نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" تحقيقا للكاتب أليكس فيشمان استعرض فيه قصة اعتراض سفينة الأسلحة "كارين إيه" التي كانت في طريقها الى غزة، وسحبها الى إسرائيل. تناول الكاتب الكثير من التفاصيل الدقيقة، من قبيل التعاون الأمريكي اللامحدود مع الإسرائيليين منذ مرحلة البحث عن السفينة قبل شرائها، إلى الحصول على مخططاتها من مكان تصنيعها في مدينة "فيغو" الاسبانية وتسليمها إلى الإسرائيليين، حيث تبين أنه تم تصنعها عام 1988. وهو ما مكن الإسرائيليين من دراسة كل جانب من جوانب السفينة والتدرب عليه على متن سفينة مشابهه استأجرها الإسرائيليون خصيصا من أجل التدريب. حتى أنه جاء على لسان قائد العملية قوله بأنهم تمكنوا من معرفة إلى أي اتجاه يفتح كل باب من أبواب السفينة، وفق الكاتب. وغير ذلك من التفاصيل:
بعد شهرين فقط من انتهاء دراستها في كلية ضباط الاستخبارات، وتحديدا في الصيف الملتهب من عام 2001، أصبحت "عَنَات" رئيسا لخلية تعقب في قوات البحرية الإسرائيلية، ووجدت نفسها في خضم عملية محمومة لتعقب سفينة أسلحة ضخمة كانت مرسلة من حزب الله إلى الفلسطينيين.
ومن المعروف أن جزئية التعقب هذه تشكل فقط قسما صغيرا، ولكن هاما، في عمل الاستخبارات البحرية. وفي هذا القسم تحديدا، يقوم الجميع بالتواصل مع الجميع، والجميع يشارك ما لديه من معلومات مع الاخرين حتى دون أن يطلب منه. كل الآراء تفيد وتسهم في بناء المعلومات والتحليلات وبناء الخطط. أما "عَنَات"، فكان دورها في غاية الأهمية، وهو عمل الملخصات، من خلال التعمق في المواد والمعلومات واستخلاص كل البيانات المفيدة، مهما كانت صغيرة. وبهذا، فإن عمل عَنَات، وأمثالها من "باحثي المعلومات" يعتبر مهما إلى الحد الذي ترى فيه إسرائيل أن هذا العمل يضع العالم بين يديها. إن دقة العمل المطلوب من عَنَات والمحللين مثلها لا يمكن تخيلها، فالاستخبارات الإسرائيلية تطلب منهم في الكثير من الأحيان "الدخول إلى رأس العدو"، (أي تقديم تقدير دقيق لما يفكر به العدو، وفق الكاتب. أو على الأقل تقدير طريقة تفكير العدو في وقت معين، وتوقع تصرفه).
وكان الرمز العملياتي للضابطة الشابة هو "المعرفة من ذهب". وقد كانت بالفعل كذلك، وفق الكاتب. حيث أن عملها أفضى قبل (15) عاما إلى الكشف عن سفينة الأسلحة "كارين إيه"، واحتجازها بينما كانت في طريقها من إيران إلى غزة، وعلى متنها (54) طنا من الأسلحة.
وتذكر عَنَات، بأنها كانت على الدوام تقوم بوضع "أجندة" عملها ومخططات تدريبها على شكل رسومات، وبألوان مختلفة، كي تتمكن من تذكر مهام عملها بشكل دقيق، لأنها كانت تعاني من النسيان. وتقول: "وحيث أن مهماتنا كانت عسكرية حساسة، فلم يكن مسموحا لي مجرد النطق بكلمة "نسيت"، وتحت أي ظرف من الظروف. ولهذا فقد اعتدت على استعمال طريقة "رأس السهم"، حيث كنت أرسم لكل مهمة مخطط سهمي، وأقوم بتلوين رأس السهم بلون يعبر عن مدى أهميته. وفي الحقيقة فإن ما كتبته من ملاحظات ومخططات عن "كارين إيه"، خلال أشهر طويلة، يشكل كتابا كبيرا بالفعل. غير أنني لم أكن أعرف، إلى ما قبل تاريخ 15/8/2001، أن كل ذلك العمل يدور حول عملية للاستحواذ على تلك السفينة تحديدا. وقد أدركت حينها فقط أنني كشفت لغزا، واكتشفت أننا كنا نخطط لخوض غمار مغامرة بحرية هائلة. وعرفت أنه ليس الفلسطينيين وحدهم هم من يخطط لتهريب كميات كبيرة من الأسلحة عبر البحر، بل هناك من يقدم لهم مساعدات كبيرة. ولكن ومنذ تاريخ الكشف عن المهمة، لم أكن قادرة على التخلص من مخاوفي بأن حياتنا ستكون معرضة للخطر، وأننا قد نفقد حياتنا عند أيه لحظة من اللحظات".
