طالب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، النيابة العامة في غزة بفتح تحقيق جدي حول إصابة طفل بموت سريري في مركز شرطة شمال قطاع غزة.
ووفقا للمركز فانه قام بتقديم طلب للتحقيق في قضية احتجاز الطفل مصطفى فايق سلمان (16 عاما) من سكان بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة داخل مركز الشرطة على خلفية شجار.
وبحسب المركز، فإن الطفل وصل يوم السبت الماضي إلى المستشفى الأندونيسي في حالة موت سريري بعد شهرين من إيقافه داخل نظارة شرطة بيت لاهيا إثر اتهامه بالمشاركة في شجار.
وأدان المركز احتجاز الطفل لأكثر من عشرين يوما، خاصةً وأن المادة (69) من قانون الطفل الفلسطيني تنص على منح الأولوية للوسائل الوقائية والتربوية وتجنب قدر الإمكان الالتجاء إلى التوقيف الاحتياطي والعقوبات السالبة للحرية. معربا عن استغرابه من طول مدة الاحتجاز في قضية عادة ما يتم الحكم فيها بالغرامة فقط.
وبحسب شهادات جمعها المركز من عائلة الطفل فإنه تعرض لإساءة معاملة خلال احتجازه.
وطالب المركز الحقوقي بفتح تحقيق جدي في ذلك، خاصةً وأن هذه المعاملة تتعارض مع المادة (37) من قانون مراكز الإصلاح والتأهيل، وعدم السماح له بقضاء العيد بين ذويه، بالرغم من السماح لجميع المحتجزين تقريباً بذلك.
وأكد المركز على ضرورة تقديم المسؤولين للعدالة، واستنكر ما تعرض له الطفل وأدى به إلى هذه الحالة، وبظروف احتجازه في مكان خاص بالبالغين بدلا من مؤسسة الربيع الخاصة بالأطفال.
وقال شقيق الطفل أنه في صباح يوم 31 أغسطس/ آب 2017 تم التوجه إلى مدير مركز شرطة بيت لاهيا بطلب للسماح لمصطفى بقضاء العيد في المنزل مع الأسرة، إلا ان الطلب قوبل بالرفض، مشيرا إلى أنه سُمح بزيارته في أول أيام العيد، وفي اليوم الثاني صباحا تكررت الزيارة بحضور والدته، ولم يكن محتجزا معه في النظارة إلا موقوف واحد آخر في هذين اليومين.
وخلال الزيارة اشتكى الطفل مصطفى من المعاملة السيئة التي يتلقاها في مركز التوقيف، وكان شديد الحزن لعدم قضائه العيد معنا.
وأشار إلى أنه في حوالي الساعة 4:00 عصراً تلقت العائلة اتصالا هاتفيا أفادونا من خلاله بأن مصطفى دخل في شجار في الحجز وأصيب وانه تم نقله للمستشفى الاندونيسي، وعندما توجهنا الى المستشفى وجدنا مصطفي لا يتحرك وقد وضعوا عليه أجهزة الإنعاش، وعلى جسده أثار جروح قطعية في البطن والكتفين و تورم في العنق.
وذكر أن الشرطة أبلغتهم أنه انتحر باستخدام ملابسه الداخلية (الشباح) في حمام النظارة، وقد تم نقله بعدها إلى مستشفى الشفاء في حالة موت سريري حيث ماتت جميع خلايا الدماغ، كما أبلغتنا المصادر الطبية.
وبالمقابل أفاد مدير النظارة في مركز الشرطة أن عدد الموقوفين داخل النظارة 70 موقوفا وانه تم إعطاء إجازة عيد لـ 55 منهم وتبقى داخل النظارة 25، وقد كان وقت الحادثة داخل الغرفة حيث كان الطفل مصطفى سلمان 8 أشخاص آخرين، وقد توجه الى دورة المياه (الحمام) للاغتسال وكان على باب الحمام موقوف آخر يريد الاغتسال هو الآخر، فطلب منه مصطفي أن يغتسل هو في الأول فوافق، ودخل مصطفى للحمام، وفتح صنبور المياه، وبعد حوالي 10 دقائق افتقده الموقوف الآخر، فقام بالطرق على باب الحمام لكن مصطفى لم يُجبه فقام هو و4 من السجناء بفتح الباب فوجدوا مصطفى معلقا بنافذة الحمام، حيث انه قام بتمزيق ملابسه الداخلية (الشباح) وربطه بالنافذة وقام بتعليق نفسه، وقد قام حارس النظارة بعمل تنفس صناعي له ، ومن ثم تم نقله بسيارة شرطة للمستشفى الإندونيسي.
