قال وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، إن فشل الدول العربية في اعتماد قراراتها وتطبيقها هو الذي شجع الولايات المتحدة على نهجها الحالي، مضيفاً في تصريحات بثتها وكالة "وفا" الرسمية: "إن فشلنا (الدول العربية) في اعتماد قراراتنا التي اتخذت على مدار سنوات طويلة ماضية هو الذي شجع الولايات المتحدة على التمادي في نهجها الخاطئ، وقرارها الباطل بشأن القدس، وهو الذي شجع أيضاً دولة صغيرة، مثل غواتيمالا، على أن تقرر نقل سفارتها للقدس".
والانتقاد النادر من وزير الخارجية الفلسطيني للدول العربية جاء في وقت تبدو فيه الأفق أمام القيادة الفلسطينية ضيقة صعبة، مع انعدام الخيارات في مواجهة صفقة القرن الأميركية.
وعلى الرغم من أن المالكي أشاد بالجهود التي تبذلها القيادة السياسية، عربياً ودولياً، لمنع المساس بعاصمة دولة فلسطين المحتلة (القدس)، وإنهاء الاحتلال، فإنه عبّر عن عدم الرضا عن تنفيذ المنظومة العربية لقرارات القمم المتعلقة بالشأن الفلسطيني.
ونقل المالكي عن وزيرة خارجية غواتيمالا أنها لن تقبل بأي محاولات ضغط من أي دولة عربية، مفسراً ذلك بأن الدول العربية "لا تملك أي إمكانيات للضغط على غواتيمالا".
وقال المالكي: "إن هذه الجرأة من قبل غواتيمالا تأتي فقط بعد قراءتها المواقف العربية غير القادرة على حمل تلك القرارات التي اتخذت على مدار سنوات طويلة. وإذا كنا نحن عاجزين عن حمل مثل تلك القرارات، فكيف نستطيع أن نمنع غواتيمالا أو غيرها من اتخاذ مثل تلك الخطوة".
وتعبّر تصريحات المالكي عن خيبة أمل في رام الله من رد الفعل العربي على قرار ترمب المتعلق بالقدس، وكذلك التعاطي الإقليمي والدولي مع القضية الفلسطينية.
وقالت مصادر مطلعة، لـ"الشرق الأوسط" السعودية، إن الرئيس الفلسطيني لم يجد الدعم الكافي والقوي من دول العالم، وأضافت: "البعض يميل إلى عدم مواجهة الولايات المتحدة، والبعض يضغط باتجاه التعاطي مع القرار الأميركي، باعتبار أن الولايات المتحدة هي الوسيط الوحيد القادر على تحقيق اتفاق، ولأن المفاوضات هي وحدها القادرة على حسم مصير القدس".
وقد رفض عباس الموقف الأميركي من القدس، وكل الضغوط اللاحقة عليه، واقترح بدلاً من ذلك خطة سلام فلسطينية، تقوم على عقد مؤتمر دولي حتى منتصف العام الحالي، تنبثق عنه آلية دولية متعددة لأطراف مرجعيتها مبادرة السلام العربية، والاعتراف بدولة فلسطين على حدود 67، وتجميد القرار الأميركي بشأن القدس.
لكن الخطة لم تلقَ أيضاً الدعم الذي كان يأمله عباس، أي ترجمة فورية على الأرض.
وأقر المالكي بأن الخطة الفلسطينية ما زالت مجرد اقتراح، وقال إن "فكرة انعقاد المؤتمر ما زالت اقتراحاً، لكننا نحاول أن نشكل أكبر ائتلاف واسع من قبل كثير من الدول التي تتبنى مثل تلك المواقف".
وأضاف: "إنه بمجرد تبني الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ودول عدم الانحياز، لعقد المؤتمر، حيث تحدثنا أيضاً أمام وزراء الاتحاد الأوروبي بهذا الشأن، وعندما نشعر أنه أصبح هناك إجماع إقليمي ودولي حول هذه الأفكار وقبولها، سنبدأ بالتحرك على صعيد مكان وتاريخ انعقاده".
وتابع: "عندما نتحدث عن مؤتمر دولي، نريد أن يحضره أكبر عدد ممكن، لنضمن نتائجه ومخرجاته"، وأردف: "عندما تستكمل جهودنا الفردية ضمن مجموعات عربية، نستطيع أن نستخلص تلك المخرجات، خصوصاً عندما يكون لدينا عدد كبير من الدول الجاهزة لكي تعمل معنا، وتحضر المؤتمر، وتتبنى مثل هذه الأفكار، وتحمل مسؤولية تشكيل المرجعية متعددة الأطراف؛ حينها سنتحدث عن موعد انعقاده".
وأمام هذه الحياد الكبير، تبقى خيارات عباس شبه معدومة، بالنظر إلى أنه لا يفكر بتغيير حلفائه أو الانقلاب على العملية السياسية.
ومع انعدام الأفق، يتمسك عباس بمفاوضات سياسية كأساس للحل، متجاهلاً دعوات المعارضة الفلسطينية لأجل إلغاء الاتفاقات مع إسرائيل، واللجوء إلى الكفاح المسلح.
وقال عباس، أمس، إنه لا خيار أمام الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي "سوى العيش في دولتين متجاورتين»، وأضاف في أثناء استقباله في مدينة رام الله وفد إدارة منتدى الزيتونة الإسرائيلي: «في حال اتفقنا (الفلسطينيون والإسرائيليون)، فإن ذلك سيشكل نموذجاً يحظى بالاحترام".
وحث الرئيس عباس رئيس دولة إسرائيل، رؤوفين ريفلين، على أن «يلعب دوراً إيجابياً» في سبيل تحقيق السلام.
ولا يعجب المعارضين الفلسطينيين نهج عباس هذا، باعتبار أنه تلقى صفعة قوية من الولايات المتحدة الأميركية، بعد تجربة ربع قرن من التفاوض.
وتطالب فصائل وأكاديميون ومسؤولون سابقون بإيجاد بدائل لنهج التفاوض؛ بعضها يقوم على حل السلطة، أو اعتماد حل الدولة الواحدة، وبعضها يقوم على إعلان الكفاح المسلح، وأخرى تطالب باستقالة عباس نفسه.
لكن في محيط عباس، يروون أن هذه الطروحات غير منطقة أو عملية، وربما هي نوع من المزايدة على الرجل الذي قال للأميركيين: لا.
ويفاخر مريدو عباس بأنه قال للرئيس الأميركي دونالد ترمب: لا.
ومع كل هذه الضغوط، وانعدام رؤى عملية، يضغط العمر أيضاً على الرئيس عباس؛ لقد ناهز 82 عاماً، وبدأ العالم والإقليم، وحتى الفلسطينيون، يفكرون في مرحلة من بعده.