قال الجيش التركي في 5 شباط/ فبراير إن جنديًا قُتل وجُرح خمسة آخرون في هجمة خلال محاولة لتنصيب نقطة عسكرية في شمال غربي سورية. لم يتضمن تصريح الجيش التركي أية تفاصيل حول الجهة التي هاجمت الجنود، لكن صحيفة "عرب نيوز"، وهي صحيفة يومية باللغة الإنجليزية تصدر في السعودية، ادعت أن الهجوم نفذه "مسلحون إيرانيون". تملك كل وسيلة إعلام سعودية مصلحة في إشعال ما يحصل، لكن العديد من التقارير الأخرى أشارت إلى أن "قوات مناصرة للنظام" قد شنت هجومًا على القوات التركية. في كل الأحوال، تسير تركيا وإيران نحو مسار صدامي.
بدأت كلتا دولتين هذا المسار بعد أن قامت إيران وروسيا بدعم عدوان نظام رئيس النظام السوري، بشار الأسد، على محافظة إدلب، وهي إحدى مناطق خفض التصعيد التي كان من المفترض أن تركيا المسؤولة عن أمنها. أجبر هذا العدوان، ولا مبالاة النظام كرد على الاعتراضات التركية، القوات التركية للتحرك وأدت لشن العملية العسكرية التركية على عفرين الشهر الماضي. بالرغم من المقاومة القوية، تسير الغارات في تقدم مستمر، إلى درجة أن تركيا كانت تحاول تنصيب نقطة عسكرية في جنوب غربي حلب منذ أكثر من أسبوع.
كانت تركيا قد اصطدمت مع قوات النظام الموالية للأسد في ذات الموقع، وفي 29 كانون الثاني/ يناير، حاولت قافلة تركيا تحتوي على حوالي 100 مركبة مسلحة، مدعومة بالقوات الجوية التركية، تأسيس موقع بين قوات موالية ومعارضة لنظام الأسد في جنوب غربي حلب. بحسب معهد دراسة الحرب، تم مواجهة القافلة بمقاومة كبيرة من قوات نظام الأسد، مما أعاق التقدم المبدئي التركي. وفي ذلك الوقت، جاء الخبر الوحيد في تركيا من القيادة العسكرية التركية، والذي أشار أن جنديًا تركيًا ونشاط مدني قد قُتِلوا من سيارة مفخخة في قافلة عسكرية.
كان نظام الأسد ينتقد العملية العسكرية التركية باستمرار دون القيام بأي شيء اتجاه ذلك. وبعيدًا عن الهجمات الصغيرة وبعض التسريبات من رويترز تدعي تنصيب "معدات دفاع جوية وصواريخ مضادة للطيران جديدة"، ركزت قوات الأسد أكثر على إعادة التموقع للدفاع عن حلب أكثر من الانخراط مع القوات التركية. يعود ذلك جزئيًا إلى أن العملية العسكرية التركية لا تشكيل تهديدًا مباشرًا. لقد كانت العملية العسكرية على عفرين مفيدةً لتركيا، ولكن لأنها مكنت أنقرة من التواصل مع جماعات المعارضة المسلحة المعزولة، ولأنها وضعت تركيا أيضًا في موقع أفضل لتهديد حلب بشكل مباشر، إذ بات ينبغي على النظام الاستمرار في التقدم في إدلب. لم يكن هذا بأي طريقة هو الظرف المثالي للنظام، لكنها كانت عملية عسكرية محدودة ضمن حدود خاضعة للنقاش.
إن الخطوات التركية الأخيرة في جنوب غربي حلب أكثر طموحًا من الغارات الأولية، بحكم أنها تزيد من التهديد الموجه لقوات النظام. إن الموقع الذي يريد الجيش العسكري أن يؤسسه يقع خارج حدود عفرين. لا تمتد منطقة عفرين ذات السيطرة الكردية نحو حلب، فالعاصمة المحلية، والتي تدعى أيضًا عفرين، تبعد حوالي 23 ميل (37 كم) شمالي حلب. ولكن دفعت القوات تركيا أبعد من ذلك، محاولة تأسيس نقطة في منطقة العيس، وهي مدينة سورية تبعد 12 ميلًا عن حلب، لكن من في الجنوب الغربي من المدينة. وعلاوة على ذلك، لا تعد العيس ضمن محافظة إدلب، حيث وافقت إيران وروسيا على أن تركيا هي المسؤولة عن أمنها، على الأقل من ناحية المبدأ، لكن ضمن محافظة حلب.
