هل يصبح الخليج بديلا عن مصر بؤرة للعرب؟” د. حسن حنفي

الخميس 28 ديسمبر 2017 05:50 م / بتوقيت القدس +2GMT
هل يصبح الخليج بديلا عن مصر بؤرة للعرب؟” د. حسن حنفي



القاهرة / المصري اليوم/

“  “يشتد حزن العربى القومى عندما يرى أن الخليج قد حل محل مصر التقليدى بؤرة للعرب. وفى إحدى الصور المشهورة، يجلس الملك فاروق بطربوشه على كرسى، ويلتف حوله الأمراء العرب بجلابيبهم البيضاء كالمركز والدائرة. وهو ما يعبر عن الصلة بين المركز والأطراف، بين مصر والعرب. كانت مصر دولة، والخليج مجرد عائلات وقبائل لم تتحول بعد إلى دول أو اتحاد. وكانت مركزا للعلم والثقافة والفن. يأتيها كل كاتب وفنان. ويبرز موهبته فيها. كانت مصر دولة يُقدر عمرها بآلاف السنين، ومدن الخليج مجرد تجمعات عمرانية حول النفط الذى اكتشف حديثا”.
وتابع حنفي: “كانت مصر دائما مركزا لحركات التحرر الأفريقية. وكان موقعها بين أفريقيا وآسيا، تربط بين شرق الوطن العربى ومغربه، وقريبة من البحر الأبيض المتوسط. فمن يحكم مصر يحكم العالم، كما قال ليبنتز فى مشروعه لغزو مصر الذى قدمه إلى لويس ملك فرنسا. مصر القلب والخليج الجناح. ودون القلب لا يستطيع الجناح أن يطير. ودون الجناح يظل القلب نابضا فى مكانه لا يتحرك. ومصر صاحبة مبادرات الحرب والسلام التى انتهت بالهزيمة فى 1948 وفى 1967، وبالنصر فى 1973. ثم بدأت مصر مبادرات السلام بزيارة الرئيس السادات إلى القدس فى 1977، وباتفاقية كامب ديفيد فى 1978 وبمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل فى 1979. وما قامت به مصر علنا ونالت جزاء المقاطعة، ونقل مقر الجامعة العربية من القاهرة يقوم به الخليج الآن سرا ولا يعترض أحد. وعادت الجامعة العربية من جديد إلى مصر. ولعبت الدور الأكبر فى المصالحة الفلسطينية بين فرقاء الكفاح دون أن تأخذ طرفا دون طرف.” .
وتابع حنفي: “وعندما دارت الدائرة على مصر، وخرجت من مركز الثقل العربى بعد غزو أمريكا للعراق، وضرب روسيا لسوريا، وعُقدت المؤتمرات من أجل حل القضية السورية بين روسيا وأمريكا وتركيا وإيران مع استبعاد مصر، ودخلت مصر عضوا فى قوات التحالف العربى بطيرانها، أصبحت مقودة لا قائدة. وعندما تم حصار قطر كانت الأولوية للسعودية والإمارات والبحرين. وجاءت مصر فى المؤخرة حتى إن البعض يتساءل: وما دخل مصر فى الخليج؟ ولم تستطع مصر حتى الآن إتمام المصالحة بين الأطراف المتنازعة فى ليبيا. وأخذت صف طرف دون طرف آخر. وضرب الطيران المصرى درنة فى الجنوب. فأصاب المدنيين أكثر مما أصاب داعش. وعادتها السودان. واتهمتها بتسليح المعارضة فى كردفان وجنوب السودان. ونشب القتال فى سيناء والواحات. ووقعت التفجيرات فى الوادى. ومدت مصر يدها شرقا وغربا طلبا للعون من القوى الكبرى والصغرى والبنوك الدولية. وارتفعت الأسعار. وعانى المصريون. حولت القوى الكبرى، روسيا وأمريكا، اهتمامها بالشرق الأوسط من مصر إلى الخليج. فلديه المال النفطى. وهو مستعد للدخول فى صفقات مالية وتجارية حتى على حساب قضية فلسطين. وهى التى تحيط بإيران. وتعادى حزب الله. فيمكن لأمريكا حينئذ أن تقوم بتقليم أظافر إيران وحزب الله فى لبنان، والحوثيين فى اليمن عن طريق وكلائها فى المنطقة، دول الخليج. وتدير الحرب وتوجه المعارك عن بعد. ولا يستطيع مركز الثقل القديم، مصر، أن يعترض نظرا لاعتماده على الخليج فى استثماراته وأمواله. والعمالة المصرية رهينة فى حالة الاعتراض من مصر.” .
صفقة القرن
وتابع حنفي: “وهى قادرة على المقايضة، كما فعلت فى اتفاقية رسم الحدود، وكما يُخطط الآن لتنفيذ صفقة القرن. وإنشاء الدولة الفلسطينية امتدادا لجنوب غزة فى سيناء فى مقابل تعميرها وتشجيرها وتصنيعها والقضاء على الإرهاب فيها حتى تتسع لخمسة ملايين مواطن. هم عدد الفلسطينيين فى الضفة والمخيمات. ويكون الطيران مباشرا بين الرياض وتل أبيب، كما أراد ترامب. وكما تنتهى مأساة اليهود على حساب الفلسطينيين، تنتهى مأساة الفلسطينيين على حساب المصريين. فكلهم عرب. ومعظمهم مسلمون لا يعرفون الحدود فيما بينهم. فلسطين أرض المعاد عند اليهود، أما عند المسلمين «فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ»”.
واختتم قائلا: “لم تعد مصر قادرة على أن تكون مركزا للعرب بعد قص ريشها. فأصبحت غير قادرة على الحركة. مصر تاريخها وليس حاضرها. ومستقبلها مجهول. أما الخليج فحاضره ومستقبله وإن لم يكن له تاريخ، والقوى الكبرى تريد من أمامها دفاعا عن مصالحها ولا يهمها إذا كانت ثروته ستنضب فى أقل من خمسين عاما. فالنفط يحتاج إلى مليارات من السنين كى يتراكم من جديد فى باطن الأرض. مصر دولة لها تاريخ. وليست نظامها السياسى المتغير. فى حين أن الخليج نظام سياسى اقتصادى لا يقوم على دولة عبر التاريخ. الحكم زائل والتاريخ يتراكم. تحتاج إلى الاعتماد على النفس وليس على الغير. تحتاج إلى قائد مثل صلاح الدين ومحمد على وناصر كما قال ابن خلدون: لا يفلح العرب إلا بنبوة أو ولاية. ولما انتهت النبوات فلم يبق إلا الولايات، ليست الصوفية بل السياسية. فالروح فى التاريخ. والتاريخ فى الروح”.

المصري اليوم