وتضيف: "في ذلك الصباح، وجدت معلومة هامة جدا ملصقة على أزرار الهاتف. وقد كانت عبارة عن اقتباس هام جدا من محادثة بين مسؤول العمليات في الذراع العسكري لحركة فتح، عادل المغربي، وشخص اخر. كان المغربي يجري تلك المكالمة بينما كان في مصر، حيث كان يقوم بشراء سفينة. على الجانب الاخر من المكالمة كان رجل مهم من منظمة حزب الله، وهو الرجل الذي كان يدير الاتصالات بكاملها مع السلطة الفلسطينية. كان هذان الشخصان من أكثر الشخصيات أهمية حيث لم نتوقف عن تتبع تحركاتهم. فتحركات شخصيات كهذه تجعلنا نفهم نواياهم وكشف ديناميكية تحركاتهم قبل وقوعها. وقد نجحنا في التنصت على اتصالاتهم لأشهر طويلة. فسمعناهم يتحدثون عن الشحنات التي سيتنقلون بها من موقع إلى اخر. ولم نهمل أي حرف أو أية كلمة من معلومة، وجمعناها مع بعضها، وكنا نقيم الأمر بانتظام، ونقرر تصرفنا تجاه كل حالة من حالات الأهداف والشخصيات التي نتعقبها. ولم تكن عملية تتبع الحركة البحرية وتهريب الأسلحة على متن السفن سهلة أبدا، بل في غاية الصعوبة. لأن عملية البحث عن احتماليات التهريب البحري لا يستند على القسم الذي أعمل فيه، بل تقوم به الاستخبارات البحرية. وهي تتبع قسم مكافحة "الإرهاب عبر البحار"، الذي يستقي معلوماته من "قسم النقل البحري الدولي"، الذي يتتبع على مدار الساعة تحركات السفن المشبوهة، التي قد تكون على صلة بعناصر وصفها معادية وفق الكاتب".
ونقلت الضابطة جانبا من تنصتها على مكالمات رجل حزب الله مع محاوره الفلسطيني (أي المغربي)، حيث قال له الفلسطيني: "اشترينا سفينة، واشترينا منزلا وسيارات. بينما كان يقول في كل المرات الأخرى بأنهم استأجروا منزلا، واستأجروا سيارات. أما هذه المرة فقد سمعنا كلمة سفينة لأول مرة". وبالطبع لن يكون الأمر سهلا لعامة الناس أن يفهموا ما يقال في هذه المكالمات الكثيرة. أما نحن ككوادر استخبارات، فقد توجب علينا عدم النوم قبل حل لغز كل كلمة. أما إذا احتوت المكالمة على تواريخ، فالأمر عاجل وطارئ.
لقد اكتشفنا أن كلمة "بيت" كانت ترمز بالنسبة لهم إلى "السفينة"، وأن "السيارات" كانت تعني "قوارب الصيد" التي كان من المفترض أن تأخذ البضائع الإيرانية من سفينة "كارين أيه" عند رسوها في الإسكندرية، وتنقلها إلى ساحل غزة. ويتضح من هذا حجم المحاولات الاحتيالية التي بذلوها لتضليل الاستخبارات الإسرائيلية. بما في ذلك التمويه من خلال التخطيط لركوب وتحريك العديد من السفن في مواقع مختلفة، وأوقات متزامنة. ولم يكن بالإمكان بأي حال من الأحوال أن تؤدي هذه المعلومات إلى مجرد فكرة عملية عسكرية، دون التأكد التام من كل معلومة.
كانت عملية معرفة نقطة انطلاق السفينة هي البداية التي رسمها الإسرائيليون للعملية. وقد استغرقت هذه الخطوة لوحدها مدة أربعة أشهر، وتحديدا من بداية شهر 8/2001 إلى 5/12/2001. كما استغرق الأمر أشهرا أخرى لتحديد موقع رسوها (أي عملية تعقب بعد تحركها من نقطتها التي حددت في 5/12/201). كما أمضينا عدة أشهر أخرى كي نفهم فيما إذا كانت عملية التهريب واسعة النطاق أو محدودة.
لقد هدف هذا التعاون الايراني الفلسطيني ، وفق الكاتب، إلى تسليح القوات الفلسطينية في قطاع غزة، وذلك من أجل فتح جبهة قتالية ثانية ضد إسرائيل. كما هدفت إلى تزويد الفلسطينيين في غزة بصواريخ لاستهداف مدن إسرائيل الجنوبية. ومما زاد حذر إسرائيل وحساسيتها حيال هذه التهديدات، أنها جاءت في ذروة انتفاضة الفلسطينيين الثانية، وفي ذروة موجة من العمليات التفجيرية ، وفق الكاتب، وفي ذروة عمليات تفجير الحافلات. وكان من الممكن أن تؤدي شحنة الأسلحة تلك، لو أفلتت من قبضة إسرائيل، إلى إحداث تحول كبير في القدرات القتالية للقوى الفلسطينية ضد جيش الاحتلال. وكانت ستؤدي إلى إدخال أنواع من الأسلحة الثقيلة إلى حلبة القتال، كما كانت ستؤدي إلى خلق حلف بين ياسر عرفات وإيران.
