من الواضح أن الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو تعتبر المواقف الأمريكية المنحازة بمثابة "سكة حديدية" لقطار الإستيطان حتى يتسارع في التهامه وابتلاعه للمزيد من الأرض الفلسطينية المحتلة، وتهويدها وصولاً الى رسم خارطة المصالح الإسرائيلية النهائية في أرض دولة فلسطين وفرضها كأمر واقع مُسلم به وغير قابل للتفاوض. إن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن القدس، شكل صافرة الانطلاق لهذا التسارع الاستيطاني، ولسياسة الضم والقضم التي تتبعها سلطات الإحتلال لأجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة. فما يجري من مصادقات متتالية على مشاريع استيطانية ضخمة من شمال الضفة الى جنوبها، كان آخرها موافقة وزير الداخلية الاسرائيلي آرييه درعي على بناء مدينة للمستوطنين قرب قلقيلية، والمصادقة على بناء 3000 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة غيلو جنوب القدس المحتلة. هذا يأتي في ظل التنافس بين أركان الأحزاب اليمينية الحاكمة على طرح مشاريع القوانين الهادفة الى فرض السيادة الاسرائيلية على أجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة، آخرها مقترح عضوة الكنيست عن حزب الليكود "شارن هاسكل" الداعي الى ضم منطقة الأغوار. هذه الهجمة الاستيطانية تواكبها عمليات ضخمة من شق الطرق الاستيطانية على امتداد الارض الفلسطينية، وهو ما يخلق تواصلا بين المستوطنات المختلفة ويؤدي الى إقامة دولة للمستوطنين متصلة جغرافية بالعمق الاسرائيلي، وفي ذات الوقت يغلق الباب نهائيا أمام قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
إن الوزارة اذ تدين بأشد العبارات هذا التغول الاستيطاني غير المسبوق، وإذ تدين أيضاً تصريحات سفير إسرائيل في الامم المتحدة داني دنون، التي اتهم فيها الجانب الفلسطيني بالتهرب من (المفاوضات المباشرة!!)، فإنها تؤكد على غياب شريك السلام الاسرائيلي، خاصة وأن ما يجري على الارض من توسع استيطاني يعكس أن اليمين الحاكم في اسرائيل يتفاوض مع ذاته، ويعمل على حسم ملفات الحل النهائي وفرض الأمر الواقع من جانب واحد وبقوة الاحتلال.
في ظل هذا الإنحياز الأمريكي والانفلات الاستيطاني المدمر لفرص تحقيق السلام، تطالب الوزارة مجلس الأمن الدولي بتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية اتجاه شعبنا وحقوقه، واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالحالة في فلسطين، وإنقاذ ما تبقى من أمل في تحقيق السلام على أساس حل الدولتين قبل فوات الأوان. إن دفاع مجلس الأمن عن ما تبقى من مصداقيته في رفع الظلم الواقع على شعبنا، ووضع حد للإحتلال والإستيطان في أرض دولة فلسطين، يتطلب قبل كل شيء الاعتراف الصريح والواضح بدولة فلسطين كعضو كامل العضوية في المنظومة الدولية.