أطلق عضو المجلس الوطني الفلسطيني و القيادي في حركة فتح، نبيل عمرو، مبادرة سياسية تتضمن مجموعة من النقاط للخروج من الأزمة السياسية الراهنة التي تمر بها القيادة الفلسطينية.
وتتكون المبادرة التي وجهها ابو عمرو للرئيس عباس من خمس نقاط أساسية.
وفيما يلي نص الرسالة الموجهة للرئيس محمود عباس
السيد الرئيس محمود عباس المحترم
تحية طيبة وبعد
هذه رسالتي لكم شخصيا ولمواقعكم الشرعية، آمل الاهتمام بما فيها فهي نتاج دراسة معمقة لواقعنا، ولسلسلة مشاورات مع عدد من أعضاء المجلس الوطني، والفعاليات السياسية والاجتماعية في الوطن والشتات.
بعد تأكدي من وصولها اليكم سأنشرها كمبادرة باسمي من موقعي كعضو في المجلس الوطني. وفق رؤيتي فلا ينقذ وضعنا الداخلي والعام، الا العودة الى منظمة التحرير، التي يتوجب عقد مجلسها الوطني كي تتجدد شرعية مؤسساتها وقيادتها، وحتى تنطلق من أرضية صلبة الى المرحلة التالية.
ان الإمكانيات الفعلية لعقد المجلس في دورة عادية وبنصاب قانوني، متوفرة بنسبة عالية، وهذا ما يحتاج الى قرار سياسي، وخطوات عملية فورية.
والسلام
نبيل عمرو
السيد الرئيس..
يجافي الحقيقة، من لا يعترف بأن القضية الفلسطينية تمر بأوضاع شديدة التعقيد، وان الشعب الفلسطيني يواجه غموضا في الرؤية والخيارات.
وإذا كان حل القضية الفلسطينية وفق مقاييس الحقوق الثابتة والعدالة، لم يعد متاحا ولا حتى متداولا. وإذا كانت مكانة القضية المركزية قد تغيرت وتراجعت بفعل تغير الواقع العربي والإقليمي والدولي، ونشوء معادلات قوىً جديدة واولويات مختلفة، تعلن عن نفسها عبر ظواهر لم تكن موجودة من قبل، اهمها وأعمقها ما وصل اليه الوضع الإسرائيلي على خريطة الحاضنة التقليدية للقضية الفلسطينية وهي الحاضنة العربية، فلم تعد إسرائيل وفق المعادلات الجديدة عدواً بل قوة مرشحة لدور شريك فعال في المسارات والمآلات، وهذا له ثمن فلسطيني.
ان كل ما تقدم وهو مختصر الى اضيق نطاق، يفرض على الفلسطينيين قبل غيرهم قراءة الوضع الجديد بشفافية وموضوعية، من اجل التعامل معه والتأثير فيه، فحين تتغير المعادلات ومواقع القوى، فالأمر لا يحتاج الى التمسك العنيد بالقواعد القديمة للعبة والتمترس وراءها، بينما اللعبة الجديدة تسير الى اتجاه آخر، وقد نكتشف بعد فوات الأوان اننا وحدنا من بقي داخل السجن القديم، المبنية جدرانه وقضبانه واقفاله من شعارات وادبيات المرحلة المنقرضة.
ما هي الأولويات المنطقية التي ينبغي تمحيصها واعتمادها؟
منطلقين من بديهية وطنية لا جدال عليها، وهي التمسك بالحقوق الوطنية الفلسطينية كما يعتنقها الشعب الفلسطيني، ويقر بها القانون الدولي، وكل ما نجتهد فيه يتعلق بالرؤى والوسائل وليس بالهدف، فالهدف الاستراتيجي الذي لا نكوص عنه، هو قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وحل جميع قضايا الوضع الدائم وفق القرارات الدولية ومبادرة السلام العربية.
الحمايات السياسية للحقوق الفلسطينية يوفرها أولا واساسا الشعب الفلسطيني، ويدعمه في هذا المخلصون في صداقته والايمان بعدالة قضيته في جميع انحاء العالم، وربما يكون هذا هو المتوفر حتى الان بقدر كافٍ، الا ان ذلك يحتم الإسراع في تمتين وتعميق الحمايات الوطنية للحقوق، وهذا كان متوفرا وبفاعلية مشهودة حين كانت الحركة الوطنية الفلسطينية قوية بمؤسساتها وبالانخراط الشعبي الواسع في هياكلها السياسية والنقابية والاجتماعية.
الواقع الراهن يظهر توجها خطراً الى العكس، فهنالك غياب يكاد يكون تاما لدور وفاعلية المؤسسة الأهم في الحياة الوطنية الفلسطينية وهي منظمة التحرير، فمنذ تأسيسها وكان لمصر وللزعيم الراحل جمال عبد الناصر، باعا طويلا في رعايتها وفتح الأبواب امامها، من منطلق أهمية ان يأخذ الشعب الفلسطيني دوره الطليعي في العمل القومي من اجل التحرير، ومنذ ذلك الوقت تكرست المنظمة ليس كمجرد إطار وطني مدعوم عربي ودولي، بل كوطن سياسي للشعب الفلسطيني ومرجعية شرعية لقراراته الأساسية باي اتجاه يتفق عليه.
في كل حالات المد والجزر السياسي والعسكري والديبلوماسي، كانت منظمة التحرير القوية هي الضمان الوطني لبقاء الحالة السياسية الفلسطينية على قيد الحياة والعمل، وكان خطأ استراتيجيا ان تهمل منظمة التحرير بمجرد قيام السلطة الوطنية، ذات الصلاحيات المحدودة، وبهذا الإهمال فقدت الحركة الوطنية الفلسطينية ظهيرها المضمون والمأمون والقوي، لمصلحة رهان مطلق على احتمال تطور السلطة لتصبح دولة.