وفي كتاب "دراما البحر الأحمر"، للعميد المتقاعد "عاموس جيلبوع"، - الذي خدم في استخبارات الجيش الإسرائيلي، وشغل منصب رئيس قسم البحث فيه - وصف جيلبوع بالتفصيل كل الأعمال الاستخبارية، وعمليات التجسس والتعقب، التي بلغت ذروتها بالاستيلاء على "كارين إيه" في شهر 1/2002. وقد استعرض كل مستويات العمل بدءا من المستوى التنفيذي، إلى ضباط الأبحاث المبتدئين، بمن فيهم الضابطة عَنَات، وإلى رئيس الأركان آنذاك، شاؤول موفاز.
يروي الكتاب قصة هذه العملية العسكرية الكبيرة، التي خططت بشكل صحيح من قبل قيادة عسكرية مجربة، وفق مصطلح الكاتب، وقامت بتنفيذها قوات مؤهلة ومدربة تدريبا جيدا. وقد نجحت هذه العملية في تغيير التصور الاستراتيجي للولايات المتحدة وأوروبا حول ياسر عرفات، الذي يعبئ مقاتليه ويحرك العمليات في الانتفاضة الثانية، سواء بشكل مباشر أو من تحت الطاولة. كما بين لهم أهمية عملية "السور الواقي"، التي قامت بها إسرائيل حيث أعادت السيطرة على مدن الضفة الغربية، لوضع حد "للعمليات التفجيرية"، وفق مصطلح الكاتب.
بداية المهمة
بدأت سلسلة الأعمال المتعلقة بالاستيلاء على سفينة "كارين أيه" في شهر أيار من عام 2001، عندما أوقفت البحرية الإسرائيلية قارب الصيد "سانتوريني" الذي كان قد أبحر من لبنان، لتجد على متنه شحنة كبيرة من الأسلحة كانت في طريقها لتغذية الانتفاضة، وفق التقرير.
وقد مكنت التحقيقات في ظروف هذه الحادثة أجهزة الاستخبارات من الحصول على الكثير من المعلومات الاستخبارية القيمة عن البنية التحتية لعمليات التهريب. وتركز اهتمام المحققين على أعضاء هذه الشبكة، فوجدوا أن من أبرز أعضائها مسؤول فلسطيني هو فؤاد الشوبكي، المدير المالي لجهاز الأمن الوطني الفلسطيني. كان الشوبكي بمثابة اليد اليمنى لياسر عرفات، وقد أبرم تلك الصفقة بالنيابة عن عرفات. وكان الشوبكي هو المسؤول الأول عن الشبكة، التي ضمت مسؤولين فلسطينيين اخرين تحت إمرته. مثل: العقيد فتحي الرازم نائب قائد الشرطة البحرية الفلسطينية، وعادل مغربي مسؤول عمليات التهريب في حركة فتح. كما ضمت إلى جانبهم كادر من حزب الله هو الحاج باسم، وبالنيابة عن إيران الرسمية ضمت الشبكة المدعو سعيد أزيدي.
في صيف عام 2001، رصدت الاستخبارات الإسرائيلية لقاء بين شبكة التهريب الفلسطينية من جهة، وعناصر من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله من جهة أخرى. لم تنجح الاستخبارات الإسرائيلية في فك رموز ما دار في ذلك الاجتماع، ولكنها استنتجت بشكل عام أن المجتمعين التقوا على "فكرة تتعلق بتهريب أسلحة"، وفق الكاتب.
قام رئيس الأركان الإسرائيلي حينذاك، شاؤول موفاز، في شهر تموز 2001، بتقديم تقييم للوضع. وقد جاء في تقدير موفاز: "بعد إفشال محاولة تهريب الأسلحة التي حاول الفلسطينيون القيام بها من على ظهر القارب "سانتوريني"، بمساعدة من حزب الله، سيحاول المهربون إعادة الكرة وتهريب كمية أكبر من الأسلحة، ومن خلال سفينة كبيرة، وعلى الأغلب ستتم هذه المحاولة عبر البحر الأحمر، وقد يتم استخدام المجال البحري للسودان واليمن". على الجانب الاخر، أشارت تقارير استخبارية في وقت سابق إلى وجود "جهد تكنولوجي إيراني" مكثف لتطوير حاويات بحرية طوافة. وكان تقدير الاستخبارات الإسرائيلية يشير إلى أنه سيتم "تحويرها" لاحقا لتكون غواصات ترسل إلى حزب الله. غير أنه تبين لها أن ما يجري تصنيعه هو عبارة عن طوافات ومخازن يجري تصميمها خصيصا لتهريب الأسلحة على متن سفينة "كارين أيه".