لذلك، من المنطقي أن يهاجم النظام السوري وداعميه الإيرانيين مرتين هذا التمدد للعملية العسكرية التركية. فالاستيلاء على عفرين يعني تقصير المسافة من الأراضي التركية إلى حلب. إن وضع نقطة في العيس يعني التحضير لهجوم محتمل على موقع النظام في حلب. لهذا السبب تحديدًا ردت إيران بهذه العدوانية على تحركات تركيا الأخيرة، حيث قال الرئيس الإيراني، حسن روحاني في 5 شباط/ فبراير، إن تركيا قد اعتدت بشكل فاضح على السيادة السورية، وقال وزير الخارجية الإيراني أن تحركات تركيا قد خلقت "عدم أمان، وعدم استقرار، وإرهاب".
الصمت الروسي
الجهة الصامتة في هذا النزاع الذي تحول إلى قصف هي روسيا، والتي من دون موافقتها الضمني لم تكن تركيا لتدخل عفرين في المقام الأول، (لا زالت روسيا تتحكم بالمجال الجوي السوري ولا بد من أن توافق على أي تحركات جوية تركية عبر الحدود). كان لدى روسيا طائرة مقاتلة تم إسقاطها من قوات القاعدة في سورية الأسبوع الماضي، وقامت كرد على ذلك بتكثيف الغارات الجوية على الأهداف الجهادية في محافظة إدلب. مع ذلك، لا بد من أن روسيا قد وافقت أيضًا لكل من الأسد وإيران على محاولة وقف تركيا من إقحام نفسها في الأراضي تحت سيطرة الأسد وبعيدًا عن المناطق المختصة بعمليات عفرين. (كما تتضمن الإشارة إلى أن تركيا قد شنت هجمات جوية أقل في الأسبوع الماضي، مما يشير إلى الرفض الروسي من خلف الستار).
استفادت روسيا كثيرًا من كل ذلك، فهي تمتلك علاقات قوية مع تركيا وشراكة أقوى مع إيران، ولكن هذه علاقات عابرة. فروسيا تمتلك مشاكل طويلة المدى مع كلتا الدولتين. مع ازدياد تركيز تركيا وإيران على التنافس مع بعضهما البعض، يقل تركيزهم على التنافس مع روسيا. ومع ذلك، هذا كثير جدًا، وقريب جدًا من منظور روسيا، والتي تعتمد على التسويات الدبلوماسية للحرب الأهلية السورية كي تسحب أصولها العسكرية من البلاد مع رفع علامة النصر. إن جلب طيار مقاتل في كفنه للوطن، ومشاهدة مهمتهم التبادلية وهي تتفجر في دمشق ومشاهدة الأوضاع على الأرض حول حلب وهي تتدهور إلى هذا الحد، كل ذلك لم يكن جزءًا من الخطة، وقد يتطلب التزامات روسية جديدة وأكثر محورية لحماية الأسد.
لا يعد ذلك نتيجة نهائية، حيث لا زال يمكن لتركيا أن تنسحب، أو أن تتوصل على الأقل إلى صيغة إذا تم الوصول إلى اتفاقية عملية مع الأسد وإيران حول رسم حدود مؤقتة ترضي مصالح جميع الأطراف. لكن هذا النوع من العمليات العسكرية، التي لا زالت قيد التنفيذ، بدأت تدخل في زخمها الخاص. كل ما يتطلبه الأمر هو سوء حساب جدي من الأطراف الأخرى لهجمة صغيرة، والتحول إلى معركة أكثر أهمية يصعب الفرار منها. كان توقعنا هو أن 2018 لن تكون هي السنة التي ستصطدم بها تركيا وإيران مع بعضهما البعض، لقد توقعنا هذه الشراكة، ولكن من الصعب أن تستمر لنهاية العام. وقد وُضع هذا التوقع الآن موضع الاختبار.