قال الجنرال في الاحتياط سامي تورجمان، قائد المنطقة الجنوبيّة سابقًا، والذي أدار العدوان على غزّة في صيف العام 2014، إنّه على الرغم من التصريحات القاسية الصادرة عن حركة “الجهاد الإسلامي” في فلسطين أو حكومة “حماس″ في غزة، لم يردّ أي منهما بإطلاق النار على إسرائيل، بعد تفجير النفق قبل ثلاثة أسابيع.
وتابع أنّه في الماضي، كان لا يمكن تصور عدم القيام بعمل مسلح، حيث كانت أحداث من هذا القبيل تتصاعد حتماً إلى عمليات قتالية. لكن، ما الشيء الذي يختلف هذه المرة، وما هي الدروس التي يمكن استخلاصها؟ وردّ بالقول: إن حقيقة قيام إسرائيل بهدم النفق على أراضيها لم تمنع يوماً هذه المنظمات من الادعاء بأن ذلك عمل عدواني. وبعبارة أخرى، لم ينبع قرار عدم إطلاق النار عن أي إدراك بأن تحرّك إسرائيل كان عملاً مشروعاً للدفاع عن النفس. وبالأحرى، دعا كبار مسؤولي “حماس″ مثل إسماعيل هنية علنا إلى الانتقام خلال جنازات الناشطين الذين قتلوا في الانفجار. وبالتالي، فإنّ عدم اتخاذ أي إجراءات لا بدّ أن يكون متأصلاً في عوامل أخرى.
ورأى أنّ هناك أربعة دروس يمكن استخلاصها من الحادثة: أولاً، لم تتمكن “حماس″ من استعادة مكانتها العسكرية والمدنية والسياسية السابقة بعد ثلاث سنوات من “عملية الجرف الصامد”. وفي الماضي، لم يكن مقتل هذا العدد الكبير من المسؤولين البارزين في “حماس″ و”الجهاد الإسلامي في فلسطين” قد حدث من دون استجابة مسلحة فوریة.
ثانياَ، إنّ عملية الهدم تسلّط الضوء على الأهمية المتزايدة للأنفاق في نظر المنظمات “الإرهابية” الفلسطينية. وتشكّل الأنفاق العابرة للحدود من النوع الذي دمّرته إسرائيل في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) عنصراَ حيوياَ في إستراتيجيتها الهجومية ضدّ إسرائيل.
وبينما تغرق غزة أكثر فأكثر في أزمة اقتصادية، تابع الجنرال الإسرائيليّ، فهي تواصل استثمار الجزء الأكبر من مواردها في البنية التحتية تحت الأرض، بإعطائها إياها الأسبقية على جميع الاحتياجات العسكرية والمدنية الأخرى، وفي الوقت نفسه، فإنّ عملية الهدم تُلقي الضوء حالياً على سباق التسلّح العلني الذي قد يتسارع بشكل كبير بين حفّار الأنفاق الفلسطينيين والتدابير الإسرائيلية المضادّة.
ثالثاَ، قال الجنرال في دراسة نشرها مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، قد تدفع عملية الهدم “الإرهابيين” الفلسطينيين إلى معضلة استخدام الأنفاق أو فقدانها، لأن إسرائيل تستطيع كشف الأنفاق وبالتالي قادرة على القضاء على جزء أساسي من إستراتيجيتها العسكرية، وهذا يعني أنه حتى لو لم يكن التيار الرئيسي لـ”حماس″ مهتماَ بالتصعيد في الوقت الراهن، فقد تبادر حركة “الجهاد الإسلامي في فلسطين” أو عناصر راديكالية داخل أي من المنظمتين في مهاجمة إسرائيل عبر الأنفاق على المدى القريب لتحول دون هدر استثمارها الضخم سدى، ومن المرجح، برأيه، أن يكون ضرر مثل هذا الهجوم غير مسبوق في حدّته، ممّا سيقحم إسرائيل في عملية واسعة النطاق داخل غزة.
رابعاَ، وبالرغم من استبعاد المصالحة الفلسطينية الفعلية، إلّا أنّ وجود عملية مصالحة تدريجية بين “حماس″ والسلطة الفلسطينية سيسهم في حفظ الاستقرار، طالما يستمر الوضع على هذا النحو. وفضلاً عن ذلك، ثمّة ما يدعو للاعتقاد بأنّ مصر طلبت من “حماس″ و”الجهاد الإسلامي” عدم الردّ على إسرائيل على أمل الحفاظ على عملية الاستقرار التي عملت كوسيطة فيها منذ البداية. وووفقًا له، قد يكون هذا التوجّه نعمة ونقمة في آنٍ واحد، إذ بمجرد أن تحاول الأطراف التعامل مع قضاياها الجوهرية من الخلاف، قد تقرّر “حماس″ التهرب من التسوية السياسية، من خلال عودتها إلى المواجهة مع إسرائيل.
وأوضح أيضًا أنّ “عملية الجرف الصامد” طرحت مفهوم الردع الإسرائيلي الذي بلغ أعلى مستوياته في غزة، والذي أدّى بدوره إلى فترة طويلة من الهدوء النسبي. وقد استخدمت إسرائيل هذه الثغرة بحكمة، وقامت بتطوير تكنولوجيا جديدة أثبتت فعاليتها في نهاية تشرين الأول (أكتوبر).
وفي الوقت نفسه، تابع الجنرال تورجمان، فإنّ هذا النجاح الإسرائيلي يمكن أنْ يضع المنظمات الإرهابية الفلسطينية في موقف صعب قد يدفعها إلى التصعيد رغم مرحلة الردع ما بعد عام 2014، ورغم الأزمات الداخلية المتزايدة في غزة، ورغم عملية المصالحة الفلسطينية الحساسة، وفي هذا الإطار، خدمت “عملية الجرف الصامد”، بشكلٍ أو بآخر، مصالح إسرائيل من خلال منحها الوقت اللازم لاتخاذ المبادرة للدفاع عن حدودها الجنوبية، على حدّ تعبيره.