منذ لحظة إعطاء موفاز تعليماته للتعقب الميداني في البحر، وفرت له وحدة المعلومات (8200) سيلا من المعلومات الهامة، ونقلتها إلى الاستخبارات البحرية. من بين تلك المعلومات أن السلطة الفلسطينية تقوم بضم الكثير من عناصر حركة "فتح" إلى الشرطة البحرية الفلسطينية، مما أوجد انطباعا لدى الوحدة بأن شيئا ما يحدث ويجب تعقبه.
يضيف الكاتب، ومع الوقت، أصبح تقييم الوضع أكثر وضوحا، وأصبحت التقديرات تتحدث عن عملية تهريب بحري كبيرة. حتى أن الاستخبارات الإسرائيلية تمكنت من الكشف عن أسماء البحارة الفلسطينيين الذين سيشاكون في عملية التهريب، بقيادة القبطان عمر عكاوي. وتبين للاستخبارات أنه وبالإضافة إلى البحارة الرئيسيين، الذين كانوا في الواقع ضباطا في الشرطة البحرية الفلسطينية، تم التعاقد مع (8) بحارة مصريين ليكونوا مسؤولين عن تشغيل وتحريك السفينة، كي يتفرغ البحارة الفلسطينيين للعناية بالأسلحة. علما أن البحارة المصريين لم يكن لديهم أدنى فكرة عن مكان الإبحار أو محطة الرسو. غير أنه طلب إليهم التواجد في المياه الإقليمية لليمن (في وقت الإبحار غير المعلن بالطبع).
وفي مرحلة من المراحل، بذل "قسم الشحن الدولي" التابع للاستخبارات البحرية الإسرائيلية جهدا لمحاولة تحديد نوع السفينة المعنية وموقعها. وحيث أنه يتم شراء وتحميل وسفر الآلاف من السفن حول العالم، بعضها مرخصة ومؤمنة ومسجلة، ولكن أغلبها غير مسجل، وربما تتبع شركات وهمية، فقد كان الأمر صعبا. ولأن الاستخبارات لم تكن ترغب باعتراض سفينة غير صحيحة، فقد كان من الأفضل لهم تتبع السفينة من البداية كي يتجنبوا الوقوع في متاهة سفن أخرى قد يستأجرها الفلسطينيون للإبحار في ذات التوقيت من أجل التمويه، وفق التقرير. وانطلاقا من معلومة زودتها لهم الوحدة (8200)، تبين لهم أنه تم رصد مبلغ (800) ألف دولار للشبكة من أجل شراء سفينة. ومن هناك انطلقت الاستخبارات البحرية للبحث عن سفينة من نفس السعر تقريبا. وتمكنت من تحديد نوع السفينة ومكانها، وذلك عن طريق المعلومات التجارية العالمية. فتبين أنه تم بيع السفينة إلى شخص اخر، وتم تغيير اسمها (كان اسمها المُغَنّيَة)، وتم تغيير لونها، واضفاء تغييرات على شكلها، وذلك قبل ثلاثة أشهر فقط (أي قبل ثلاثة أشهر من تحديد هويتها من قبل الوحدة 8200).
لم يكن من الممكن اقتحام "كارين إيه"، والاستيلاء عليها دون التعاون الوثيق بين البحرية الإسرائيلية والاستخبارات البحرية الأمريكية. فقد امتلك الأمريكيون قوات كبيرة منوعة وموزعة في كل أنحاء المنطقة، وخصوصا في مناطق لا تقع ضمن نطاق التصرف العسكري لإسرائيل في ذلك الوقت، وفق التقرير. وعليه، فقد طلبت إسرائيل من الأميركيين ما هو أكثر من كجرد معلومات. فقد طلبت منهم القيام باعتراض "كارين إيه" عند نقطة معينة في المحيط الهندي، أو عند مدخل البحر الأحمر. إلا أن الأمريكيين فضلوا عدم القيام بهذه المهمة، وفق الكاتب. أما على الصعيد الاستخباري، فقد ساهموا بشكل أساسي في إنجاح العمية، من خلال المعلومات الاستخبارية التي قدموها للإسرائيليين، والتي فاقت كل التوقعات، وتجاوزات كل الاتفاقيات القائمة بين البلدين.
