نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي تحليلا عن سبب البرودة في السلام والتطبيع بين الشعبين الإسرائيلي والمصري، ترجمته الحدث وجاء فيه:
في الذكرى السنوية الأربعين لمبادرة السلام التاريخية للرئيس المصري أنور السادات، من خلال زيارته للقدس، لكن السلام ما زال فاترا والسلام فقط بين الحكومتين المصرية والإسرائيلية، أما الشعبين فلم ينخرطوا عمليا في السلام ولم تتطبع العلاقات بين الإسرائيليين والمصرين على المستوى الشعبي، وتدرس هذه الدراسة الأسباب الكامنة وراء تبلور هذا الشكل البارد من العلاقات بين الطرفين، ومع الرغم من هذا الفتور في العلاقة إلى أن الجيل الشاب في مصر منذ ثورة 25 يناير 2011 منفتح على إسرائيل نسبيا، ولكن تطوير شكل العلاقة يحتاج إلى إعادة تحديث خطة السلام بين الطرفين والقيام بمشاريع رسمية من قبل الطرفين يتم من خلالها إشراك المستوى الشعبي في المشاريع.
في 19 نوفمبر من العام 2017 تكون قد مرت 4 عقود على عمر العلاقة الإسرائيلية المصرية، وما زال من المهم إعادة النظر في إنجازات هذا السلام الذي ما زال باردا، وبتعبير آخر "سلام سلبي"، أما السلام الإيجابي فهو السلام الذي يتضمن مصالحة واسعة وقبول متبادل وتعاون وتنسيق وعلاقات بين الشعوب، وكذلك علاقات إقتصادية ودبلوماسية وثقافية، وفي الحالة المصرية الإسرائيلية فإن السلام ظل رهين علاقات الأمن فقط.
لقد كان واضحا حتى في الأيام الأولى لهذا السلام، أنه من الصعب إيجاد تحول أيديولوجي كبير من الصراع، السادات نفسه في عام 1980 صرّح أن مسألة التعايش والتطبيع الشعبي متروكة للأجيال القادمة ومن الصعب محو المشاعر بسهولة من القلوب، ما يعني أن السادات نفسه لم يكن يطالب المصريين بالتطبيع، مع الرغم أن الإسرائيليين يسعون لهكذا تطوير في العلاقة.
واليوم عندما ننظر "للأجيال المقبلة" التي ذكرها السادات في مقابلته، فإن ما تحدث عنه السادات من أنها قد تصالح وتطبع لم يتحقق بعد، واليوم تبدو هذه الأسئلة عن أسباب عدم التطبيع الشعبي أكثر إلحاحا خاصة في فترة الرئيس عبد الفتاح السيسي، فترة السيسي من أكثر الفترات التي تشهد تنسيقا أمنيا بين البلدين ضد التهديدات في سيناء وكذلك في موضوع قطاع غزة، وأيضا في مجال الإقتصاد خاصة في مجال الطاقة وذلك يعد اكتشاف الغاز في شرق البحر المتوسط، ولكن الخلل في التطبيع أنه لم يتم حتى الآن عملية مأسسة للتطبيع الشعبي.
ومن أهم أسباب برودة هذا السلام أيضا، أنه حتى المؤسسة السياسية في مصر حذرة جدا في بعض جوانب من التطبيع، خاصة في الموضوع الثقافي وهو الجانب المهم في تطوير الأفكار والوعي، وما زالت المؤسسة الرسمية أيضا تراقب وتحذر اتصال الجماعات والأفراد في مصر مع الإسرائيليين، وحتى التجارة والسياحة في ليست منظمة وغير مأطرة.
ولا تزال التمدد الإستيطاني الإسرائيلي، ويعض الحروب التي قامت بها إسرائيل على لبنان وغزة تشكّل إحراجا للحكومة المصرية أمام الرأي العام المصري، فالحكومة المصرية تخشى نفور الرأي العام من تطويد العلاقة مع إسرائيل في ظل الإجراءات ونشاط إسرائيل على الأرض، وبالتالي فإن خطوات المؤسسة الرسمية ستبقى حذرة، ولكن المستوى الشعبي الذي يرى ويلاحظ الفارق بين تقدم الدولتين على كافة المستويات والفارق في الممارسة الديمقراطية بين البلدين قد يندفع في النهاية نحو التطبيع بدون قرار رسمي أو من خلال مؤسسة رسمية.
