يمتلك جوجل كمّاً أكبر بكثير من المعلومات الخاصة بنا، مقارنة بتلك التي يمتلكها فيسبوك. لكن، وعكس ما يجري مع إمبراطورية الشبكة الاجتماعية التي يملكها مارك زوكربيرغ، والتي ترزح تحت وابل من الانتقادات؛ بسبب قضية تسريب بيانات المستخدمين، نجحت شركة جوجل في النأي بنفسها عن الجدل الذي يحوم حول مسألة البيانات؛ وهو ما قد يدفعك إلى التساؤل عن سبب ذلك.
ففي الحقيقة، نحن نعتمد على جوجل، ليس للقيام بالأبحاث على الإنترنت فحسب؛ بل لاستخدام البريد الإلكتروني، والتقويم، والخرائط، وتحميل الصور، ومشاهدة مقاطع الفيديو عبر البث الحي، فضلاً عن تطبيقات الهواتف الذكية ومتصفحات الإنترنت. ويعد ذلك أشمل بكثير من مجرد مشاركة صور الرُّضع على فيسبوك والتعليقات التي ترافقها، حسب صحيفة New York Times الأميركية.
وفي سبيل الحصول على الإجابة، قام بريان إكس. تشن، كبير مراسلي استهلاك التكنولوجيا بصحيفة New York Times الأميركية، بتحميل نسخة تتضمن كل المعلومات التي يمتلكها جوجل عنه، ثم قام بمقارنتها فيما بعد بكل البيانات التي يعلم بالفعل أن فسيبوك قد حصل عليها عنه.
مفاجآت غير سارة
“وكانت النتيجة أن أرشيف البيانات الخاصة بي على جوجل كان حجمه أكبر بكثير من ملف فيسبوك (في الواقع، كان أكبر بنحو 12 مرة). مع ذلك، كان هذا الأرشيف يضم عدة مفاجآت غير سارة أيضاً”، يتابع تشن، “وقد كان أكثر ما رأيته في ملف جوجل الخاص بي متمثلاً في معلومات كنت أعرف بالفعل أنني وضعتها على جوجل، على غرار صوري وملفاتي والرسائل الإلكترونية”.
أما بياناتي على فيسبوك، فقد ضمت قائمة بنحو 500 من المعلنين، ومعلومات التواصل الخاصة بي وسجلاً دائماً بالأصدقاء، الذين ظننت أنني “حذفتهم” منذ عدة سنوات، علاوة على عدة أمور أخرى صادمة.
بإمكانك محو بيانات جوجل وليس فيسبوك
وفي كل مرة أحسست فيها بالارتباك عند رؤية جزء من البيانات الخاصة بي على جوجل، من قبيل سجل تطبيقات الأندرويد التي حمَّلتها على امتداد السنوات القليلة الماضية، شعرت بالارتياح؛ لمعرفة أنه بإمكاني محو تلك البيانات. في المقابل، عندما قمت بتحميل البيانات الخاصة بي من فيسبوك، اكتشفت أن جزءاً كبيراً مما رأيته لا يمكن التخلص منه.
وقد قال المتحدث باسم جوجل، آرون شتاين، إن الشركة قضت عدة سنوات في تطوير الأدوات التي تسمح للأشخاص بتحميل بياناتهم. وفي هذا الصدد، صرح شتاين بأنه “من المفترض أن يكون من السهل على الأشخاص فهْم بياناتهم على جوجل والتحكم فيها. نحن نشجع الجميع على استخدام هذه الأدوات؛ حتى يتسنى لهم القيام بالاختيارات المتعلقة بالخصوصية التي يرونها مناسبة بالنسبة لهم”.
سلطة شركات التكنولوجيا الهائلة
مع ذلك، لا تعني هذه التصريحات أن علينا الشعور بالرضا؛ ذلك أن شركات التكنولوجيا، على غرار جوجل وفيسبوك، تتمتع بسلطة هائلة علينا، تشتد قوة كلما زاد حجم المعلومات التي يعرفونها بشأننا. من هذا المنطلق، أنصحكم بتحميل وتحليل البيانات الخاصة بكم على جوجل، وتحديد أي المعلومات تريدون الاحتفاظ بها وتلك التي تفضِّلون محوها. وإليكم كيف فعلت ذلك وماذا تعلمت من هذه التجربة.
