كتب المحلل العسكري لصحيفة يديعوت احرونوت العبرية :
المجزرة الدموية في شمال سيناء، والتي قتل فيها أكثر من 300 إنسان وأصيب حوالي 130، نفذت على ما يبدو من قبل "داعش". رغم ان فرع "داعش" في سيناء المسمى "أنصار بيت المقدس" لم يتبنّ بعد المسؤولية عن الواقعة؛ لكن وحسب جميع الدلائل يدور الحديث عن التنظيم المحسوب على الجهاد العالمي في سيناء. من المهم الإشارة إلى هذه النقطة، ذلك ان أحد الأسباب المركزية للهجوم على المسجد في بلدة بير العبد هو سبب ديني - لاهوتي.
هذا المسجد اعتاد ان يصلي فيه بدو ومصريون، ينتسبون إلى التيار الصوفي في الإسلام؛ هذا التيار الذي يتمسك بالتفسير المثالي القائم على أساس البحث عن العدالة الاجتماعية في القرآن والتشريعات الشفهية المرافقة (الحديث). رغم ذلك، فإن التيار السلفي الذي تنتمي إليه "داعش" يزعم بأن جميع التيارات الأخرى كفار في الأساس. يمكن القول بأن السلفيين هم مثل الأرثوذوكس، بينما الصوفيون نوع من الإصلاحيين الذين يتمسكون بالإسلام غير العنيف في جوهره.
مع ذلك، فإن السبب الرئيسي للعملية الدموية كان ان "ولاية سيناء" يُريد ان يثبت وجوده، وأنه رغم الهجمات المتزايدة للقوات الأمنية المصرية فهو ما يزال حي يرزق، بل ويركل. الأهم بالنسبة لـ "داعش" ان يثبت في الأيام التي فقدت فيها مقاطعاتها الجغرافية ومصادر دخلها الاقتصادية في سوريا والعراق أنه ما زال قائمًا كفكرة وكقوة مسلحة بصورة موزعة في كل أنحاء المعمورة، بدءًا من "بوكو حرام" في افريقيا وحتى أبو سياف في الفلبين، وهذا ليس كل شيء؛ فبالإضافة إلى ما سبق ينضم الإرهابيون الأفراد العاملين في أوروبا وأمريكا الشمالية بوحي من رسائل "داعش" المنشورة على الانترنت.
رجال "داعش" في سيناء مهم لهم بشكل خاص أن يثبتوا بأنهم أحياء، ويعملون رغم الهجمات التي ينفذها الجيش المصري بحقهم، ولأن التنظيم تلاحقه اللعنة كما حدث في سوريا والعراق. على خلاف سوريا والعراق، حيث يوجد هناك قوات تعمل ضد "داعش" ولهم استخبارات جيدة، وكذلك لهم جيوش ذات خبرة كبيرة في الحرب غير المتكافئة ضد عصابات المخربين؛ فالجيش المصري لا ينجح في مواجهة تحدي "داعش"؛ رغم انه وحسب مصادر أجنبية فهو يتلقى المساعدات الاستخبارية، وربما التنفيذية أيضًا من الجيش الاسرائيلي. الجيش المصري لم يفلح في نسج قوات مسلحة محلية من البدو في سيناء بهدف محاربة "داعش" كما فعل الأمريكيون والعراقيون والسوريون ضد "داعش" في سوريا والعراق، في سيناء لا يوجد متعاونون شيعة يحاربون "داعش". حاليًا نجح المصريون في إقناع بعض القبائل في شمال سيناء بعدم التعاون مع "داعش"، وسيما من خلال العطايا الاقتصادية ووعود بتحسين الوضع الصناعي في سيناء.
التهميش المصري لسيناء وحرمان مواطنيها، وكذلك الموقف المتعجرف والازدراء من قبل المصريين للبدو، كان هو السبب الرئيسي لدى القبائل البدوية، وسيما جيل الشباب من بينهم لتأييد "داعش"، جيل الآباء البالغين كان أقل حماسًا للتنظيم الإسلامي، لكن الوضع الاقتصادي وقطع الطرق على تهريب المخدرات والعمال الأجانب عن طريق سيناء جعلهم يتعاونون مع التنظيم الإرهابي، المصريون فهموا ذلك، وفي العام المنصرم نجحوا في إقناع عدد من شيوخ القبائل بعدم التعاون مع "داعش".