ومن المهم اليوم التركيز على فئة الشباب ما دون سن الثلاثين لتمرير مشاريع التطبيع الشعبية، خاصة وأن هناك تحولات كثيرة حدثت كسرت حواجز التطبيع نسبيا، كالاتفاق مع الفلسطينيين في أوسلو وأيضا انخراط بعض الدول العربية في سلام مع إسرائيل وهذا ما لم يكن متوفر قبل، ومن المهم دعم الكتاب الليبراليون خاصة والذين لا يعتبرون التطبيع مشكلة، يجب دعمهم في مقابل اليساريين والإسلاميين، ولكن المثير للغرابة أن النظام المصري وهو من وقع على السلام ما زال يسمح بالمعارضين للسلام مهاجمة الكتاب والنخب التي تؤيد التطبيع.
ولكن يبدو أن ثورة 25 يناير وما تلاها من أحداث تخدم مسألة التطبيع بين الشعبين، فهذه الثورات كان أبرز ملامحها في مصر صعود الملحدين ونزع الحجاب وبروز المثليين كجماعة، ويمكن أن يضاف إلى هذه المسائل أيضا انهيار الهوية العربية والإسلامية لصالح الهوية المصرية أو الانسانية، وكذلك الانعتاق من المعاني التقليدية وانهيار الحكم الأبوي وتفشي الجنس، بتعبير آخر فانهيار البنى الاجتماعية والسياسية والدينية يخدم مسألة التطبيع، فجيل الشباب اليوم قد حمل العداء لإسرائيل من خلال آبائهم، واليوم مع زيادة مستوى الليبرالية داخل المجتمع المصري فإن الشباب تحللوا من الكثير من الأفكار المسبقة وأصبحوا يطلعون مباشرة من خلال الإنترنت على المواضيع التي يريدون البحث فيها.
بعد ثورة يناير يبدو ان الشباب المصري أصبح أكثر واقعية، وأصبح ينظر لمصلحة مصر أولا، بعيدا عن الروابط القيمية والقومية العامة، وهذا الأمر انعكس على بعض الكتابات في الصحف، فمثلا كتب محمد الشامي، عضو في حزب الحرية المصري، الذي نشر في يوليو 2014 تحت عنوان "إسرائيل ليست العدو" وهناك الأمثلة الكثيرة على ذلك.
الاحتكار المصري الرسمي للعلاقة مع إسرائيل، هو احتكار ممنهج، فالنظام المصري سياسيا يريد أن يقول للعالم أنه هو القوة الأولى داخل مصر وأنه الوحيد القادر على الحفاظ على عملية السلام، وأن أي بديل قد يشوش المسألة، أما إقتصاديا فإن النظام المصري يريد لمجموعة ضيقة من رجال الأعمال المصريين التعامل مع إسرائيل، ورجال الأعمال هؤلاء تربطهم علاقات قوية بالنظام المصري، لذلك فإن النظام المصري يسمح بالتعرض للمطبعين ومقاومة ظاهرة التطبيع نسبيا، وحتى أنه يحارب كل من يطرح مسألة السلام الشامل الايجابي.
مسائل أخرى تمنع من التطبيع الشعبي، التباين الكبير بين الليبراليين في مصر واليمينية التي تتجه نحوها الحكومة الإسرائيلية، وكذلك القضية الفلسطينية والارتباط الروحي فيها وإن بنسبة أقل وقلت كثيرا ما بعد الربيع العربي، وتعرض المجموعات السلفية لأمن مصر انطلاقا من قطاع غزة.
ومن المهم التأكيد على أن وسائل التواصل الإجتماعي والشبكات الاجتماعية عامل مهم في زيادة توجه الشباب المصري بعد الثورات باتجاه التطبيع.