وفي بداية شهر كانون الأول 2001، وصلت "كارين إيه" إلى "الخليج الفارسي"، بعد أن توقفت لفترة معينة في السودان. وفي هذه المرحلة وضعت المخابرات الإسرائيلية فرضية (ولكنها كانت خاطئة) بأن السفينة ترسو في ميناء دبي، وتقوم بتحميل معدات عسكرية إيرانية هناك. ولكن الحقيقة كانت أن "كارين إيه" ترسو في جزيرة "كيش"، على الساحل الإيراني.
وبدأت الرحلة
وبمجرد أن تم رفع الحمولة المطلوبة على السفينة، بدأت السفينة بالتحرك نحو قناة السويس ثم البحر الأبيض المتوسط عبر المحيط الهندي. ولم تتمكن إسرائيل من تتبعها وتحديد موقعها طيلة تلك المسافة، بل انها فقدتها لمدة أربعة أيام متواصلة في المحيط الهندي. ولكن الاستخبارات الإسرائيلية كانت على يقين بأنها ستعثر على السفينة، وأنها ستلتقي بها بشكل أو باخر، في الجزء الشمالي من البحر الأحمر، وفق الكاتب.
أما "الفقدان المؤقت" للسفينة في المحيط الهندي، فيرجع وفق تقدير الاستخبارات الإسرائيلية إلى مشكلة في "الاستخبارات التعاقدية"، أي شراء خدمة التعقب من خلال الأقمار الصناعية. فقد كان هناك قيود على تشغيل قمر "أوفيك"، وأمام ذلك الظرف، ولتعويض الرصد الذي كان من المفترض أن يغطيه القمر "أوفيك"، تمت الاستعانة بقمرين مدنيين: الأول هو "قمر مراقبة حركة الملاحة الجوية" التابع لسلسلة أقمار "إيروس". أما القمر الثاني فهو "القمر المدني الأمريكي إيكونوس". ومن ناحية أخرى، قام الأميركيون بتشغيل نظام يشمل أقمار صناعية وطائرات تصوير، أمكنهم من خلاله مسح ومراقبة حركة السفن المارّة في المنطقة بشكل مستمر.
اتخذ قائد البحرية الإسرائيلية قرارا استراتيجيا وهو: التنفيذ الفوري لاتفاق التعاون العسكري والاستخباري بين إسرائيل والولايات المتحدة، طالبا منهم ضم أسطول من البحرية الأمريكية إلى العملية. وقد أثمر ذلك فورا، فبعد يوم واحد من اتخاذ القرار، وصل قائد البحرية الإسرائيلية الجنرال هيزي ماشيتا، ورئيس الاستخبارات البحرية الأمريكية، وممثل عن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي أي إيه)، وممثل ال "سي أي إيه" لدى البنتاجون، والملحق البحري الأمريكي في تل أبيب، العميد بحري ستيفاني - إلى غرفة اجتماعات خاصة بالعملية في مكان ما. وكان هذا التعاون المثمر السريع أفضل تعبير عن العلاقات الشخصية الجيدة التي كانت تربط بين العميد ماشيتا ونظيره الأدميرال ريتشارد بورتيرفيلد، قائد البحرية الأمريكية. كانت تلك العلاقات قد نشأت وتطورت أثناء العمل السابق لماشيتا كملحق بحري لجيش الاحتلال في واشنطن.
وعلى ضوء ذلك، أعطى الأدميرال بورتيرفيلد الضوء الأخضر لرجاله للانخراط في العملية. تعقيبا على هذه الجزئية، يقول ماشيتا: "اعتبارا من تلك اللحظة، انخرط الأمريكيون في العلمية وكأنها عملية أمريكية، فأصدروا الأوامر العملياتية اللازمة، وأخرجوا قواتهم البحرية من أقرب منطقة في خدمة العملية".
ويضيف الكاتب، كان العميد ماشيتا بمثابة القائد العملي ل "الأوركسترا". فقد كان هو المسؤول عن تحديد أولويات العمل، وطرق جمع المعلومات ومصادرها، وإدارة كافة الاتصالات مع مختلف جهات الاستخبارات، الإسرائيلية والأجنبية، التي كانت شريكة في العملية.
، استنادا إلى المعلومات التي حصل عليها، قرر ماشيتا أن أفضل مكان لاعتراض السفينة والاستيلاء هو عرض البحر الأحمر. فقد قدّر أنه إذا وصلت السفينة إلى البحر المتوسط، فيمكن أن تفلت من بين أيديهم، وفق التقرير. ويقول ماشيتا: "كان الأدميرال بورتيرفيلد معي على الخط مباشرة. وكان في معظم الأحيان المصدر الأول لمعلوماتي عن السفينة. فقد كان يتصل بي مباشرة على الهاتف المحول، حتى قبل استلام المادة رسميا من الملحق البحري الأمريكي في تل أبيب".
