أكد مجلس الوزراء خلال جلسته الأسبوعية التي عقدها عبر تقنية الفيديو كونفرنس في رام الله وغزة، اليوم الثلاثاء، دعمه الكامل للمبادرة التي أطلقها الرئيس محمود عباس في جلسة مجلس الأمن الدولي الأخيرة، والتي استندت بشكل رئيس إلى القانون والشرعية الدولية ولمبادرة السلام العربية، وذلك من خلال إنشاء آلية دولية متعددة الأطراف تحت مظلة الأمم المتحدة، للإشراف على المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لحل جميع قضايا الوضع الدائم ضمن إطار زمني محدد.
واعتبر المجلس أن هذه المبادرة تشكل فرصة تاريخية على المجتمع الدولي التقاطها من أجل صنع سلام عادل وشامل، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتجسيد سيادة دولة فلسطين على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
وشدد على أن هذه المبادرة تعكس حرص القيادة الفلسطينية وتمسكها بالشرعية الدولية، وتمثل فرصة أمام المجتمع الدولي بجميع أطرافه لتحمل مسؤولياته القانونية والسياسية والأخلاقية والإنسانية إذا كان جاداً في إنهاء الصراع الذي طال أمده، وعدم استفراد طرف بهذه القضية ذات التبعات الخطيرة على الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي.
واعتبر المجلس أن قرار الإدارة الأمريكية بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس منتصف شهر أيار القادم، واختيار ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني تاريخاً للقيام بهذه الخطوة، في الوقت الذي تعلن فيه عن أن خطة الرئيس الأمريكي للسلام قد أصبحت شبه جاهزة، هو تناقض واضح، ومخالفة فاضحة لأحكام وقواعد ومبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة، ومحاولة للالتفاف على مبادرة سيادة الرئيس بهدف إفشالها، وإفشال أي جهد دولي يرغم دولة الإحتلال على الالتزام بقرارات الشرعية الدولية وإرادة المجتمع الدولي، والإقرار بحقوق شعبنا، نظراً لانحياز الإدارة الأمريكية وقرارتها لصالح دولة الاحتلال، ورفض محاسبتها عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وانتهاكاتها للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وحمّل المجلس الإدارة الأمريكية المسؤولية الكاملة عن تبعات نقل السفارة إلى القدس، وطالب المجتمع الدولي برفض هذا الإعلان، وترجمة هذا الرفض إلى آليات عملية، وخاصة دول الاتحاد الأوروبي من خلال الإسراع في الاعتراف بدولة فلسطين على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
كما أدان المجلس الحملة الإسرائيلية على الكنائس، وخاصة قرار بلدية القدس بفرض ما يسمى بضريبة "الأرنونا" على الممتلكات الكنسية في القدس، وشدد المجلس على أن الكنائس المسيحية قائمة على هذه الأرض قبل إقامة دولة إسرائيل، وأن الهوية الفلسطينية تتضمن أقدم إرث مسيحي مستمر، فهي جزء من الوجود الفلسطيني المتأصل على هذه الأرض، معتبراً أن دولة الاحتلال بهذه الإجراءات الخطيرة تنتهك بشكل صارخ الوضع القائم الذي يحكم وضع الكنائس المسيحية في فلسطين منذ قرون، وأشار إلى أن التشريعات الإسرائيلية الأخيرة، تأتي في سياق ترسيخ نهج التطهير العرقي لمحو الوجود الفلسطيني الإسلامي والمسيحي في المدينة المقدسة، بهدف إحكام السيطرة الإسرائيلية على المدينة المقدسة.
وعلى صعيدٍ آخر، أدان المجلس بشدة، الجريمة البشعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال بإعدامها الشاب الأعزل ياسين السراديح بعد اعتقاله مباشرة من منزله في مدينة أريحا، مؤكداً أن سلطات الاحتلال تعتمد منظومة ممنهجة ومتواصلة في ارتكاب جرائم الحرب. وطالب المجلس بمحاسبة إسرائيل على جرائمها ضد أبناء شعبنا الأعزل وتوفير الحماية الدولية، نظراً للتصعيد الإسرائيلي الخطير والتمادي في ارتكاب الجرائم تجاه أبناء شعبنا وأرضنا ومقدساتنا الإسلامية والمسيحية عقب قرارات الإدارة الأمريكية الأخيرة.