استخدام أداة Google Takeout
تُدعى الأداة التي تُمكنك من تحميل بياناتك على جوجل؛ “تايكاوت-Takeout”، التي تم إطلاقها عام 2008. وللحصول على هذه الأداة، يمكنك الولوج إلى google.com/takeout واختيار المعلومة التي تريد تحميلها. كما بإمكانك اختيار كل شيء أو أمر محدد، مثل سجل المواقع من خدمة “خرائط جوجل”، والمحادثات عبر بريدك الإلكتروني على حساب Gmail، وتاريخ ما شاهدته على يوتيوب، فضلاً عن الصور التي حمَّلتها في “جوجل صور”.
وفي حال قمت بتحميل أرشيفك بالكامل، فعلى الأغلب سيكون حجم ملفك ضخماً. وبالنسبة لي، بلغ حجم الملف 8 غيغابايت، وهو ما يكفي لضم ما مقداره 2000 ساعة من المقطوعات الموسيقية. وبعد أن طلبت الحصول على الأرشيف الخاص بي، تطلب الأمر من جوجل نحو نصف يوم لإرسال بريد إلكتروني يحتوي على الروابط التي تسمح لي بتحميل ملفاتي، وإليكم النتيجة التي حصلت عليها:
– أكثر ملف جدير بالملاحظة كان تحت عنوان “نشاطي”، الذي يتضمن نظرة شاملة على ما قمت به على منتجات جوجل، وضمن ذلك نظام الأندرويد و”خرائط جوجل” و”أخبار جوجل”. ويحتوي ملف “نشاطي” على ملف فرعي تحت عنوان “الإعلانات”، الذي تضمَّن تاريخ تصفُّح العديد من المواقع الإلكترونية التي قمت بزيارتها، ومن ضمنها المواقع التي ولجت إليها دون مساعدة محرك البحث جوجل. وحتى المواقع التي زرتها عبر تويتر أو الروابط التي نقرت عليها من خلال رسالة نصية، كانت مسجلة في ملف “الإعلانات”.
ماذا يعني ذلك بالنسبة لجوجل؟
في الحقيقة، يقول جوجل إن المقالات على شبكة الإنترنت تحمل الإعلانات التي تعرضها عبر شبكتها الإعلانية. وحين تقوم بزيارة مواقع تحمل “إعلانات جوجل”، فأنت تساهم في إنشاء ملف شخصي مرتبط بالإعلانات، والذي يقوم جوجل بجمعه بشأنك. ولهذا السبب، تجد هذا الملف في “نشاطي”، حسب الصحيفة الأميركية.
وفي إطار محادثاتي مع جوجل، جادلَت الشركة بأنه كان من الأفضل اعتماد الشفافية حول المعلومات التي يتم جمعها عوضاً عن عدم عرضها على الإطلاق، وهو ما صاغه براين فيتزباتريك، المدير السابق في جوجل الذي قاد الفريق المسؤول عن إطلاق Takeout. وفي هذا السياق، أفاد فيتزباتريك بأن “الشركات تكدِّس هذه البيانات بشأنك، وهي مجرد طريقة نزيهة لإلقاء نظرة عليها”.
أما بالنسبة لي -يقول تشن- فيعد من المفيد رؤية أن هذه البيانات يتم جمعها، ولكن لا بد من تعريفها بشكل دقيق، من قبيل “الصفحات التي نعلم أنك زرتها”؛ حتى يتسنى للأشخاص العثور على هذه البيانات بطريقة أسهل واتخاذ قرار محوها من عدمه.
– ضم ملف فرعي يدعى “أندرويد” تاريخاً مفصلاً بتطبيقات الأندرويد التي قمت بتحميلها على امتداد السنوات الثلاث الماضية، ومن ضمنها التوقيت والتاريخ الذي بدأت فيه باستخدام كل تطبيق. وعلى سبيل المثال، أظهر السجل الخاص بي أنني بدأت باستخدام تطبيق إنستغرام خلال مارس/آذار، وتطبيق “Gmail في ديسمبر/كانون الأول، وتطبيق “جوجل بلاي موسيقى” في يناير/كانون الثاني عام 2016.
ويستخدم جوجل هذه المعلومات لخاصية تدعى “اقتراحات التطبيقات”. في هذا الإطار، تدرس الشركة أي تطبيق تستخدمه، وكم مرة وفي أي وقت تفتحه؛ وذلك كي توصيك بتطبيقات قد ترغب في استخدامها طوال اليوم. وعلى سبيل المثال، في حال كنت تفتح تطبيق إنستغرام بانتظام خلال فترة راحة الغداء، سيُريك جوجل اختصاراً لتطبيق إنستغرام في نحو الساعة 12:30 على قائمة اقتراحات التطبيقات.