وأضاف ماشيتا: "لقد ضغطنا على الأمريكيين لتوجيه أقمارهم الصناعية إلى المناطق التي تهمنا في العملية على الأرض. فقد كانت العملية بعد أشهر قليلة من هجمات "11-سبتمبر" في الولايات المتحدة، وقد بذل الأمريكيون جهدا كبيرا في ملاحقة أسامة بن لادن، وفي تتبع حركة السفن في المحيط الهندي عن كثب، وبالتالي كان لديهم كم هائل من المعلومات والصور". ويضيف ماشيتا: "في حقيقة الأمر، الأمريكيون هم الذين وجدوا السفينة لإسرائيل عندما فقدناها في المحيط الهندي. كما قاموا بتحديث بيانات موقعها مرتين إلى ثلاث يوميا".
يقول ماشيتا، تعبيرا عن عمق العلاقات مع الأمريكيين: "في الوقت الذي فقدنا فيه السفينة لمدة (4) أيام بالقرب من ساحل اليمن، ولم نتمكن نحن والأمريكيون من تحديد مكانها في بداية الأمر، سمحت لنفسي بكل سهولة بالتواصل مع الملحق البحري الأمريكي في تل أبيب، العميد بحري ستيفاني. لقد كان لي معها علاقة جيدة بما فيه الكفاية كي أطلب منها بعض الأشياء. فقد كنا نريد توجيه الأقمار الصناعية الأمريكية في اتجاه معين من أجل الحصول على معلومات معينة، وكان لدينا شعور بأن الأمريكيين لم يفعلوا ذلك. أخذت بعض الزهور وتوجهت شخصيا إلى السفارة في تل أبيب وطلبت ما أريد". ويتابع ماشيتا: "كي تعلموا عمق العلاقات الجيدة أود القول إنه وبعد عدة أشهر من اعتراض السفينة، كانت ستيفاني في حالة ولادة، ووضعت طفلا. وقد كنت أنا الكفيل عن ابنها".
يضيف ماشيتا: "مع كل هذا التعاون وعمقه، تولد لدينا شعور بأن الأميركيين لم يعطونا جميع المواد. فعلى سبيل المثال، في بداية التعاون والتخطيط لهذه العملية، لم لتمكنوا من اعطائنا الصور الخاصة بالسفينة ذاتها. وبدلا عن ذلك، أعطونا صورة لسفينة توأم تم تصنيعها في نفس حوض بناء السفن في مدينة فيغو في إسبانيا، قبل أن يزودونا لاحقا بالمخططات التفصيلية الفعلية للسفينة، بعد الحصول عليها من مصادرهم".
ويضيف: "بالعودة إلى موضوع فقدان السفينة لأربعة أيام، فقد وجدها الأمريكيون ترسو في ميناء الحديدة في اليمن، وتأكدوا أنها جُلبت إلى هناك من أجل إجراء تصليحات ميكانيكية. وبعدها تابعت طريقها إلى قناة السويس، وكانت الأسلحة مخبأة تحت بضائع ومستلزمات مدنية. وبتاريخ 17/12/2001، رفع الأمريكيون التزامهم تجاه العملية إلى أقصى حد ممكن، عندما أحضرت ستيفاني إلينا وثيقة موقعة من رؤسائها تفيد بأن البحث "كارين إيه" يعتبر أولوية قصوى لأساطيل البحرية الأمريكية".
ويضيف ماشيتا أن ما فعله الأمريكيون مع إسرائيل لم يكن بمثابة "معروف"، بل كان تنفيذا لاتفاقية تعاون استخباري بين البلدين. ولكن الأمريكيين فعلوا أكثر مما كتب في الأوراق الجافة.
ويقول: "كانت العميد بحري ستيفاني قد جلبت لنا بنفسها مخططات وتصاميم "كارين إيه" من حوض صناعة السفن في مدينة فيغو الإسبانية. وكانت تلك المخططات "بوزن الذهب"، وكانت هذه المعلومات في غاية الأهمية من أجل وضع المخطط العملياتي. فقد عرفنا منها أنه قد تم تصنيع السفينة في العام 1988. ولحسن الحظ، كان عضو "الكوماندوز" البحري الإسرائيلي في ذلك الوقت، الضابط إيتمار، يعرف اللغة الإسبانية. فدرس الرسومات، وسرعان ما قام بترجمتها وعمل ملخص مكننا من معرفة دهاليز السفينة بالتفصيل. وقد كان المخطط لا يقدر بثمن، فعندما صعد جنودنا على ظهر السفينة، كانوا يعرفون كل الأمور بدقة، إلى درجة أنهم عرفوا مسبقا إلى أي اتجاه يفتح كل باب من أبواب السفينة (أي إن كان يفتح إلى اليمين أم إلى اليسار). كل هذا تم من خلال تدريب الجنود على سفينة مطابقة ل "كارين إيه"، استأجرتها البحرية الإسرائيلية خصيصا وتدربت عليها في عمق البحر المفتوح، وفق قائد البحرية الإسرائيلية".
