تعد هيتي غرين واحدة من أشهر النساء في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، حيث ارتبط اسم الأخيرة بأقصى درجات البخل، فعلى الرغم من امتلاكها ثروة هائلة سجّل التاريخ تصرفات هذه المرأة الغريبة لتصنف لاحقاً من قبل البعض كأبخل امرأة على مر التاريخ.
ولدت هيتي غرين يوم 21 من شهر نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1834 بمنطقة نيوبدفورد التابعة لولاية ماساتشوستس الأميركية لعائلة ثرية، حيث كان والدها تاجراً. كانت هيتي غرين الطفلة الوحيدة لهذه العائلة، وخلال صغرها أوكلت مهمة تربيتها لوالدها وجدّها، ويعزى السبب في ذلك إلى الحالة الصحية المتدهورة لوالدتها. وخلال فترة طفولتها تعلمت هيتي عن جدها كيفية استغلال الأموال، فضلاً عن ذلك كانت الأخيرة منذ صغرها قادرة على فهم تقارير البورصة والمبادلات التجارية.
هيتي غرين في ملابسها السوداء
في حدود سنة 1865 وعلى إثر وفاة والدها، ورثت هيتي غرين ثروة قدرت بنحو 5 ملايين دولار، وفي عمر الثلاثين سنة باشرت هيتي استغلال ثروتها حيث لم تتردد في الاستثمار في شركات السكك الحديدية، كما اعتمدت على القروض ذات الفائدة المرتفعة لتسبب أزمات مالية بالبنوك.
في حدود سنة 1907 شعرت هيتي غرين بعدم استقرار الاقتصاد الأميركي، ومع ظهور بوادر أزمة اقتصادية أقدمت الأخيرة على خلاص جميع ديونها، وتزامناً مع بداية الأزمة الاقتصادية وهبوط الأسعار، لم تتردد هيتي غرين في شراء العديد من الأسهم والعقارات مقابل مبالغ زهيدة، وجاء ذلك قبل أن تقدم على بيعها لاحقا بأسعار باهظة.
شككت هيتي غرين طيلة حياتها في نوايا الرجال وسعيهم للحصول على ثروتها، وبسبب ذلك ظلت الأخيرة عازبة قبل أن تتزوج في عمر 33 سنة من رجل يدعى إدوارد هنري غرين، ومن خلال هذا الزواج رزقت هيتي بطفلين نيد وسيلفيا.
لم يكن هذا الزواج ناجحاً، فطيلة فترة حياتها الزوجية شككت هيتي غرين في نوايا زوجها وسعيه للحصول على ثروتها، وبسبب المال فشل هذا الزواج، حيث أقدم إدوارد على مغادرة المنزل ليستقر بعيداً عنها، لكن عقب إصابته بمرض خبيث عادت هيتي مجدداً لتعتني بزوجها الذي فارق الحياة سنة 1902 بعد أشهر من المعاناة.
عقب وفاة زوجها ارتدت هيتي غرين ثياباً سوداء بقية حياتها، ولهذا السبب لقبتها بعض الصحف بغراب وول ستريت. سنة 1916 نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريراً أكدت فيه أن ثروة هيتي غرين تتجاوز 100 مليون دولار، وخلال تلك الفترة صنفت هذه الصحيفة هيتي أغنى امرأة أميركية.
على الرغم من كل هذا الثراء الفاحش، كانت هيتي غرين امرأة بخيلة لدرجة لا تحتمل، حيث ارتدى أبناؤها ثياباً مستعملة، وأجبروا على تناول أطعمة رخيصة، فضلاً عن ذلك وفي حادثة تراجيدية أصيب ابنها نيد خلال حادث مرور، وبدل إرساله إلى إحدى المصحات الخاصة أقدمت هيتي على نقل ابنها إلى مستشفى عمومي مخصص للفقراء، وتزامناً مع اكتشاف هويتها طالب الأطباء هذه المرأة البخيلة بدفع أجرة المستشفى، وبسبب ذلك أجبرت هيتي غرين على مغادرة المستشفى رفقة ابنها بشكل نهائي.
بسبب تصرفات والدته لم يتلقَ نيد العلاج الكافي، وبعد بضعة أيام تعفن جرحه مما استوجب تدخلاً جراحياً عاجلاً لبتر ساقه.
لم تتوقف قصة بخل هيتي غرين هنا، فعقب إصابتها بالفتق اعتمدت الأخيرة على علاج تقليدي، وبدل التوجه نحو إحدى المصحات أقدمت هيتي على وضع عصا قبالة بطنها عن طريق تثبيتها إلى ملابسها الداخلية.
إضافة إلى كل هذا نقلت الصحف الأميركية واقعة أخرى، فخلال تلك الفترة كان لهيتي عمّة ثرية، وعقب مفارقتها للحياة تركت الأخيرة مبلغاً قدّر بنحو مليوني دولار لإحدى الجمعيات الخيرية، وما إن علمت هيتي غرين بهذا الأمر حتى أقدمت على رفع قضية ضد هذه الجمعية مستخدمة وصية مزورة بهدف استرجاع أموال عمّتها والاستحواذ عليها.
قبيل خلودها للنوم اعتادت هيتي غرين القيام ببعض الإجراءات الروتينية، حيث لم تتردد في ربط سلسلة حديدية تثبت عليها مفاتيح خزائن أموالها حول خصرها، فضلاً عن ذلك اعتادت هذه المرأة البخيلة التوجه للفراش والنوم حاملة مسدساً في يدها، وقد جاء ذلك بسبب هوسها الدائم وخوفها من التعرض للسرقة.
وفي الثالث من شهر يوليو/تموز سنة 1916 فارقت هيتي غرين الحياة عن عمر يناهز 81 سنة، وعلى إثر ذلك ورث أبناؤها ثروتها التي تراوحت قيمتها ما بين 100 مليون و200 مليون دولار.
عقب حصولهما على كل هذه الثروة لم يتردد كل من نيد وسيلفيا (أبناء هيتي غرين) في إنفاق مبالغ طائلة حول أبسط الأشياء وأتفهها، إضافة لذلك اعتمد الأخيران أسلوب حياة جعل والدتهما تتقلب في قبرها، فضلاً عن ذلك وبحلول سنة 1951 فارقت سيلفيا الحياة، وعقب وفاتها قدمت الأخيرة نسبة هامة من ثروتها لعدد من الجمعيات الخيرية.