شهدت المرحلة السابقة تطوراً دراماتيكياً ومتواتراً في العلاقات بين مصر وحركة حماس، فانتقلت العلاقات من حالة القطيعة التامة إلى علاقات تقوم على قاعدة التفاهم والحوار أمنياً وسياسياً رغم رفض السلطة الفلسطينية لهذا التعاون، هذا وقد لعب القائد في حركة فتح سابقاً محمد دحلان (والذي يعمل الآن خارج اطار حركة فتح وفي اطارٍ موازٍ لها) منذ البداية دوراً أساسياً ومميزاً في تحسين وتطور هذه العلاقات، فيما كان الدور الأبرز للسياسة الراشدة للنظام السياسي المصري الذي نجح في تغيير الثقافة السياسية والأمنية والنضالية لحركة حماس.
ولقد كانت بداية هذه التطورات في التفاهمات الأمنية بين مصر وحماس، خاصة في ضبط الحدود المصرية وتحجيم التيار السلفي المتشدد في قطاع غزة، وقد زودت مصر حركة حماس بالمعدات وأدوات المراقبة للحدود، وعملت حماس بكل جدية وحيوية وأثبتت مهنية عالية في ضبط الحدود.
ثم شهدت العلاقات تطوراً آخر بعد أن طورت حماس في فكرها السياسي وقامت بنشر وثيقة سياسية تمثل نهج وفكر حماس الجديد، حيث عرفت حماس نفسها في الوثيقة بأنها حركة تحرر وطني ذات أيديولوجية وأجندات داخلية؛ وبذلك تكون حماس قد أعلنت براءتها من ولائها لأي جماعة أو جهة خارج حدود فلسطين، وقد لعبت مصر دوراً أساسياً في هذا التطور ولربما كان لها تأثير ودور في مخرجات الوثيقة.
كما شهدت العلاقات تطوراً آخر على خلفية التطور في الفكر والسلوك النضالي لحركة حماس، حيث تبنت حماس لأول مرة المقاومة السلمية كنهج جديد للمقاومة بعد أن كانت ترفض اتباع أساليب أخرى غير الكفاح المسلح.
ورغم رفضنا للسلوك الذي اتبعته حماس بزج الشباب على الحدود لمواجهة الموت والاعاقة المحتومة؛ إلا أنه لا يمكن انكار سلمية المظاهرات. لا شك أن لمصر أهدافها التكتيكية والاستراتيجية في تطوير هذه العلاقة يمكن رصدها على النحو التالي:
• لقد وقفت مصر بمسؤولية عالية طوال مراحل النضال الفلسطيني إلى جانب الحق الفلسطيني وقدمت خيرة أبناءها من أجل فلسطين، وهي الآن تقوم بدورها القومي والوطني تجاه القضية الفلسطينية.
• تعتبر فلسطين عامة وغزة خاصة جزء من الحظيرة الأمنية لمصر ومن يسيطر على غزة يجب أن يلعب دوراً محورياً في الحفاظ على الأمن القومي المصري.
• تعتبر مصر من أكبر وأقوى الدول في منطقة الشرق الأوسط؛ لذلك استمرار علاقاتها مع حماس يعطيها امتياز وتميز في لعب الدور الاقليمي المنوط بها كون حماس تسيطر على قطاع غزة، ولها رؤى سياسية خاصة بها.
• تحاول مصر اخراج حماس من عباءة إيران وتركيا وقطر واعادتها للحضن العربي.
• تعمل مصر على رأب الصدع الفلسطيني وتحاول اعادة اللحمة الفلسطينية من خلال تغيير الثقافة الحزبية الضيقة لحماس واعادتها للصف الوطني لتصبح جزءا من النسيج الوطني الفلسطيني بضمها لمؤسسات م. ت. ف.
• تحاول مصر منع حماس من الانحراف السياسي بتبني مشاريع انفصالية هدفها القضاء على المشروع الوطني الفلسطيني.
• لوحظ في المرحلة الأخيرة تعاظم الدور المصري ورفع وتيرة العلاقات حيث فتحت مصر لأول مرة منذ انتخاب السيسي في المرة الأولى عام 2013 معبر رفح لمدة شهر، فتح المعبر بالتأكيد إلى جانب الدور الانساني والأخلاقي له أبعاد سياسية.