المُتتبع للشأن الإسرائيليّ يُلاحظ بدون جهودٍ كبيرةٍ مدى العلاقة القويّة بين المُستشرقين في تل أبيب وبين دوائر صنع القرار في المؤسستين الأمنيّة والسياسيّة في دولة الاحتلال، وبالتالي فإنّ الـ”تحليلات” التي ينشرونها في وسائل إعلامهم تعتمد على مصادر رفيعة في هذه الأجهزة، ويُمكن اعتبارها بشكلٍ أوْ بآخرٍ، الموقف الرسميّ للحكومة الإسرائيليّة بقيادة بنيامين نتنياهو.
وفي هذا السياق كان لافتًا للغاية ما كتبته مُحلّلة شؤون الشرق الأوسط في صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة، المُستشرقة سمدار بيري، حيث أكّدت على أنّه “أمام أعيننا يتشكّل السلام الجديد”. مُضيفةً أنّه لم يعُد السلام البارد، المتنكر والعدائيّ، بل سلام يستتر في أعلى الأماكن في قيادة السلطة: حاكم مقابل حاكم، كما في حالة مصر، وآلية مقابل آلية، في حالة الأردن.
وشدّدّت على أنّ الرئيس المصريّ السيسي يُعلن من تلقاء نفسه بأنّه يتحدث إلى نتنياهو، وهذا يُلقي بملاحظة حول محادثةٍ مثيرةٍ للاهتمام مع الرئيس المصريّ. وفي حالة الملك الغاضب في الأردن، لم يعد الشارع بحاجة إلى التظاهر ضدّ علامات تدل على العلاقات الطبيعية، فكلّ شيء مخفي، وإسرائيل تتحرك بعيدًا.
الآن، تابعت بيري قائلة، يدخل الشريك الثالث إلى الصورة. وليّ العهد الشاب من المملكة العربيّة السعوديّة، الذي يفرض نظامًا جديدًا، سياسيًا واقتصاديًا وربما اجتماعيًا، وبالنسبة له فإنّ السماء هي الحدود. مَنْ يجب أنْ نصدق: الوزير يوفال شتاينتس، الذي يُدلي بتصريحات حول التعاون والاتصالات السرية، أوْ وزير الخارجية السعوديّ عادل جبير، الذي ينكر بشدة ويصّر على أنّ الأمور لم تحدث أبدًا.
ورأت أنّ هذا يسمح لنا بالتكهن أنّه لو لم تكن هناك اتصالات، لكان الوزير السعوديّ سيسمح لنفسه بأنْ يبقى صامتًا. وأردفت: هناك علامات كثيرة جدًا تتراكم وتؤكّد وجود حوار رفيع المستوى. لافتةً في الوقت عينه إلى أنّ هناك الكثير من المصالح، وعلى رأسها التهديد الإيرانيّ، تربط بين الرياض وتل أبيب تحت البساط.
وقالت أيضًا إنّها على استعداد لتصديق وزير الخارجية السعوديّ، حين يصر على أنّه لم يبدأ بعد في مسار العلاقات المفتوحة، وسيجري الاختبار قريبًا، إذا أصدروا تأشيرات دخول إلى الرياض لفريق الشطرنج الإسرائيليّ، وكيف سيتّم استقباله، إذا تمّ ذلك على الإطلاق.
ووفقًا للمُستشرقة الإسرائيليّة، فإنّ السلام الجديد يرسم حدود معسكر الأخيار ضد معسكر الأشرار في منطقتنا، بين ما أسمته بالمحور الإسلاميّ العربيّ المعتدل” والمحور الإيرانيّ، بعد أنْ استقرّت إيران بالفعل في أربع عواصم: بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت، وزعمت أنّ رجال الحرس الثوريّ لا يخرجون في نزهةٍ سنويّةٍ، لقد جاؤوا للاستيلاء على مواقع.
ورأت أنّه في المحور المعتدل يتعلمون المشي كما على قشور البيض، وإذا اندلعت المواجهة في مكانٍ واحدٍ، فإنّ الحرب المقبلة ستكون أشّد حرب رهيبةً وصعبةً سنعرفها، بأسلحة لم نحلم بها أبدًا، حرب مشبعة بالدم والدمار. هذه الحرب لن تجري بين الدول. بل ستجري داخل المعسكر الإسلاميّ الذي يحاول الجميع الآن صدّه، وستواجه إسرائيل، العالقة في الوسط، صعوبة في الإفلات منها.
ولفتت إلى أنّ شركاء السلام الجدد يتعلّمون معًا قياس أبعاد الصراع المقبل، مُوضحةً أنّه يجب أنْ نُلاحظ التحذيرات من جهة الأمين العام لحزب الله وصفارّات التهدئة التي تخرج من الجانب الإسرائيليّ، مؤكّدةً على أنّه لا أحد يعتزم بدء مغامرة في لبنان ضدّ الإيرانيين ومستودعات الصواريخ التابعة لحزب الله. ولا أحد في الرياض والقاهرة وعمّان سوف يتحمّل مسؤولية اتخاذ الخطوة الأولى ضد إيران، والتي لا يمكن معرفة أين وكيف ستنتهي.
واختتمت قائلةً أمّا السلام، فسيبقى في مكانه الجديد، الخفي، وسيبتعد عن المجال المدنيّ، لأن الزعماء مشغولون، وفق تعبيرها.