وحول ليلة العملية، تقول الضابطة عَنَات:
"في ليلة 3/1/2002، كنت مع بقية أفراد فريق العملية في غرفة عمليات قوات البحرية الإسرائيلية. تلك الغرفة المزدحمة بالحواسيب، والناس من حولنا. وكان الجميع يؤمن بنا، وكنا في أعلى موقع من مواقع المسؤولية عن العملية. وكنا قد اتفقنا على كلمة واحدة، هي بمثابة الفاصل بين النجاح الكبير أو الفشل الذريع". الكلمة كانت "حلويات"، والمقصود بها الأسلحة التي يفترض أن تكون على متن السفينة، وقد اتفقنا أن نصرخ بكلمة "حلويات" عند رؤية الأسلحة.
وتضيف عنات: "أدرنا العملية من غرفة العمليات، وكنا في اللحظات الحاسمة نسمع المحادثة بين القائد الميداني، العميد شيني، والقيادة في الطائرات التي تحوم في المنطقة، وكان على متنها رئيس الأركان، وقائد سلاح الجو، وقائد البحرية. وقد استغرق الأمر وقتا من لحظة احكام السيطرة عليها من قبل "الكوماندوز"، حتى اللحظة التي سمعت فيها كلمة "حلويات". وكان شعورا أبديا لا ينسى، بعد خوف وترقب رهيب، لأنه كان من الممكن أن تتعرض حياة أناس كثيرين للخطر، فضلا عن الكثير من الموارد التي تم استثمارها وخشينا ضياعها".
وتضيف: "لا يمكن مقارنة لحظات التوتر التي شهدناها ونحن في غرفة العمليات مع لحظات التوتر، وربما الإحباط أحيانا، التي واجهها أفراد السرية (13) التي سيطرت على السفينة. فقد وصلوا إلى المستودع الأول ووجدوه فارغا. ثم فتحوا المستودع الثاني ووجدوه فارغا أيضا. وبمزيد من التوتر وصلوا إلى المستودع الثالث وكان فارغا أيضا. وعندما فتحوا المستودع الرابع، وجدوا فيه جبلا كبيرا من ألعاب الأطفال، والأثاث المنزلي، وأكياس الأرز. ولم يكن بالإمكان رؤية أية قطعة سلاح. إلى أن جاء دور أفراد جهاز "الشين بيت" الذين كانوا على متن السفينة. فقد تقدموا مباشرة بعد قوة "الكوماندوز" التي سيطرت على السفينة، وبدأوا باستخلاص المعلومات من الطاقم. ومن ثم وجدوا ما يريدون، فعادوا إلى المخزن الرابع. وتحت الأكوام بدأت "الحلويات" بالظهور. وفي المحصلة، كان هناك (54) طنا من الأسلحة المتنوعة: متفجرات، وأسلحة خفيفة، وصواريخ، وقذائف هاون، وصواريخ مضادة للدبابات، وقذائف (ار بي جي)، فضلا عن الكثير من معدات الغوص".
ويعود ماشيتا إلى القول: "في تلك اللحظة كنت أجلس إلى جانب نائب رئيس الأركان آنذاك، موشيه يعلون، في قمرة القيادة في منطقة كيريا. ويجب أن أقول إنه بعد هذه المهمة المعقدة التي قمنا بها على مدار عدة أشهر، لم يكن لدي أدنى شك في أن السفينة تحمل أسلحة، رغم الارتباك الآني الذي أصاب البعض حال صعود الجنود على ظهر السفينة وتفتيش الحاويات الأولى. فقد كنت أدرك أننا أيضا لم نعثر على أسلحة في البداية على ظهر سفينة الصيد "سانتوريني" التي أوقفناها قبل تسعة أشهر من عملية "كارين أيه"، فضلا عن أن طاقم "سانتوريني" أنكر وجود أية أسلحة. ولكن، وعندما بدأ المحققون العمل وتوجيه الأسئلة الصعبة إلى الطاقم، قام القبطان نفسه بتسليم السلاح بسرعة".