وقد علق مدير النظارة على احتجاز طفل في مكان مخصص للبالغين بأنه "يملك بطاقة شخصية، وجسده ضخم، فكيف يصنف على أنه طفل" لافتا إلى أن العائلة لم تُقدم طلبا لخروجه في اجازة في العيد كما زعموا، كما لم تقدم ورقة صُلح مع العائلة الأخرى، ولذا فانه لم يطلق سراحه، لأنه لا يوجد ضمانات بعدم الاعتداء عليه من العائلة الأخرى (الطرف الآخر في الشجار الذي احتجز بسببه).
ولن يختلف الحال لو بينت التحقيقات أن الطفل أصيب نتيجة شجار، حيث ان احتجاز طفل بهذا العمر مع بالغين خطرين، كان من المفترض أن يتوقع مدير النظارة نتائجه كما اشار المركز الذي قال انه لا يمكن قبول منطق حجز الطفل في مركز احتجاز لمدة شهرين، ورفض إخراجه بكفالة، بادعاء أن ذلك يهدف حمايته من بطش العائلة الأخرى (الطرف الآخر في الشجار)، معتبرا هذا المنطق مناقضا للعدالة ولقرينة البراءة، وانه يجعل المتهم ضحية لضعف الأمن وعدم قدرته على توفير الحماية للمواطنين.
وطالب المركز بالتحقيق باعتبار مركز الاحتجاز المسؤول الأول عن حياة المساجين وذلك بموجب المادة (7) من قانون رقم (6) لسنة 1998 بشأن مراكز الإصلاح والتأهيل، وضرورة التحقيق في احتجاز طفل خلاقا للقانون، وكذلك في المعاملة السيئة التي تعرض لها الأخير، وظروف وملابسات الحادث الذي أودى به إلى حالة موت سريري.
وعبر المركز عن استنكاره الشديد لاحتجاز طفل داخل النظارة في مخالفة واضحة للقانون، سيما المادة (24) من قانون مراكز الإصلاح والتأهيل، التي أكدت على ضرورة احتجاز الاطفال (دون 18 عاماً) في المؤسسات الخاصة بهم (مؤسسة الربيع).
وشدد المركز على الاحكام الواردة في المادة (20) من قرار بقانون رقم (4) لسنة 2016 والذي أكد على أن يكون احتجاز الحدث (الطفل) على ذمة التحقيق استثناء إذا "كانت ظروف الدعوى تستدعي.. ذلك"، وحينها يجوز "لنيابة الأحداث الأمر بتوقيفه في إحدى دور الرعاية الاجتماعية تحت ملاحظة مرشد حماية الطفولة المتابع وتقديمه عند كل طلب" وأكدت على عدم جواز حجز الحدث على ذمة التحقيق لمدة تتجاوز الحد الأدنى للعقوبة، وأن لا يتم اللجوء للحجز إلا كخيار أخير، وأن تعطى الأولوية لإطلاق الطفل بكفالة، وأن يمنح الإجازات اللازمة وخاصة في الأعياد الرسمية.
ورأى المركز أن الطفل مصطفى قد تعرض لإجحاف خطير بحقوقه كطفل وفق القانون الفلسطيني واتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 الملزمة للسلطة الفلسطينية.
وقال "تبدأ المسؤولية التقصيرية منذ حجز الطفل على ذمة التحقيق بشكل تعسفي لمدة شهرين في مكان غير مخصص للأحداث، ما عرضه للخطر وللمعاملة السيئة، حتى انتهى الأمر بالحادث المأساوي الذي افقده حقه بالحياة، المكفول بالقانون الفلسطيني والمعايير الدولية الملزمة للسلطة الفلسطينية".
وأكد المركز على وجود مؤشرات ودلائل قوية ترجح شبهة الإهمال وخضوع الضحية لمعاملة لاإنسانية، ولذا سوف يتابع المركز عن كثب الإجراءات المتخذة من قبل الجهات المسؤولة لكشف الحقيقة وضمان معاقبة المسؤولين.
وعبر المركز عن قلقه واستغرابه من الروايات المتضاربة التي ساقها مركز التوقيف حول ملابسات إصابة الطفل مصطفى، وتعارض الرواية الرسمية مع حقيقة الجروح والرضوض الموجودة على جسم الضحية، والتي لا يمكن تفسيرها على انها نتاج محاولة انتحار باستخدام ملابسه الداخلية.
وأعرب المركز عن استغرابه الشديد من المعايير التي يتبعها مدير النظارة في تحديد سن الطفولة، والتي تفتقر إلى المهنية وتخالف القانون بشكل واضح، وأن نتائجها أصبحت واضحة بعد أن أقدم الطفل مصطفى على الانتحار (كما تقول رواية الشرطة) نتيجة لظروف احتجازه في مكان لا يتناسب مع عمره العقلي.