وفي سياقٍ منفصل، أقر المجلس الموازنة العامة لدولة فلسطين للسنة المالية 2018، وقرر إحالتها إلى الرئيس محمود عباس للمصادقة على مشروع القانون الخاص بذلك وإصداره وفق الأصول.
وأشاد المجلس بالإنجازات المالية التي تحققت في العام 2017، وأوضح أن ميزان العجز لم يزد خلال العام الماضي إلّا هامشياً بنسبة لا تتجاوز 0.2% من إجمالي الناتج المحلي، بالرغم من انخفاض الدعم الخارجي للموازنة عن العام 2016، بنسبة 14% وزيادة النفقات التطويرية.
وأشار المجلس إلى أن مشروع الموازنة العامة للسنة المالية 2018 قد تم إعداده بشكلٍ مرن ويوضح بالتفصيل سياسات الوزارات وبرامجها وغاياتها وأهدافها ومخرجاتها ومشاريعها التطويرية، رغم الصعوبات والتحديات وغموض التطورات المستقبلية، وما قد ينشأ عنها من حالات طارئة، بحيث تم إعداد موازنة الأساس مع الأخذ بعين الاعتبار بقاء الوضع الحالي القائم في قطاع غزة.
وبين المجلس أنه حسب هذا المقترح، تبلغ قيمة الموازنة حوالي 5 مليارات دولار، بحيث يبلغ إجمالي الايرادات 3.8 مليار دولار، فيما يبلغ التمويل الخارجي لدعم الموازنة وتمويل النفقات التطويرية 775 مليون دولار، وتبلغ النفقات الجارية وصافي الإقراض 4.5 مليار دولار، كما تبلغ النفقات التطويرية 530 مليون دولار، وتبلغ الفجوة التمويلية 498 مليون دولار بمعدل شهري يبلغ حوالي 40 مليون دولار. كما تم إعداد موازنة موحدة في حال تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، بما يتضمن التمكين المالي الموحد من خلال وزارة المالية والتخطيط، الجهة المسؤولة الوحيدة عن الجباية وعن الصرف في آن واحد، بما فيها احتمال دمج 20 ألف موظف، حيث تبلغ قيمة الموازنة الموحدة 5.8 مليار دولار، منها 5.2 مليار دولار للنفقات الجارية وصافي الإقراض، و830 مليون دولار للنفقات التطويرية، فيما تبلغ الإيرادات حوالي 4 مليارات دولار، ويبلغ التمويل الخارجي لدعم الموازنة وتمويل النفقات التطويرية 775 مليون دولار، بفجوة تمويلية تقدر بحوالي مليار دولار، أي أن النمو في النفقات سيفوق نسبة النمو في الإيرادات بحوالي 11%، الأمر الذي يحتم تبني إجراءات ضرورية لمواجهة هذا التحدي تتمثل في تكثيف الجهود للارتقاء بالأداء المالي بإجراءات تتعلق بسياسات الإيرادات، وذلك من خلال الارتقاء بكفاءة وفاعلية الأداء الضريبي، وتطوير منظومة الضرائب من خلال الالتزام الضريبي بتوسيع قاعدة المكلفين، واستقطاب مكلفين جدد، والحد من التهرب والتجنب الضريبي، وزيادة المطابقة والربط بين الضرائب المباشرة وغير المباشرة، كل ذلك بهدف تعزيز الدخل، وفي الوقت نفسه تحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية في تطبيق السياسات الضريبية، مع الأخذ بعين الاعتبار التباين في الدخل الفردي والوضع الاقتصادي بين المحافظات الشمالية والجنوبية، وتعديل السياسة الضريبية الخاصة بالأفراد بهدف تحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وتخفيف العبء الضريبي على ذوي الدخل المحدود والمتدني وزيادته على المكلفين الأكثر دخلاً، والاستمرار في البسط الأفقي للأفراد والشركات التي تعمل بشكل فردي أو عائلي، والتحول إلى ضريبة تصاعدية، مع اعتماد شريحة ضريبية رابعة بدلاً من الشرائح الضريبية الثلاث المعتمدة منذ العام 2015، لخلق المزيد من العدالة الاجتماعية، بحيث تتراوح ضريبة