لا يكاد يخلو اي مجلس من نقاش بين الاباء والامهات حول صعاب وتحديات التربية في عصرنا الحالي، عصرنا هذا الذي جعلت منه ثورة التكنلوجيا العالم لا قرية صغيرة فحسب انما قرية موحشة مخيفة كثيرة المطبات وشديدة المصاعب. لعلنا وليس بالزمن البعيد كان دخول التلفاز لبيت احدنا نقلة نوعية، لكنها لم تكن طفرة خارجة عن السيطرة ان صح التعبير كما هو حالنا اليوم. اذكر ان يوم الجمعة كان يوم العطلة التي بامكاننا خلاله مشاهدة التلفاز الذي كان دوما يحوي حلقات ترفيهيه ذات مغزى ومضمون. ترسخت من خلالها لدينا قيم الخير والشر بالمفهوم المتعارف عليه والاقرب لفطرة الانسان. اليوم لم يعد التلفاز وحده ما يدخل بيتنا ويلقي بغثه في وجوه ابنائنا، لكن عادت التكنلوجيا بشتى اشكالها مدعاة للقلق في ما يخص تربية النشأ القادم.
قد يقول احدهم بأن الامر سهل والسيطرة عليه ممكنة، هذا موضوع قابل للنقاش في مدى قدرة الاهل على تقنين استخدام ابنائهم للاجهزة الالكترونية التي تجعل احدهم يجلس بجانبك وهو يلعب لعبة عبر الانترنت مع آخر في روسيا. ولعل ابسط الامثلة على خطورة التعامل مع التكنلوجيا بلا رقيب ما مر به عدد من الشباب المراهقين من نهايات مأساوية بعد دخولهم تحدي " الحوت الازرق" والذي هو تحدي سيكلوجي يعمل على نقاط ضعف المشترك وينتهي بأغلب الاحيان بالانتحار.
المغزى من القول هنا ان الحركة والتطور هما صبغة البشرية منذ نشأتها الاولى، وادوات كل عصر حتما تختلف عن ادوات العصر السابق له. فما نشأنا عليه نحن مختلف عن ما نشأ عليه ابائنا واجدادنا ومختلف تمام الاختلاف عن ادوات عصر ابنائنا. هذا امر لا نقاش فيه، لكن ما يثير القلق ويدعو لوقفة متمعنة ودقة وتمحيص هو أن من سمات الجيل الحالي واعني شباب العرب اليافع تحديدا هم شباب بالاغلب أضاع الهوية وفقد البوصلة، وجاء التطور التكنلوجي على حسابه اكثر من ما كان لصالحه. ولعل هذا يرجع لاسباب كثر ليس هذا موضع ذكرها، لكن من ابرز علامات ضياع هوية هذا الجيل هو انه جيل فقد اتصاله بلغته. لغة المرء هي بلا ادنى شك مكون اساسي من مكونات نشأته ولا اذكر انني مررت بأي طفل اجنبي لا يجيد لغته الام بغض النظر عن مكان ولادته ونشأته. لكن ابنائنا يفرون من لغتهم ويعتقدون بأنها صبغة للتخلف والرجعية.
ناقوس خطر يدق لكل اب وام، انتم مسؤولون عن اطفال سيكونون قنابل موقوته ان لم نعي ان التنشأة السوية ستنتج اجيالا قادرة على حمل مجتمعاتها للافضل وان سوء التربية واهمالها هو ما سيجر علينا ويلات تفوق ما نقاسيه اليوم.