تمتلئ عينا سامح المدهون بالدموع، وهو يروي ما آل إليه وضعه من رجل اعمال ناجح الى موقوف في احد سجون حماس في غزة، بعد افلاس شركته بسبب تدهور الوضع الاقتصادي في القطاع.
يبدو الوضع الاقتصادي في غزة في أسوأ حالاته مع استمرار الحصار الاسرائيلي الخانق على القطاع الفقير للعام الحادي عشر على التوالي.
المدهون يملك شركة لتأجير السيارات في غزة، وهو واحد من بين 42 الف شخص تم اصدار اوامر حبس بحقهم خلال العام الماضي، لعدم ايفائهم بالتزاماتهم المالية، وفق شرطة حماس في غزة.
وبعد ان كانت شركته تمتلك نحو مئة سيارة برأسمال يصل الى "8 ملايين دولار" كما يقول، اضطر المدهون لبيع منزله وغالبية سياراته لسداد ديونه التي بلغت أكثر من "3 ملايين دولار".
يقول الرجل (40 عاما) وهو في مركز توقيف لشرطة حماس غرب مدينة غزة وبالكاد يحبس دموعه: "حتى منزلي بعته، تمكنت من سداد نصف الديون فقط، لم اعد املك شيئا الآن".
ورغم انه تم ايقافه في سبتمبر الماضي، الا ان شرطة حماس تسمح له بمغادرة السجن ليومين اسبوعياً للبقاء مع عائلته واطفاله الاربعة ولمحاوله تسديد جزء من ديونه.
والتقت وكالة فرانس برس به مرة داخل السجن، في حين التقته المرة الثانية في شركته غرب مدينة غزة. ويضيف: "السوق انهار، رغم ان الاسعار هبطت الا انه لا يوجد مشترٍ، لم يعد معي سيولة، وتقدم الناس ضدي بشكاوى وانتهى بي الامر في السجن".
ويتابع: "اذا استمر الوضع هكذا فكل تجار غزة سيفلسون".
يقول مدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية في غزة ماهر الطباع إن"الوضع الاقتصادي في قطاع غزة وصل إلى الرمق الأخير من حاله الموت السريري، وهو الاسوأ منذ بدء الحصار".
من جانبه يؤكد رئيس لجنة تنسيق البضائع على المعابر التجارية مع اسرائيل رائد فتوح لوكالة فرانس برس، تراجع عدد الشاحنات والبضائع التي يتم استيرادها عبر معبر كرم ابو سالم التجاري، ما بين 50 الى 60 بالمئة خلال السبعة شهور الاخيرة.
وتضاعفت قيمة الشيكات المرتجعة لعدم توفر رصيد في الحسابات البنكية في القطاع لـ112 مليون دولار في عام 2017، بعد ان كانت قيمتها في عام 2016 تبلغ 62 مليون دولار، بحسب الطباع، الذي يؤكد ان قيمة هذه الشيكات "هو دليل قاطع على حالة الانهيار الاقتصادي في قطاع غزة"
ويعزو ذلك الى "الحصار وانعدام توفر سيولة نقدية إلى جانب إنعدام القدرة الشرائية".
في حين ارتفع عدد كافة الموقوفين في سجون حماس العام الماضي بنسبة 20 بالمئة مقارنة بالعام الذي سبقه، بلغ عدده هؤلاء الموقوفين على خلفية قضايا مالية 42.525 وهو ما يعادل 38 بالمئة من اجمالي الموقوفين بحسب المتحدث باسم شرطة حماس في غزة ايمن البطنيجي.
ويشير ايضا الى ان عدد الموقوفين حاليا في السجون على قضايا ذمم مالية نحو 600 شخص، مشددا على ان "بقاءهم في السجن لن يحل المشكلة".
وخلال الشهر الجاري قامت الغرفة التجارية في غزة بتسديد جزء من قيمة الديون على 140 تاجر ورجل اعمال في القطاع لاخلاء سبيلهم من سجون حماس، الا ان "مئات التجار ورجال الاعمال محتجزون الآن لدى الشرطة" بحسب الطباع.
وفي محاولة لاحتواء الازمة، اعلنت النيابة العامة في غزة مؤخرا في بيان انها قررت "إعطاء فرصة شهر قابلة للتمديد بشكل مفتوح في حال أبدى المدين استعداده للحل وإرجاع الحقوق وعدم التهرب".
ويقول البطنيجي: "نحاول تأجيل امر الحبس او السماح للموقوفين بالخروج من السجن لتسوية اوضاعهم".
ومنذ سيطرة حماس على غزة، فشلت عدة وساطات لاستعادة الوحدة بين حركتي فتح وحماس، ما فاقم الازمة الاقتصادية، عدا عن الاجراءات العديدة التي اتخذتها السلطة الفلسطينية خلال الاشهر الماضية ضد قطاع غزة للضغط على حماس، وكان ابرزها خفض رواتب موظفي السلطة فيه، وإحالة الآلاف منهم للتقاعد المبكر.
يقول اعلى مسؤول للامم المتحدة في اسرائيل والاراضي الفلسطينية، إن قطاع غزة يواجه "انهيارا كاملا".
كما يحذر اسرائيليون علانية من اثار ذلك، وحذر قائد الجيش مرار البرلمان الاسرائيلي من خطر مواجهة عسكرية جديدة اذا استمرت الاوضاع الانسانية في القطاع بالتدهور.
ومنذ عام 2008 شنت اسرائيل ثلاث حروب على قطاع غزة الذي يعيش فيه اكثر من مليوني شخص، وتبلغ نسبة البطالة فيه 45% بينما يعتمد اكثر من ثلثيه على المساعدات الانسانية.
ويقول تاجر آخر فضل عدم الكشف عن هويته، وهو ايضا موقوف منذ نوفمبر الماضي "كل ما بنيته في السوق منذ تاسيسي شركتي عام 2002 خسرته العام الماضي، ديوني تجاوزت مليون ونصف دولار"، ويتابع: "قمت ببيع عقارات لسداد الديون ولم اتمكن من سدادها كلها".
ويوضح: "السوق منهار بسبب الحصار وأزمة رواتب السلطة" مضيفا: "طالما لا يوجد استقرار سياسي لن يكون هناك استقرار اقتصادي ولن تنهض السوق مجددا".