كشفت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، اليوم الثلاثاء، ان المسؤولين الإسرائيليين الكبار الذين طالبوا بشكل غير قانوني باستخدام الذخيرة الحية ضد المظاهرات الفلسطينية، التي لم تشكل أي تهديد وشيك للحياة، يتحملون المسؤولية عن مقتل 14 متظاهرا في غزة وإصابة مئات في 30 مارس/آذار 2018.
وأشارت المنظمة الحقوقية إلى أقوال مسؤولين إسرائيليين كبار، قبل المواجهات وبعدها بشكل علني، إن الجنود المتمركزين على طول الحاجز الذي يفصل بين غزة وإسرائيل لديهم أوامر باستهداف "المحرضين" وأولئك الذين يقتربون من الحدود. ومع ذلك، لم تقدم الحكومة الإسرائيلية أي دليل على أن إلقاء الحجارة وغيره من أعمال العنف من قبل بعض المتظاهرين هدد بشكل خطير الجنود الإسرائيليين وراء السياج الحدودي.
كان العدد الكبير للوفيات والإصابات نتيجة متوقعة للسماح للجنود باستخدام القوة القاتلة في حالات لا تهدد الحياة، بما ينتهك المعايير الدولية. كما أتى نتيجة ثقافة الإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة، القائمة منذ أمد طويل داخل الجيش الإسرائيلي.
وقال نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش"، إريك غولدستين: "لم يكن الجنود الإسرائيليون يستخدمون القوة المفرطة فحسب، بل كانوا ينفذون على ما يبدو أوامر تكفل جميعها ردا عسكريا دمويا على المظاهرات الفلسطينية. وكانت النتيجة وفيات وإصابات متوقعة بين المتظاهرين على الجانب الآخر من الحدود، الذين لم يشكلوا خطرا وشيكا على الحياة".
وقالت "هيومن رايتس ووتش" إن أعمال القتل تسلط الضوء على أهمية قيام المدعية العامة لـ "المحكمة الجنائية الدولية" بفتح تحقيق رسمي في الجرائم الدولية الجسيمة في فلسطين.
يشار إلى أنه في الأيام التي سبقت المظاهرات لإحياء "يوم الأرض"، الذي يصادف 30 مارس/آذار سنويا، لإلقاء الضوء على تجريد الفلسطينيين من أراضيهم على مر السنين، أعلن المسؤولون الإسرائيليون مرارا وتكرارا عزمهم على إطلاق النار على "المحرضين" وأولئك الذين يقتربون من السياج الحدودي.
وفي مقابلات في 28 مارس/آذار، أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، أنه سينشر 100 قناص في منطقة حدود غزة لمنع "التسلل الجماعي" أو إلحاق الضرر بالسياج الحدودي، قائلا: "الأوامر هي استخدام الكثير من القوة".
وفي 29 مارس/آذار، نشر المتحدث باسم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، للإعلام العربي فيديو لرجل تُطلق عليه النار في ساقه، قائلا: "هذا أقل ما سيواجهه كل من يحاول أن يجتاز الجدار الأمني الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل". صباح 30 مارس/آذار، غرّد وزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، باللغة العربية: "كل من يقترب من الجدار يعرض حياته للخطر".
إلى ذلك، وفي حين قام بعض المتظاهرين بالقرب من السياج الحدودي بإحراق الإطارات وإلقاء الحجارة، لم تتمكن "هيومن رايتس ووتش" من العثور على أي دليل على استخدام متظاهرين أسلحة نارية أو أي ادعاء من جيش الاحتلال باستخدام الأسلحة النارية التي تشكل تهديدا خلال المظاهرات.
وأشارت المنظمة، في بيانها، إلى أنه "في غياب الأعمال العدائية المسلحة، التي ينطبق عليها القانون الإنساني الدولي، يخضع استخدام القوة في غزة للقانون الدولي لحقوق الإنسان. في حين أنه يمكن لقوات الأمن استخدام القوة بموجب القانون الدولي الساري المفعول لمنع عبور الحدود دون تصريح، فإن إسرائيل لم تقدم أي معلومات تفيد بوجود أي تهديد على الحدود يتطلب ردا يكون فيه استخدام القوة العسكرية ضروريا، مثل هجوم من قبل مقاتلين مسلحين".