ويضيف ماشيتا "هناك درس كبير يجب استخلاصه من تلك العملية، وما يزال صالحا إلى اليوم، وهو إصرار القائد وتقديره للبدائل. فعندما عرض رئيس الأركان شاؤول موفاز خطته العملياتية للاستيلاء على السفينة في عرض البحر الأحمر، كان من بين مهامنا مواجهته بالقيود والمصاعب المتوقعة كي يجيب عنها: فقد سألناه عن التصرف في حال واجهتنا صعوبات تتعلق بالطقس، وعن أية مفاجآت قد تظهر أمامنا على الطريق، وماذا يمكن أن يحدث إذا لم يكن هناك تنسيق مثالي بين القوات في البحر وفي الجو، وما البديل في حال لم يتمكن الجنود من تسلق السفينة بالحبال أو سلالم الحبال؟ وهنا أجاب موفاز: "توقفوا عن هذه الأفكار الآن، وانظروا إلى الهدف. إذا واجهتنا أية مفاجآت، لن نتنازل عن العملية، وسننفذها لاحقا. وفي أسوأ الأحوال، سننتظرها في البحر الأبيض المتوسط، وسنعترضها هناك".
ويقول ماشيتا: "كان رئيس الأركان موفاز، هو العامل المحفز في العملية، وقد كان يدرك الأهمية السياسية العليا لنجاح العملية، وكان مستعدا لتحمل مخاطر كبيرة من أجل الشروع في العملية، وخصوصا بعد أن اكتملت كل الاستعدادات. ولكنه في ذات الوقت لم يكن مستعدا لتنفيذ العملية إذا احتوت على احتمالات عالية من الفشل أو على ضحايا كثيرة غير مبررة في صفوفنا".
يضيف ماشيتا: "في شهر أيار من عام 2010، تم اقتحام سفينة "مافي مرمرة" التركية. وحينها قال قائد البحرية شيني، الذي قاد العملية ضد "مافي مرمرة" شخصيا: "يبدو لي أننا نسينا الكثير من الحكم والنصائح والملاحظات التي وضعها أمامنا موفاز قبل ثماني سنوات".
ويضيف ماشيتا: "والان، وبعد (15) سنة من اعتراض "كارين إيه"، أصبحت عمليات التهريب أكثر تعقيدا، والأسلحة المهربة أكثر فتكا، وصراعنا مع الإيرانيين أكثر كثافة. كما زادت وتيرة التهريب من إيران إلى لبنان عبر سوريا. ولمجابهة كل ذلك، قمنا بتكثيف التعاون مع الولايات المتحدة، وتحسين قدراتنا الاستخبارية، والقدرات القتالية للجيش. كما أن أهداف ومبادئ وأهمية القيام بعملية تكتيكية "ذات آثار استراتيجية" ما تزال قائمة إلى اليوم، وستبقى إلى الأبد. ومرة أخرى، إذا اضطررنا إلى إطلاق عملية مشابهة بهذا الحجم، لا يمكننا القيام بذلك دون التنسيق مع الأمريكيين".
في ليلة السابع من شهر أيلول 2017، تم تدمير أكبر مصنع إيراني للصواريخ في الشرق الأوسط، وكان موجودا على الأراضي السورية بالقرب من مدينة حماة. وكان معروفا بتبعيته لذراع التسليح والتطوير التابع للجيش السوري. غير أنها كانت منشأة إيرانية بكل المقاييس، بما فيها المقاصد والأهداف. وقد كان تدميرها رسالة استراتيجية واضحة تهدف إلى منع أية نوايا أو مخططات إيرانية لإنشاء مصانع مماثلة على الأراضي السورية واللبنانية، وفق الكاتب.
من الواضح أن منطقة الجولان تغلي وتستعر باستمرار. فقد قامت إسرائيل، بتاريخ 19/9/2017، بإسقاط طائرة بدون طيار إيرانية الصنع. من الواضح أن حزب الله كان يشغلها في منطقة المعارك في الجولان السوري. كما شهدت الأشهر القليلة الماضية قتل أكثر من (10) من رجال داعش كانوا قد تمكنوا من الوصول إلى حوض اليرموك.
إن جميع ما ذكر من حوادث يلقي الضوء على "حملة" مكثفة، بدأت قبل بضعة أشهر بالفعل. وقد وضع الشخص الذي يقف وراء هذه الحملة هدفا لها، وهو "وقف التغلغل الإيراني في المنطقة". هي إذا: حرب هجومية، استخبارية، تشمل عمليات سرية، وتعاون مع القوى العظمى، واغتيالات، وتنوع في العمليات، وأنشطة سرية متنوعة، وعمليات من الجو. كما أنها تنطوي على تحمل مخاطر سياسية، مع احتمال نشوب حرب في أية لحظة.
لهذا، وفي كل الأحوال، يضيف الكاتب: ربما سنكون بحاجة لإعادة الكرة، والتزود بنفس الجرأة، ونفس المخاطرة، ونفس العمل الاستخباري، كما فعلنا خلال الاستيلاء على سفينة الأسلحة "كارين أيه".
ترجمة: ناصر العيسة، عن: "يديعوت أحرونوت"