دول عربية في 2017 ... حلقة جديدة في مسلسل صراعات النفوذ والحروب بالوكالة

الثلاثاء 26 ديسمبر 2017 11:19 ص / بتوقيت القدس +2GMT
 دول عربية في 2017 ... حلقة جديدة في مسلسل صراعات النفوذ والحروب بالوكالة



القاهرة /وكالات/

 يمكن القول بوضوح أن عام 2017 شكل  فصلا جديدا وقد يكون متطابقا من مسلسل لا تبدو له نهاية قريبة من صراعات  النفوذ والحروب بالوكالة في عدد من الدول العربية، وهي التي قادت منذ  سنوات إلى انقسامات أصبح فيها للأسف من ليس من معك فهو ضدك.

  وكما شهد العام الجاري استمرارا لضغوط "تكسير العظام" في كل من سورية  واليمن ولبنان، شهد محاولات جدية من العراق، الذي لطالما عانى من التدخل  في شؤونه، للبناء على الانتصارات والنأي بالنفس عن التشابكات المحيطة  ومن ثم بناء علاقات أكثر استقلالية وتنوعا.

  وفي الواقع هناك أكثر من وجه لصراعات النفوذ في المنطقة، فهناك مثلا   الصراع التقليدي البارد متعدد الساحات بين روسيا والولايات المتحدة  وهناك السعي الدائم للأكراد لفرض وجود لهم في المنطقة، ولكن الأكثر وطأة  في المنطقة هو ذلك  الصراع القائم بصورة قوية بين المملكة العربية  السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.

  وظلت سورية في 2017، كما كانت منذ نحو سبع سنوات، أرضا لمختلف  أيدولوجيات واتجاهات حروب الوكالة. لكن يبدو أن الوضع يمضي قدما باتجاه  "استقرار على صفيح ساخن" في ظل انحسار التنظيمات شديدة التطرف واتساع  مناطق خفض التصعيد.

  وفي ظل ما حققته القوات الحكومية من انتصارات، بدعم حلفائها الإيرانيين  والروس، أبدت دول أبرزها فرنسا وتركيا استعدادا للتحدث أو القبول بوجود  نظام الرئيس السوري بشار الأسد. كما أعطى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين  أوامره ببدء سحب القسم الأكبر من قواته من سورية إيذانا ببدء استقرار  الوضع.

  وبدا أن بوتين هو الفائز الأبرز في الحرب السورية، فقد نجح عبر مساراته  الدبلوماسية والعسكرية ليس فقط في الإبقاء على حليفه وإنما أيضا توسيع  نفوذه. باختصار، لقد نجح الرجل في تحقيق نصر متصور على الولايات المتحدة  وحلفائها، وهو أمر أكسبه احترام مواطنيه وخوف خصومه، وسيخدمه دون شك في  الانتخابات المقررة العام القادم.

  الأكراد أيضا خرجوا منتصرين من الحرب في سورية، فقد زاد نفوذهم وأصبحوا  يسيطرون على مناطق كبيرة غنية بالنفط في شمال شرق البلاد. وتعاظمت قوتهم  العسكرية بفضل دعم التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. كما  اتسعت رقعة منطقة "الإدارة الذاتية" التابعة لهم في شمال البلاد واستقر  نظام إدارتها مع استمرار إجراء انتخابات محلية في مختلف البلدات في إطار  عملية من المخطط لها أن تفضي إلى تشكيل برلمان محلي بحلول مطلع العام  القادم. ويبدو أن الأكرد لن يدخروا جهدا من أجل تدعيم سلطتهم حتى يكونوا  قادرين على فرض إرادتهم بإقامة حكم ذاتي معترف به حينما يأتي الوقت  لإجراء مفاوضات للوضع النهائي في سورية.

  ورغم أنه طالما كان ينظر لعلاقة الأسد بالأكراد على أنها علاقة  "اللاحرب"، إلا أنه يبدو أن الأسد اقترب من الفروغ من معاركه مع تنظيمات  مثل داعش وبدأ يتجه بنظره نحو الأكراد الذين انشغل عنهم لسنوات.

  ويبدو أن سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في جعل "أمريكا أولا"  تنسحب أيضا على سورية؛ فأمريكا ترامب تكتفي بدور المراقب في مختلف  المفاوضات الدولية الجارية بشأن سورية. كما يبدو أن دعمها العسكري  المحدود للأكراد ربما يتوقف إن عاجلا أو آجلا، وذلك دون أن يتضح بعد كيف  سيقوم الأكراد برد جميل الولايات المتحدة لهم.

  أما الأتراك فيبدو أن أجندتهم في سورية مستمرة في الاضطراب، فبعدما كانت  تركيا تراهن على سقوط الأسد وتقدم من أجل ذلك كل أشكال الدعم السياسي  والعسكري واللوجيستي للمعارضة الموالية لها، أصبح جل أملها الآن هو ضمان  حصة في الكعكة السورية ووضع حد لنفوذ مسلحي حزب الاتحاد الديمقراطي  الكردي السوري الذي تقول أنقرة إنه الذراع السورية لمنظمة "حزب العمال  الكردستاني" والذي تصنفه أنقرة على أنه منظمة انفصالية إرهابية.

  ورغم تراجع دعم حلفائها لها، لا تزال المعارضة تتطلع إلى حل عادل يليق  ولو بالحد الأدنى بالتضحيات الهائلة التي قدمها الشعب السوري. وقال  المعارض السوري خالد المحاميد، لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)  :"اعتقاد البعض أن الأمر كله متوقف على الحسم العسكري اعتقاد واهم ...  انتصارات الأسد الراهنة وقتية لا استراتيجية ... الوضع المستقر يحتاج  للحل العادل".

