قال مسؤول مصري على صلة بملف مكافحة الإرهاب لـ «الحياة»، إن أجهزة الأمن رصدت محاولات جماعات إرهابية نقل مركز عملياتها من شمال سيناء وشمال شرق مصر إلى المنطقة الغربية، مستغلة الطبيعة الجغرافية الوعرة في تلك الصحراء المترامية الأطراف، فضلاً عن متاخمتها الحدود مع ليبيا، التي تعج مناطق عدة فيها بالفوضى التي تتيح لتلك الجماعات تأسيس معسكرات تدريب للمسلحين ونقلهم إلى مصر، فضلاً عن انتشار السلاح في ليبيا.
وأوضح المسؤول المصري أن المنطقة الغربية باتت في «عهدة الجيش»، ووضعت تحت مجهر قيادة مُنسقة بين الأجهزة العسكرية والأمنية، في ما بدا أنه مضاهاة لتشكيل قيادة موحدة لمنطقة شرق قناة السويس إبان اشتعال الهجمات الإرهابية في شمال سيناء. وأحكم الجيش قبضته على معاقل اتخذها لسنوات مسلحون يتبعون تنظيم «داعش» منطلقاً لتنفيذ هجمات في شمال سيناء. وحاصر الجيش قرى جنوب رفح والشيخ زويد، ومزارع غرب العريش لتطويق المسلحين بعد أن قضى على فرص فرارهم إلى وسط سيناء واتخاذ الكهوف في جبل الحلال مأوى لهم.
وآتت تلك الخطة العسكرية ثمارها في الشهور الأخيرة، إذ قلت وتيرة الهجمات التي يشهدها شمال سيناء على نحو ملحوظ، كما فشل المتطرفون في الأسابيع الأخيرة في شن هجمات كُبرى أحبطها الجيش وقتل عشرات المسلحين قبل الشروع في تلك الهجمات. لكن لوحظ أن تلك النجاحات العسكرية والأمنية في شمال سيناء تزامنت مع ارتفاع وتيرة الخطر القادم من المنطقة الغربية، التي كانت مركزاً لهجمات متفرقة على مدى زمني متباعد خلال السنوات التي أعقبت عزل الرئيس السابق محمد مرسي في تموز (يوليو) من العام 2013. وتمكن تنظيم «داعش» من تأسيس خلايا عنقودية تكفيرية تابعة له في الصحراء الغربية يقودها الإرهابي الفار عمرو سعد عباس، ركزت على تنفيذ هجمات ضد «أهداف رخوة» لكنها تُحدث صدى إعلامياً كبيراً، كان أبرزها قتل عشرات المسيحيين في سلسلة هجمات انتحارية ضربت عدة كنائس وزوار دير في الظهير الصحراوي الغربي لمحافظة المنيا.
وتمكنت قوات الشرطة من تفكيك عدة بؤر لتلك الخلايا في الجبل الجنوبي الغربي الذي يشهد في تلك الآونة عمليات دهم واسعة النطاق وتطويقاً لطرق ومدقات جبلية وعرة. وظهر تعاظم الخطر القادم من الغرب مع كشف وجود تنظيم مُسلح تسليحاً ثقيلاً في شمال الصحراء الغربية، وتحديداً في «الواحات البحرية»، ما يعني اقتراب الخطر من محافظات المنطقة المركزية. وقتل المسلحون في تلك البؤرة 16 ضابطاً وجندياً دهموا الموقع، لكن فوجئت القوة الأمنية بحجم التسليح.
وحسب الترجيحات الأمنية فإن هذا التنظيم يتبع حركة «مرابطون» التابعة لـ «القاعدة»، كما قتلت قوات الشرطة قبل يومين 13 مسلحاً اتخذوا من جبال الوادي الجديد في الصحراء الغربية معسكراً للتدريب، يُرجح أنهم تابعون لـ «داعش»، ما يعني أن أكبر تنظيمين إرهابيين، «داعش» و «القاعدة»، قد اتخذا من مناطق عدة في الصحراء الغربية بؤراً للتمركز والاستعداد لتنفيذ هجمات في مصر، التي تترقب انتخابات رئاسية مهمة ستنطلق عملياتها مع بداية العام المقبل.
وجرت مساء أول أول حركة تغييرات أمنية لافتة أطيح فيها بقيادات بارزة في وزارة الداخلية، ظهر من تفاصيلها أنها على صلة بمعركة الواحات، إذ شملت رئيس قطاع الأمن الوطني السابق (المعني بجمع المعلومات عن التنظيمات الإرهابية واختراقها) اللواء محمود شعراوي، الذي عُين مساعداً للوزير لقطاع المنافذ، وخلفه نائبه اللواء محمود توفيق على رأس أبرز جهاز لمكافحة الإرهاب. كما أطيح بمدير أمن الجيزة اللواء هشام العراقي، علماً أن المأمورية الأمنية التي قُتل أغلب ضباطها في «الواحات البحرية» تتبع قطاع الأمن الوطني في الجيزة الذي أطيح أيضاً برئيسه اللواء إبراهيم المصري، إضافة إلى مدير العمليات الخاصة في الأمن المركزي اللواء مجدي أبوالخير، وسقط عدد من ضباط العميات الخاصة في تلك المداهمة.