الدخل من صفر إلى 20% الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة عدد الملتزمين ضريبياً بحوالي 10%، وزيادة الإيرادات الضريبية بنسبة 35% خلال عام 2018، خاصة من أصحاب المهن الحرة. كما سيتم تعديل السياسة الضريبية للشركات بهدف تحفيز نمو وثبات الشركات الناشئة والصغيرة، وذلك بتخفيض ضريبة الدخل من 15% إلى 10% على الشركات الصغيرة والمتوسطة التي لا يتجاوز دخلها السنوي الصافي 3.5 مليون شيكل، والتي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الفلسطيني، وتشكل أكثر من 90% من الشركات العاملة في فلسطين، إضافة إلى التحول إلى إعفاءات ومحفزات ذكية مرتبطة بالتدريب، بهدف تحفيز الشركات على توظيف واستيعاب الخريجين، مما يساهم في تدريب وتأهيل حوالي 5000 خريج لدخول سوق العمل سنوياً، وبما يساعد في نمو هذه الشركات وديمومتها، كما سيتم استحداث شريحة جديدة تخص البنوك والمؤسسات المالية التي يفوق دخلها 7 ملايين شيكل، وذلك من 15 - 20%، وهذه تشمل الشركات التي تتمتع بالاحتكار والشهرة، علماً أن عدد هذه الشركات يبلغ (52) شركة في فلسطين، هذا بالإضافة إلى تحفيز البنوك والمؤسسات المالية لتوظيف حصة أكبر من نشاطاتها لتوجيه التمويل لصالح الشركات الصغرى والناشئة، وتوجيه الإقراض نحو المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر.
واعتبر المجلس أنه وبناءً على هذه التعديلات تصبح المنظومة الضرائبية الفلسطينية من الأكثر تقدماً وتحفيزاً بالمقارنة مع دول الجوار. كما تضمنت موازنة العام 2018 إنشاء صندوق خاص تديره وزارة المالية والتخطيط لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة، بحيث تساهم الحكومة بمبلغ 10 ملايين دولار في هذا الصندوق، وتساهم سلطة النقد بمبلغ مماثل، ليصل فيما بعد إلى 40 مليون دولار، وذلك لمساعدة الشركات الصغيرة بالحصول على التمويل اللازم لمشاريع الطاقة المتجددة من خلال البنوك التجارية.
وأكد المجلس أنه رغم نمو نسبة الفجوة التمويلية التي ستنتج عن عملية الدمج، إلّا أن إنهاء الانقسام البغيض وتحقيق المصالحة الوطنية، وإعادة الوحدة للوطن ومؤسساته يفوق أي اعتبار، وهي تمثل فرصة وعاملاً مساعداً للمضي قدماً بالإسراع في تنفيذ الإصلاح المالي، والتغلب على مقاومة التغيير، وإتاحة المجال لتبني إقامة مشاريع تنموية جديدة في قطاع غزة كمشاريع البنية التحتية، والكهرباء، والمياه، بالإضافة إلى ضرورة توحيد الطاقات والموارد، وترشيد النفقات والعمل على إصلاح القطاع الصحي، وتصويب نظام التحويلات الطبية والخروج من الأعباء المالية غير المبررة التي تراكمت عبر السنوات في ظل تدني الدعم الخارجي والتوقعات بتراجع هذا الدعم نتيجة الأوضاع السياسية الراهنة، الأمر الذي يحتم تبني سياسات مالية قابلة للديمومة، وبذل كل الجهود لتنمية وتطوير المقدرة الذاتية لتقليل الاعتماد على الدعم المالي الخارجي، والاستمرار في المطالبة بإنهاء كافة الملفات المالية والاقتصادية العالقة مع الجانب الإسرائيلي، إضافة إلى تعزيز العلاقة مع الجهات المانحة وذلك بتوحيد قنوات الاتصال وتوحيد المعلومات والتمويل من خلال القنوات الحكومية الرسمية، وتوجيه الدعم الدولي لينسجم مع أجندة السياسات الوطنية، وحث المانحين على تعزيز التنسيق فيما بينهم لضمان عدم التقاطع والتضارب بين برامجهم المختلفة.