  أما العراق، فبدا أنه يسعى جاهدا للخروج من عباءات تشابكات المنطقة  والتبعية لإيران أو حتى الولايات المتحدة، وخاصة في ظل الانتصارات  الكبيرة التي نجح في تحقيقها على تنظيم داعش. ويسعى رئيس الوزراء  العراقي حيدر العبادي المنتصر في الحرب إلى استعادة المكانة التاريخية  لبلاده على الساحة الخارجية. وقد قام بالعديد من الجولات وطرح رؤيةً  عربية لطي صفحة الخلافات والحروب بين دول المنطقة.

  وقد تلاقت رغبة الطرفين السعودي والعراقي لتحسين العلاقات، وكرس هذا  زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى بغداد في شباط/فبراير  الماضي، وزيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى الرياض لاحقا.  وتسلم العراق مؤخرا أوراق اعتماد سفير جديد للسعودية وسط تعهدات بتطوير  العلاقات الثنائية وفتح قنصلية في النجف والبصرة وإنشاء المجلس التنسيقي  التجاري.

  وكانت لبنان ساحة لمواجهة باردة بين السعودية وإيران. فقد أعلن رئيس  الوزراء اللبناني استقالته بصورة مفاجئة في خطاب متلفز من الرياض في  تشرين ثان/نوفمبر الماضي. ورغم أنه سرد عدة أسباب من بينها الإحباط  والتشرذم في بلاده والخوف على حياته من الاستهداف وتدخل حزب الله في  سورية، إلا أنه تراجع بعد أسابيع عن الاستقالة بعدما جدد شركاء الحكومة  ومن بينهم حزب الله المدعوم إيرانيا بالالتزام بسياسة "النأي بالنفس عن  أي نزاعات أو صراعات أو حروب" دون أي إشارة لما إذا كان أصبح فجأة يشعر  بالأمن على حياته.

  ويبدو أن السعودية كانت جاهزة للمزيد من الضغط على حزب الله لتجبره ولو  بشكل محدود على الانكفاء داخليا والكف عن دعم الحوثيين في اليمن، حيث  المعركة الكبرى للسعودية حاليا، إلا أن التدخل المصري والفرنسي نجح على  ما يبدو في التوصل إلى حل لاحتواء أزمة استقالة  الحريري.

  أما يمنيا، فمضت الأمور بوتيرة لم تتغير معظم شهور العام، ولكن فجأة   تسارعت الأحداث بحدوث اشتباكات في قلب صنعاء بين القوات الموالية للرئيس  اليمني الراحل علي عبد الله صالح، والحوثيين الموالين لإيران، وهو ما  جعل التحالف العربي الذي تقوده السعودية يعول في مرحلة ما على أن يكون  الاقتتال أملا في تصفية الصراع من الداخل. إلا أن شعور الحوثيين بوجود  تهديد حقيقي جعلهم يسارعون إلى اغتيال حليفهم اللدود والعمل على تصفية  قيادات حزبه حزب المؤتمر.

  وبينما تقول إيران إن "اليمن سينتصر قريبا"، تقول قوات التحالف إن قوات  الحكومة الشرعية أصبحت الآن تسيطر على 85% من الأراضي اليمنية.

  وبما أن السياسة هي فن اللامتوقع، فقد قدم ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد  العزاء لسفير اليمن في الإمارات سابقا أحمد علي عبدالله صالح نجل صالح  في وفاة والده. وتجدر الإشارة إلى أن صالح الابن موضوع تحت الإقامة  الجبرية في الإمارات منذ بدء عملية التحالف. ولاحقا أجرى ولي العهد  السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل  نهيان محادثات في الرياض مع حزب التجمع اليمني للإصلاح المقرب من جماعة  الإخوان المسلمين والذي كانت أبو ظبي ترفض التعاون معه في اليمن لصلته  بجماعة الإخوان المصنفة إرهابية. كما بدأت السعودية في استقبال أقارب  لصالح، في محاولة واضحة للبناء على العداء لإعطاء العمليات التي تدعمها  في اليمن المزيد من الزخم.

  ولا يخلو الصراع بين السعودية وإيران من إطلاق قذائف كلامية، فقد وصف  ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المرشد الإيراني علي خامنئي  بأنه "هتلر جديد في منطقة الشرق الأوسط ... ولا نريد أن يكرر هتلر إيران  ما حدث في أوروبا هنا في الشرق الأوسط". أما الرئيس الإيراني حسن روحاني  فقال للسعوديين :"من هم أعظم شأنا منكم لم يتمكنوا من المساس بالشعب  الإيراني ... الإدارة الأمريكية الأخيرة تملك مهارة خاصة في نهب جيب  المنطقة لا سيما السعودية".

  وكان ترامب حل ضيفا على الرياض في أيار/مايو الماضي ووقع اتفاقيات  عسكرية بمئات المليارات، كما شارك في قمة عربية إسلامية أمريكية وركز  خطابه فيها على اتهام النظام الإيراني بالمسؤولية عن حالة عدم الاستقرار  في المنطقة.

  ورغم مساعي السعودية الدائمة لعدم السماح لإيران بالانفراد بنفوذ مطلق  في أي اتجاه، إلا أنها لم تتمكن، بحسب المتابعين، من حسم الموقف لصالحها  حتى الآن، إذ يبدو أن الرياض تحتاج إلى المزيد من الدعم وخاصة من الدول  الإقليمية الكبرى في معارك النفوذ المفتوحة مع الجمهورية الإسلامية.