وجه باسم التميمي رسالة إلى طفلته المعتقلة في سجون الاحتلال "الإسرائيلي" عهد التميمي اليوم الأربعاء، في ذكرى ميلادها الـ17 في موقف مؤثر ومؤلم.
واعتقلت عهد في ساعة متأخرة بتاريخ (18- ديسمبر- 2017) عندما اقتحمت منزلها أكثر من عشرين دورية "إسرائيلية" في قرية النبي صالح قرب مدينة رام الله المحتلة لاعتقالها.
نص الرسالة كالتالي:
لأتمكن من الكتابة إليك - في لحظة كهذه - لم اجد امامي سبيلاً سوى النوم في سريرك العابق برائحتك.
غفوت؛ ففاضت الروح بشحنة العطاء، كيف لا وانت من قال لهذي الارض : إحتدّي اعصاراً.. إمتدّي بركان.
فيا ابنتي -الجريئة، الجميلة، المنطلقة، الخجوله، التي يليق بها النصر والفرح- اعتذر منك؛ لانني لم استطع ان احمي قبضتك الغضّه من قساوة وجه الاحتلال القبيح، وتركت لك برتقال يافا الحزين في قشوره ينتظر، وانت هناك في المكان المثقل بالحديد ورتابة الوقت وانعدام الحرية والحب وكل يقين.
هناك في زنزانة على شاطئ بحرنا على اطلال قريه مدمرة مهجرة تسمى ام خالد في طريق العودة الى حيفا أراني احمل اشواقي وانادي من خلف تلك الاسوار: عهد ... عهد... ياعهد
يا إبنتي يا نسغ الروح :
كل عام وانت على حق ..
كل عام وانت اقوى واصلب..
في ميلادالابناء،
يرتّب الابآء امسية العيد بما يليق بهم ، ويأخذهم الى الفرح ..
قبل قليل نهضت من صحوتي، بعد ان عاندني النوم، لاستقبل نهار جديد من نهارات الحياة المتعاقبة، بيد ان هذا النهار مختلف عما سواه؛ ففيه ذكرى ميلادك، وأي ذكرى هذه التي تأتيني وانت "البعيدة عني اكثر مما احتمل ..القريبة مني اكثر مما تتوقعين ".
اليوم يا صغيرتي تكبرين عام في هوى وطنك.
عام سيكون مساؤه على خلاف مساءات مضت احتفلنا فيها بعيدك.
مساء الزنزانة ليس كمساء البيت.
ولمة العائلة هنا ليست كالوحدة هناك.
ويدي التي كانت تمسح شعرك الذهبي، وتأخذك بحنان العمر بعد إطفاء الشمع، كيف لها ان تحتضنك وباب الفولاذ يصد لهفتها الجامحة.
لا بأس يا صغيرتي سنفرح كما كنّا نفرح كعائلة.
انا واخوتك سنقف امام الباب نعلي الصوت،ننشد ونغني ونهتف لك ولأمك وكل الاحرار ..
وانت وامك من خلف الباب ستشاركننا، وتطرقن الجدران بقوة ..
سنحتفل يا صغيرتي بعيد ميلادك هذا المساء على طريقة حبنا للحياة ، ولكن حتى يأتي المساء وتعد أمك واخواتك ما يتوفر من طقوس الفرح في زنزانة ضيقه، أريدك ان تحتملي قليلا ؛فأنا اعلم ان الجنود بعد منتصف الليل جاؤوا لزنزانتك، قيدوك واقتادوك في رحلة عذاب حتى تمثلين امام قاضي عدالتهم المزعومة، ولا أدري ان كنت قد تمكنت من إرتداء بعض الملابس الثقيلة علها تمنحك بعض الدفء؛ فالجو بارد، وصفيح البوسطة بارد، وجدران غرفة الانتظار باردة..
مع هذا لا بأس ؛فروحك الدافئة قادرة على الإحتمال،وستكونين بخير لأنها بخير ..
محكمتهم يا صغيرتي لن تمنحنا اليوم - ككل يوم - العدالة المشتهاة لأنها تشكلت خارج النص الإنساني، ووجدت كتعبير واضح من تعبيرات هذا الاحتلال الظالم على ارضنا، وفي سمائنا وتفاصيل حياتنا ؛ فالاحتلال وكل قيم الانسانية لا يلتقيان ابداً في منطق الحياة ..
