المقاومة الشعبية في ظل القرار الفلسطيني المحق برفض اعتبار الولايات المتحدة شريكاً في عملية السلام وإنما خصماً مثلها مثل إسرائيل، وفي ظل الصمت الدولي عن جرائم الاحتلال، سيفرز في النهاية مقاومة عنيفة تسعى القيادة الفلسطينية لتجنبها.
وبالتالي فإن المقاومة الشعبية ليست مجرد خيار، وإنما ضرورة لملء فراغ تسببت فيه إسرائيل وأميركا.
يضاف لما سبق من أحداث يترتب عليها استحقاقات مهمة كان هنالك انعقاد للمجلس الوطني الذي قاطعته «حماس» و»الجهاد الإسلامي» و»الجبهة الشعبية.» صانع القرار الفلسطيني أصر على انعقاد «الوطني» بهدف تجديد الشرعية للمؤسسات الفلسطينية.
في السابق امتنعنا عن انتقاد هذه الخطوة لعلنا نكون مخطئين في أن الهدف من تجديد الشرعية سببه الرغبة في اتخاذ قرارات مصيرية في الشأن الفلسطيني. لكن بعد أكثر من شهر على انعقاد «الوطني» يمكننا القول بكل ثقة إن خيار عقده لم يكن صائباً.
«الوطني» لم يتخذ أياً من القرارات التي لا يمكن للسلطة الحالية اتخاذها. بمعنى أن بيان المجلس الوطني كان بإمكان الحكومة أو هيئة الرئاسة أن تصوغه وتصدره باسم الشعب الفلسطيني.
القرارات التي كان من الممكن أن يكون مصيرها واضحاً: منها إلغاء اتفاق أوسلو وفصل السلطة الفلسطينية عن منظمة التحرير وتقليص مهامها بتقديم الخدمات فقط للشعب الفلسطيني، وإعادة كل ما هو سياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وسحب الاعتراف بإسرائيل، وهو ما يترتب عليه إعادة بناء المنظمة لتمكينها من الاهتمام بالقضايا السياسية والكفاحية وقضايا اللاجئين. لكن ذلك كله لم يحدث وتم الاكتفاء بإصدار بيان كان يمكن لأي مؤسسة فلسطينية القيام به.
أما بشأن الشرعية التي جددها انعقاد الوطني، فهي مجرد ادعاء لا يمكن التعامل معه بجدية.
كيف يمكن أن يكون هنالك تجديد للشرعية في ظل غياب أطراف فلسطينية مهمة عن الاجتماع؟ هذه الأطراف تقرر وحدها مصير نصف الفلسطينيين المتواجدين في فلسطين المحتلة، ولها حضور كبير في ساحات الشتات. بغيابها عن «الوطني» تبقى الشرعية موضع نزاع.
في المسألة الفلسطينية، الشرعية إما أن يكون مصدرها الإنجاز السياسي أو المقاومة. وفي الحالتين لا يمكن الادعاء بأن الشرعية قد جددت لغياب الإنجاز السياسي المتعلق بإنهاء الاحتلال ولغياب الفعل المقاوم.
لذلك ما زالت الشرعية ملقاةً في الشارع، وهي استحقاق مهم، وعلى القيادة الفلسطينية أن تعيد التفكير وأن تعقد اجتماعاً جديداً حقيقياً لـ «الوطني» تحضره كافة فصائل العمل الوطني والإسلامي وتنتخب، لا أن تزكي كما حدث، قيادات جديدة لمؤسسات منظمة التحرير.
ومن الأحداث الفلسطينية التي يترتب عليها استحقاقات كان هنالك مرض الرئيس عباس. لا يمكن الادعاء بأن مرض الرئيس ودخوله للمشفى لم يُحدث «جلبة» في الساحة الفلسطينية. كان هنالك حديث عن خلافات، تحالفات، صراع والى آخر ذلك مما ينتظر الساحة الفلسطينية.
لا يمكن ترك المسألة للصدفة أو للصراع بين مراكز القوى في السلطة الفلسطينية. إن الاتفاق على ترتيبات يجب أن تتم بتوافق بين القوى الفلسطينية.
استحقاقات المرحلة عديدة وتتطلب جرأة في اتخاذ قرارات الجميع ينتظرها، لكنها بحاجة إلى من يؤمن بأهميتها أولاً وعلى استعداد في نفس الوقت للتعامل مع نتائجها ثانياً.