في خطابه المشؤوم أمام الكنيست الاسرائيلي، تعهد نائب الرئيس الأمريكي "مايك بينس" بافتتاح السفارة الأمريكية بالقدس قبل نهاية العام المقبل، قائلا فيه: (الرئيس دونالد ترامب صنع التاريخ وصحح خطأ استمر 70 عاماً باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل)، مُدعياً أن (إعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل خطوة تساعد في تحقيق السلام)، هذا بالاضافة الى جُملة من المواقف والمفاهيم المنحازة بشكل مطلق لدولة الاحتلال وللظلم التاريخي الذي حل بالشعب الفلسطيني. تؤكد الوزارة أن خطاب نائب الرئيس الأمريكي، هو خطاب تبشيري يخرج من واعظ دين مرتبط ارتباطاً وثيقا بالصهيونية ومتشرباً لمفاهيم عقائدية مليئة بالعنصرية والكراهية للآخرين. وترى الوزارة أن "بينس" يُمثل المسيحية الصهيونية والكنيسة الافنجيليكية التبشيرية التي تؤمن بعودة المسيح، وتعتقد أن عودته لن تتحقق قبل وجوب سيطرة وتسيّد دولة اسرائيل، وأن تكون القدس عاصمة لها. إن هذا المنطق المسياني التبشيري هو الذي وقف خلف قرار الرئيس ترامب الإعتراف بالقدس كعاصمة لدولة اسرائيل، لإعتقاد التيار المسيحي المحافظ الذي يمثله "بينس" بأن ذلك سوف يُسرع في عودة المسيح.
وما دامت هذه قناعة "بينس" الدينية وهو الذي يُعرف نفسه على أنه شخص مسيحي محافظ ينتمي الى التيار الأكثر يمينية في الحزب الجمهوري، فهو يعتقد أنه بهذا الإعتراف قد خدم رسالته الدينية وقناعته، وما دام هذا الشخص جزءاً من صانعي القرار في البيت الأبيض، فسوف يواصل تثبيت أركان هذه القناعات الدينية المتزمتة المرتبطة بتفوق إسرائيل وهيمنتها على المنطقة بما فيها السيطرة المطلقة على مدينة القدس. إذا، مشكلتنا ليست في أن الرئيس الأمريكي ترامب قد أخذ قراراً سياسياً فحسب، إنما من يمثل حلقة صنع القرار الضيقة في البيت الابيض المكونة من عناصر تنتمي للتيار المسيحي الصهيوني، وعناصر يهودية مناصرة لتوجهات اليمين المتطرف في اسرائيل وداعمة للحركة الاستيطانية الاستعمارية، وعليه يُمثل قرار ترامب الأخير نتاجاً طبيعياً لهذا الضغط الصهيوني ببعده المسيحي، أو ببعده اليهودي. فالمشكلة هنا تتركز في التلاقي بين مكونات هذه الحلقة الضيقة وتشكيلة هذه الإدارة وعلاقاتها بالأرض المقدسة التي هي أرض دولة فلسطين، نافية وجود الآخر، أي الفلسطيني، لأنها لا تراه ضمن هذه الرؤية الصهيونية التبشيرية المسيحية، كما أنها لا تراه ضمن الرؤية الصهيونية اليهودية الإستيطانية الإستعمارية.