وأعرب المجلس عن تقديره للجهود التي بذلتها طواقم وزارة المالية والتخطيط لإعداد الموازنة، والإنجازات التي حققتها رغم المعيقات والتحديات والمتغيرات، مؤكداً على أن نجاحنا في مواجهة الصعوبات والتحديات المالية، وفي إفشال المخططات التي تهدد مشروعنا الوطني، يستوجب ارتقاءنا إلى أعلى درجة من التلاحم والتكاتف، وتضافر الجهود وحشد الطاقات للعمل المشترك، ومواصلة بناء الوطن ومؤسساته، ورعاية مصالح شعبنا، حتى نتمكن معاً من إنجاز حقوق شعبنا في التخلص من الاحتلال ونيل الحرية والاستقلال وتجسيد إقامة دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.
وعلى صعيدٍ آخر، أكد المجلس على أن قضية اللاجئين هي جذر ولب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والذي لن يحل إلّا بإيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (194)، وشدد على أن قضايا المخيمات تحتل سلم أولويات القيادة الفلسطينية وعلى رأسها سيادة الرئيس محمود عباس، وفي هذا السياق، أقر المجلس، ما أعلنه رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمدلله عن توفير 2 مليون دولار كمساعدة طارئة توزع على مخيمات الضفة الغربية، بالإضافة إلى مضاعفة قيمة المساعدات المقدمة لموازناتها التشغيلية، ورفع قيمة المساعدات المقدمة للمشاريع إلى 6 ملايين دولار ضمن الموازنة العامة لعام 2018، بالإضافة إلى تشكيل لجنة من عدد من الوزارات المعنية لمتابعة كافة الاحتياجات مع المكتب التنفيذي لمخيمات الضفة الغربية، وتسهيل تنفيذ المشاريع التنموية والخدماتية فيها، وأهمية متابعة الأزمة التي تواجهها نتيجة قرار الإدارة الأمريكية بخفض المساعدات المقدمة لوكالة الأونروا، مع كافة الجهات الدولية والدول المانحة.
ووجه المجلس تحية إكبار إلى المرأة الفلسطينية بمناسبة حلول الثامن من آذار يوم المرأة العالمي، معرباً عن تقديره لدورها المقدس وكفاحها الريادي والمتميز في مختلف المجالات والميادين. وأكد المجلس فخره بالمرأة الفلسطينية العظيمة التي جسّدت أروع آيات النضال والتضحية حُباً للوطن وحريته وهي تخوض اليوم مسيرة البناء من أجل الحياة والمستقبل وتعزيز صمود شعبنا وقدرته على الثبات على أرضه، مجدداً إصرار السلطة الوطنية على العمل في كل ما من شأنه تعزيز مكانة المرأة، وترسيخ شراكتها الحقيقية وبما يحقق لها المساواة والعدالة الاجتماعية، بما يشمل تعديل القوانين والتشريعات الفلسطينية، لتوائم المعاهدات والمواثيق الدولية، وبما يمكنها من تعزيز دورها في المشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومواقع صنع القرار.
وقرر المجلس اعتبار يوم الخميس 08/03/2018 عطلة رسمية في كافة الوزارات والمؤسسات الحكومية والمؤسسات الخاصة والأهلية بهذه المناسبة.