وتمثل هذه الخطوة ميزة مدروسة، ولكنها دفعتني إلى التوقف قليلاً؛ حيث إن هذه المتابعة لعدد المرات التي تلج فيها إلى التطبيقات تعد أمراً مخيفاً، لدرجة توحي بأن الشركة تتحكم في كل كبسة زر تقوم بها. فضلاً عن ذلك، يجعل الاحتفاظ ببيانات هذا التطبيق على مدار عدة سنوات يبدو كأنه وقت طويل بلا فائدة. وفي نهاية المطاف، اخترت أن أوقف عمل “اقتراحات التطبيقات”.
– كانت العديد من الملفات في أرشيفي عبارة عن أشكال غريبة، لم يكن من السهل فتحها أو قراءتها. وعلى سبيل المثال، تضمنت بعض الملفات امتداد JSON. وقد تم تخزين تاريخ التصفح الخاص بي والمتعلق بالمواقع في “خرائط جوجل” بملف له امتداد JSON ، وعرض قائمة غير مفهومة من إحداثيات GPS والأختام الزمنية.
وقد شرحت شركة جوجل أن “تايكاوت” صُمِّم للأشخاص كي يسمح لهم بإزالة هذه البيانات بسهولة من جوجل واستخدامها في مكان آخر. وقد كانت الملفات، على غرار تلك التي تحتوي على امتداد JSON ، ذات أشكال شائعة صُممت لتكون قابلة للقراءة الآلية؛ حتى يتسنى للبرامج والأدوات الأخرى استخدام البيانات، وذلك وفقاً لما أفادت به شركة جوجل. وفي الواقع، يعد ذلك أمراً منطقياً، بيد أنه من المفترض أن نكون قادرين على قراءة بياناتنا أيضاً.
حذف البيانات المُقلقة أو غير المرغوب فيها، هل يمكنك ذلك فعلاً؟
بعد الغوص في قراءة ملف جوجل الخاص بك، سلْ نفسك أي البيانات الشخصية التي لا يُشعرك احتفاظ الشركة بها بالارتياح، وهو سؤال سيجيب كل شخص عنه بطريقة مختلفة، حسب الصحيفة الأميركية.
أما بالنسبة لي، فقد شعرت بالقلق إزاء احتفاظ جوجل بتاريخ تصفح المواقع الإلكترونية التي زرتها حتى عندما لم أكن أستخدم منتجات جوجل. كما وجدت أيضاً أن احتفاظ الشركة بسجل استخدامي تطبيقات الأندرويد أمر تطفُّلي بشكل مفرط. ومتى ما توصلت إلى هذه القناعة، يمكنك آنذاك محو البيانات انطلاقاً من أداة “نشاطي” الموجودة على myactivity.google.com.
وقد اخترتُ التخلص من سجل الإعلانات بأكمله، حيث يتم تعقُّب نشاط متصفِّح الويب على حاسوبي، حتى في الوقت الذي لم أكن أستخدم فيه منتجات جوجل. كما قمت أيضاً بمحو كل البيانات على نظام الأندرويد، فضلاً عن محو سجل الطلبات التي قدمتها للمساعد الصوتي الخاص بجوجل وتاريخ متصفح الويب للمواقع التي زرتها من خلال “أخبار جوجل” “وجوجل كروم”.
ولكن، كل ما ذُكر آنفاً يدفعنا إلى طرح سؤال أهم.
ما الذي يعنيه حذف شيء ما من جوجل؟ هل تم حجبه أم أنه حُذف بالفعل؟
في هذا الصدد، أشار عليَّ متحدث باسم جوجل بأن أقوم بالاطلاع على صفحة ويب تلخِّص سياسة الاحتفاظ بالبيانات المتبعة من قِبل الشركة، والتي تنص على الاحتفاظ بأنواع مختلفة من البيانات خلال فترات زمنية مختلفة إلى أن يتم حذفها من خوادم جوجل أو “الاحتفاظ بها في شكل مجهول”.
بعبارة أخرى، بعض البيانات التي تقوم بمحوها ستُحذف بالفعل، في حين أن البعض الآخر سيظل مخزناً في خوادم الشركة، وهو ما لا يعد مطمئناً إلى حد كبير. في الأثناء، يعتبر حذف أجزاء من بياناتك على جوجل في بعض الأحيان، تماماً مثلما هو الحال عندما تتخلص من الأشياء غير المرغوب فيها بمنزلك، أفضل ما يمكنك القيام به، وذلك دون التوقف عن استخدام الويب تماماً.