وتنص المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون على أن تطبق قوات الأمن "وسائل غير عنيفة قبل اللجوء إلى استخدام القوة والأسلحة النارية"، وأنه "كلما كان الاستخدام القانوني للقوة والأسلحة النارية أمرا لا مفر منه يقوم موظفو إنفاذ القانون بما يلي: (أ) ممارسة ضبط النفس في استخدام القوة والتصرف بطريقة تتناسب مع خطورة الجرم والهدف المشروع المراد تحقيقه، (ب) تقليل الأضرار والإصابة، واحترام وصون حياة الإنسان". علاوة على ذلك، "لا يجوز استخدام الأسلحة النّارية القاتلة عن قصد إلا عندما يتعذّر تماما تجنبها من أجل حماية الأرواح".
لم تظهر حكومة الاحتلال أن المتظاهرين الذين كانوا يرشقون الحجارة أو قنابل المولوتوف شكلوا تهديدا خطيرا للجنود المحميين الذين نُشروا على الجانب الآخر من السياج الحدودي. كما أن إسرائيل لم تدّع أن أي فلسطيني عبر الحدود في 30 مارس/آذار.
وقالت المنظمة إنها راجعت اللقطات التي تعتقد أنها حقيقية، استنادا إلى مقابلة مع مصور الفيديو الذي يظهر متظاهرا أُطلِقت النار على ساقه وهو يصلي، وفيديو آخر يظهر رجلا تُطلق النار عليه أثناء إلقائه حجرا. يبدو أن مقاطع الفيديو الأخرى التي تم استعراضها تظهر متظاهرين يتعرضون لإطلاق النار بينما يسيرون ببطء نحو الحدود بأيدٍ فارغة أو يحملون العلم الفلسطيني فقط، أو يتراجعون عن الحدود. أشارت مقابلات مع 6 شهود، من بينهم 3 صحفيين، إلى أن الجنود أطلقوا النار على رجال كانوا في المنطقة الواقعة بين الخيام والسياج، لكنهم لم يشكلوا أي تهديد جسيم لأحد وراء السياج.
وأكدت هيومن رايتس ووتش إن دخول منطقة محظورة ينبغي ألا يعتبر جريمة يُعاقب عليها بالقتل.
وكان قد زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أيضا أن من بين القتلى "10 إرهابيين معروفين، لديهم سجلات في النشاط الإرهابي". بإبداء مثل هذه الادعاءات، يبدو أن الجيش يحاول تبرير القتل غير القانوني في العمليات الأمنية استنادا إلى نشاط مزعوم في الماضي.
يذكر أنه في عام 2017، وثّقت "هيومن رايتس ووتش" أن بعض كبار المسؤولين الإسرائيليين شجعوا الجنود والشرطة على قتل الفلسطينيين في الضفة الغربية الذين يشتبهون بأنهم يهاجمون الإسرائيليين، حتى عندما يتوقفون عن تشكيل أي خطر.
في 1 أبريل/نيسان، قال ليبرمان إنه لن يكون هناك تحقيق رسمي في عمليات القتل التي وقعت في 30 مارس/آذار، وإن الحكومة الإسرائيلية لن تتعاون مع أي تحقيق دولي.
وأشارت "هيومن رايتس ووتش" إلى أنه بموجب المبادئ الأساسية للأمم المتحدة، "في حالات الوفاة والإصابات الخطيرة أو غيرها من العواقب الخطيرة، يجب إرسال تقرير مفصل على الفور إلى السلطات المختصة المسؤولة عن المراجعة الإدارية والرقابة القضائية". لم تقم السلطات الإسرائيلية منذ عقود بالتحقيق بشكل موثوق به في عمليات القتل غير القانونية المحتملة من قبل قوات الأمن ومحاسبة المنتهكين.
وقال غولدستين: "الثناء على تعامل الجيش مع أحداث 30 مارس/آذار، والقول إنه لن يكون هناك أي تحقيق في قتل 14 متظاهرا وراء السياج من قبل الجنود الإسرائيليين، يوضح الكثير عن مدى استرخاص السلطات الإسرائيلية أرواح الفلسطينيين في غزة".