هذه الانسانية المبدعة ترسم ملامح الحياة بسحر ريشتها لتعطيها كل اسرار الجمال ،أما الاحتلال فهو القبيح الذي جاء ليشوه الملمح الجميل ويعيث فيه الخراب ...
ان الإنسان الحر -يا إبنتي - لا ينشغل كثيراً بنفسه ؛فإسمه ليس علامة فارقه إلا بقدر ارتباطه بفعل خلّاق،ينقله من مصاف التعرفة في شهادة ميلاد، الى معنى وقيمة ونموذج في وعي الدنيا، والضمير الجمعي للناس ، وانت كذلك ..
واليوم تنعقد محكمتهم في يوم ميلادك لتحاكم هذا المعنى فيك ، مستغله دخولك العام السابع عشر من العمر لتثير جدلاً قانونياً حول طفولتك ؛هل شبّت عن الطوق وغادرته؟
أم مازال في بستانها بعض وقت ليلهو الفراش البريء فيه؟ ..
ويتسنّى لفقهاء اللاقانون عندهم إصدار فتواهم حول صفعتك المشروعة لوجه مؤسستهم العسكرية الخارجه عن القانون والانسانية والضمير ..
ويا ابنتي الملاك :
لا تنشغلي كثيرا ً في بعض مقولات العبثيين العابثين من تجار سياسة ودين ..
فالمتدينين الذي انشغلوا بغطاء رأسك ليلعنوا نضالاتك لان فيها
شبهة السفور ..
أو المأدلجين ، الذين لا يعترفون بالاخر الا اذا أصبح تابعاً تبعاً ودان بالولاء الفكري لهم ...
او للمترددين ،المرتعشين ،الذين يَرَوْن في ثقافة الاشتباك ، واستمرار الهجوم من قبل المخلصين والشجعان تعرية لهم ؛ كلهم من (متدين ومتأدلج ومتحزب ومتردد مرتعش ) حينما بدت لهم عوراتهم من وضوح فعلك ،راحوا يخصفون عليها من رديء الكلام ويتخذونها أردية يتواروا خلفها ..
هذا باطلهم وبهتانهم وزيفهم يا ابنتي وانت اليوم أمامهم -كما الامس والغد- ،كنت على حق وستظلين ..
على حق لان تربيتك جاءت منسجمة مع إرث وتاريخ ..
على حق ، لان عمرك نبت في آتون الاشتباك..
على حق ؛لان صفعتك لعسكريتهم المتعطشة للدم اصابت مقتل عنجهيتهم وبدعة رمزيتهم..
على حق لانك تمثلين الحقيقة ، حقيقتنا الدينية والتاريخية والواقعية لوجودنا على هذه الارض ،وهم يمثلون زيف الخرافة التوراتيه..
على حق ،لانك حملتِ رسالة جيل ، لن يسقط الراية ،وسيستمر في الهجوم ..
على حق ، لانك ما انحزت الا لشعبك ولقضية وطنك ؛فأنتميت لفلسطين ولا شيء سوى فلسطين ..
على حق ، لانك الان واقفة في النقطة الأكثر و ضوحاً (محراب الزنزانة) ؛ فقدر الاحرار في هذا الزمان أن يرتقوا شهداء ،او ان يقبعوا اسرى في المِحْراب ..
على حق ،لانك النموذج المقاوم الذي يجمع عليه احرار هذه المعمورة..
فلا تقنطي صغيرتي ، حريتك قادمة ،والمحتل الى زوال وتلك القلة من المدّعين المزاودين المرتعشين ، لن تحصد غير الخيبة ولعنة التاريخ ..
بعد عودتي من المحكمة سأدخل غرفتك ومعي اخوتك وكل محبيك لنشعل شمعة الميلاد ، مستشعرين حضورك البهي ،هاتفين:
انت العهد ،وانت المجد..
شامخة كزيتون الارض..
أمك بانتظارك هناك ؛ فإن ادركتيها قبل ان ينقضي الليل فعانقيها ومارسن طقوس الفرح بمولدك؛ وإن طلع عليك الفجر وانت في بوسطة القهر؛ فلا تكترثي، تربعي على صهوة الامل و لا تلتفتي للخديعة والسراب ونصح القلوب الواجفه ،
فقط ارقبي الفجر من الكوّة الصغيرة ووزّعي له ابتساماتك فهي جسر عبورنا نحو الامل.
وكل عام وانت على حق ..
والدك المحب .