وقال مسؤول مصري إنه تم رصد «رغبة مُلحة من القوى الإرهابية المُسلحة في التصعيد في المنطقة الغربية. يظهر أن عدة خلايا نجحت في الكمون في الظهير الصحراوي الغربي، بعد تلقي تدريبات متقدمة في ليبيا، ومد تلك الخلايا بأسلحة وذخائر على دفعات استعداداً لتنفيذ هجمات كُبرى… الظهير الصحراوي الجنوبي شهد حملات دهم أسقطت عدداً كبيراً من الخلايا، والآن الخطر موجود في الشمال أيضاً».
وأضاف: «الأحداث الأخيرة في الصحراء الغربية بمثابة جرس إنذار بأن هناك إلحاحاً من قوى متطرفة في ليبيا على التمركز في الصحراء الغربية المصرية، فرغم حملات الدهم والقصف الجوي لأرتال المسلحين المتسللين، التي وصلت إلى حد قصف أكثر من 2000 سيارة دفع رباعي في العامين الأخيرين، هناك بؤر متطرفة منتشرة في الصحراء الغربية وتكرار لمحاولات التسلل».
وأوضح أن المداهمات التي تتم لتلك البؤر تُكبد الجماعات الإرهابية خسائر كبيرة، لكن في النهاية هناك من يفر ويكمن في بؤرة أخرى، ما يشير إلى «مساعدات لوجيستية» تُقدم للمتطرفين، وخطط بديلة مُعدة للفرار، مضيفاً: «نحن أمام موجة من التصعيد في المنطقة الغربية مع الهدوء في الشرق».
وزير الدفاع المصري يؤكد ردع الفوضى على الحدود
حث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قيادات وضباط وجنود الجيش على بذل أقصى جهد لتطوير مستوى أدائهم، في وقت أكد وزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي أن الجيش سيواجه بكل حسم وردع أي محاولات لنشر الفوضى على حدود مصر أو التخريب على أراضيها. وكان السيسي شهد إجراءات تفتيش حرب للفرقة 19 مشاة في الجيش الثالث الميداني في السويس، بحضور رئيس الوزراء شريف إسماعيل، وزير الدفاع رئيس أركان الجيش الفريق محمد فريد حجازي، وعدد من الوزراء وكبار قيادات الجيش.
وقال صبحي في كلمة خلال الفعالية إن الجيش حريص على توفير حياة آمنة على كل أرض سيناء، مضيفاً: «مخطئ من يتغافل عن مخاطر الإرهاب وترويع الآمنين بدعم من قوى إقليمية ودولية تعمل على هدم الدول العربية واستقرارها». وأكد أن الجيش المصري أصبح «قوة عصرية» تتسلح بكل أسباب وعوامل القوة القادرة على الوفاء بمهامها ومسؤوليتها دفاعاً وقتالاً للحفاظ على أرض مصر وسمائها ومياهها الإقليمية وسيادة شعبها على مقدراتها، مشدداً على أن امتلاك مصر قوات مسلحة حديثة وقوية يحقق لها ولأمتها العربية الأمن والاستقرار والسلام.
من جهته، قال قائد الجيش الثالث الميداني اللواء محمد رأفت الدش إن القوات المسلحة مهتمة باتباع المنهج العلمي في بناء المقاتلين، لصنع أجيال جديدة تكون امتداداً للأجيال السابقة، مع الحفاظ على المستوى العالي من الكفاءة والاستعداد.
إلى ذلك، استشهد أمس جنديان وجُرح 10 آخرون إثر انفجار عبوة ناسفة استهدفت آلية أمنية في منطقة الكيلو 17 غرب العريش في شمال سيناء، كما استهدف مسلحون مجهولون أحد التمركزات الأمنية جنوب العريش فردت عليهم القوات بوابل من الطلقات النارية، ما أسفر عن مقتل ثلاثة مسلحين وجرح آخرين. وقال سكان محليون في شمال سيناء إن مسلحين مجهولين أصابوا شاباً بطلق ناري مجهول المصدر في أحد ضواحي مدينة الشيخ زويد في شمال سيناء.
من جهة أخرى، أرجأت محكمة جنايات القاهرة إلى الأربعاء المقبل إعادة محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي وقيادات من جماعة «الإخوان المسلمين»، المصنفة إرهابية في مصر، في قضية اقتحام السجون المصرية واقتحام الحدود والاعتداء على المنشآت الأمنية والشرطية وقتل ضباط شرطة إبان ثورة كانون الثاني (يناير). وجاء قرار التأجيل لاستكمال سماع أقوال شهود الإثبات. وأدلى مدير إدارة الأمن في مصنع أسمدة في أبوزعبل ويُدعى محمد بدوي بشهادته أمس، إذ قال إنه شاهد سيارتين نصف نقل تحملان مجموعة من الملثمين قاموا بإطلاق الأعيرة النارية داخل المصنع في 29 كانون الثاني (يناير) من عام 2011، واقتحموا بوابة المصنع بأسلحتهم النارية، واستولوا على 3 جرافات من المصنع.
وكانت محكمة النقض ألغت في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2016 العقوبات بحق مرسي و 25 من قيادات الإخوان التي تراوحت ما بين الإعدام والسجن المشدد. وأمرت بإعادة محاكمتهم من جديد في القضية.