غالبية سكان بلدة بئر العبد التي استهدفها الهجوم ينتسبون إلى قبيلة تسمى السواركة، أعضاء هذه القبيلة الماكثين في شمال سيناء في منطقة العريش - رفح بالقرب من الحدود مع إسرائيل قرروا مؤخرًا عدم التعاون مع "داعش" لقاء الفوائد الاقتصادية التي وعدتهم بها الحكومة المصرية. وحسب معلومة لم يتم التحقق من صحتها، فقد رفض أعضاء هذه القبيلة - والذين لهم ممثلية أيضًا في إسرائيل - أن يعطوا اللجوء والغطاء لعدد من رجال "داعش" ممّن فروا من القوات الأمنية المصرية التي تطاردهم؛ ولذلك كان لدى "داعش" سبب للانتقام منهم، هذا هو السبب الثالث للهجوم الذي استهدف المسجد المحلي.
وهناك جانب آخر في هجوم أمس: بعد ان فقدت "داعش" مقاطعاتها الجغرافية في سوريا والعراق، لم تعد قادرة على اعتبار نفسها تنظيمًا يقيم الخلافة الإسلامية مجددًا؛ هذه الحقيقة حولت "داعش" إلى تنظيم "جهادي عالمي اعتيادي". دون الخلافة مكونها الجغرافي والأيديولوجي ليس لدى التنظيم أي مكون يميزه عن القاعدة.
وكما هو معروف، "داعش" انسحبت من القاعدة بقيادة أبو بكر البغدادي، وافتخرت بأنها تقيم الخلافة الإسلامية هنا وعلى الفور في المناطق التي حررت من أيدي "الكفار"، لذلك فقد سمت نفسها أيضًا "الدولة الإسلامية"، بينما تفسير كلمة القاعدة هو "القيادة" وليس كيانًا سياديًا. كلا التنظيمين اللذين خرجا من ذات الرحم الجهادي في السعودية وأفغانستان يتنافسان الآن على النفوذ والثراء وتسخير القوى البشرية والأموال على الساحة الدولية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. "ولاية سيناء" خاصة "داعش" بفعلتها الشائنة الدموية تخدم ليس فقط أهدافها المحلية؛ وإنما أهداف "داعش" الاستراتيجية التي تقاتل من أجل بقائها، والمضطرة الآن إلى منافسة القاعدة.
لكن السؤال الأكثر إقلاقًا: لماذا لا يستطيع الجيش المصري مواجهة وكيلة "داعش" في سيناء؟ السبب الأول هو في الظاهر غياب الاستخبارات، وسيما المعلومات بشأن الأهداف الدقيقة التي تمكن سلاح الجو المصري من قصف نشطاء التنظيم من دون إصابة السكان المحليين، في غياب المعلومات الجيدة عن الأهداف تصيب طائرات ومروحيات الجيش المصري وطائراته غير المأهولة أيضًا السكان المدنيين عندما تهاجم أهداف "داعش"، السكان المدنيين والذين هم في الغلب ابناء قبائل بدوية يذوقون الان الامرين لذلك فهم يساعدون داعش ويسمحوا لهم من الاختباء بينهم والانطلاق من بينهم إلى العمليات الهجومية والعودة وهكذا دواليك.
السبب الثاني هو كما يبدو تعاطي القوات الأمنية المصرية مع السكان البدو في سيناء عمومًا، وهو في الظاهر عامل سلبي يسمح لـ "داعش" بأن يختفي ويظهر من داخل القبائل البدوية من وسط وغرب سيناء دون أي ازعاج. سبب ثالث وهو أساليب القتال التي يمارسها الجيش المصري، والتي تناسب قتال جيش نظامي ولا تناسب المطاردة الموضعية للإرهابيين ومحاربي العصابات الذين يختبئون في المغارات والأنفاق تحت الأرض ويظهرون لفترات زمنية قصيرة ويعودون للاختفاء. حرب كهذه تستلزم ليس فقط معلومات استخباراتية دقيقة وغزيرة؛ إنما تستلزم أيضًا أساليب قتال تختلف عن تلك التي تميز الجيش النظامي التقليدي الذي يقاتل جيشًا نظاميًا آخر.
للأسف الشديد، حتى العملية التي أعلن عنها الرئيس السيسي كرد على العملية في المسجد لن تحسن الوضع كثيرًا، وإنما فقط ستصعد أكثر ضد السكان البدو وتدفعهم إلى أحضان نشطاء "داعش" في سيناء. رغم ذلك يحتمل ان تنظيم حماس الذي قرر مؤخرا استراتيجية للتعاون مع مصر سيتجند الآن لمساعدة السيسي ورجاله، ما تزال اللعبة مفتوحة لم تحسم.