لم يكن رهانا مضمونا لأن لإسرائيل وامريكا حضورا صار مؤثرا بحكم الاتفاقيات وبحكم القوة في امر المنح والمنع، في كل ما يتعلق بالسلطة ومصيرها ... اذا لا مناص اذا ما اريد فعلا الخروج من المأزق الراهن، من ان تعاد منظمة التحرير الى وضعها الطبيعي، كاطار ومرجعية وحاضنة، وهذا متاح الآن رغم معارضة قوىً من معسكر منظمة التحرير، الا ان هذه القوى لا تكتفي بتسجيل موقفها بل تصر على استخدام حق النقض على أي قرار بما في ذلك بث الحياة في مؤسسات المنظمة، واهمها برلمانها المعترف به وطنيا وإقليميا وعالميا، بما هو اقوى بكثير من الاعتراف بالسلطة الوطنية.
الاجراء العملي لذلك يمكن ان يتم على النحو التالي:
أولا: يقوم السيد الرئيس محمود عباس بوصفه رئيس منظمة التحرير، بدعوة المجلس الوطني الفلسطيني للانعقاد بتاريخ محدد وقريب، ولنفترض بعد ثلاثة أشهر من الوقت الذي يعلن فيه القرار اما باسمه او باسم اللجنة التنفيذية او المجلس المركزي واي من الصيغ الثلاثة يفي بالغرض.
ثانيا: ومع هذا القرار تتشكل لجنة وطنية عليا برئاسة رئيس المجلس الوطني، ومعه هيئة رئاسة المجلس، ومن تراه ضرورياً من أعضاء المجلس ورؤساء اللجان، للعمل على تأمين حضور جميع القوى السياسية الفلسطينية للدورة العادية العتيدة، وفق القواعد المعمول بها تقليديا في تشكيل المجالس وكيفية مشاركة القوى.
ثالثا: يتولى المجلس بوصفه اعلى سلطة شرعية ومرجعية فلسطينية تشكيل لجنة وطنية تشارك فيها كل الاطياف السياسية والاجتماعية، لمعالجة ملف الانقسام ومغادرة الصيغة القديمة التي ثبت فشلها، صيغة الحوار الثنائي بين فتح وحماس.
رابعا: النصاب المعتمد لعقد المجلس هو النصاب القانوني حسب نص النظام، وفي حال مقاطعة بعض الفصائل وهذا غير مستحب بالقطع، الا ان كل فصيل لابد وان يتحمل تبعة قراراه وليس الشعب الفلسطيني بأسره.
خامسا: ومن اجل توفير مزيد من المصداقية والشرعية، يتولى المجلس الوطني بوصفه المرجعية الأعلى للسلطة الوطنية، مسؤولية تحديد موعد للانتخابات الرئاسية والتشريعية، والمصادقة على موعد تبادر به اللجنة التنفيذية او المجلس المركزي بهذا الخصوص، وتنبثق عن المجلس لجنة من بين اعضاءه تتولى العمل مع لجنة الانتخابات المركزية، لتأمين أفضل فرص النجاح للانتخابات، بمشاركة أوسع الفعاليات الوطنية ان لم تكن جميعا.
مصر والأردن والسعودية
في وقت سابق تسربت اخبار عن مبادرة عربية حسنة النية، لترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني، لم تعلن رسميا لذا لا يتحمل أي طرف المسؤولية عنها، فلنترك هذه الواقعة خلف ظهورنا، واقترح جهدا من هذه الدول الأساسية باتجاه تمهيد الطريق امام عقد المجلس الوطني، بما في ذلك المساعدة بالمشورة الأخوية على حل مسألة الزمان والمكان وتذليل المعوقات من أي جهة جاءت.
ان استعادة مكانة منظمة التحرير هي مصلحة فلسطينية أساسية، ومصلحة عربية حيوية، ولهذا الهدف الملح أبواب شرعية ومنطقية، ندعو كفلسطينيين العرب لمساعدتنا من خلالها، وقد يقول قائل ان المجلس الوطني فقد اعضاءً كثيرين بفعل الوفاة والمرض، الا ان الاصح ان هذا المجلس ما زال يحتفظ بشرعية ثمينة هي الأعلى والاهم في الحياة الوطنية الفلسطينية، وللفلسطينيين باع طويل في تعويض المتوفين، وترميم أي خلل يظهر على صعيد الأعضاء والمؤسسات، واضعين في الاعتبار ان من حق المجلس الوطني بعد الترميم، ان يقرر إعادة تشكيل نفسه وفق القواعد التي شكلت عليها المجالس الوطنية المتعاقبة، واضعين في الاعتبار كذلك التطور الجديد القاضي بانتخاب أعضاء المجلس مباشرة من قبل الشعب الفلسطيني حيث ما امكن ذلك.
أخيرا... في بيروت حدثت تجربة كرست الشلل واستحالة التوافق على صيغة عملية بسبب استحضار عناصر المعادلة المنتهية، وفرضها على الوضع الجديد، وما حدث في بيروت يصلح لأن يكون محفزا باتجاه قرار عاجل لعقد المجلس الوطني في جلسة عادية وبنصاب قانوني، وهذا متاح بنسبة عالية في هذا الوقت بالذات اذا ما توفرت الإرادة السياسية، ومنطقيا يجب ان تكون متوفرة بحكم الحاجة والضرورة والمسؤولية، فان لم تنتج المرحلة حلا سياسيا ينشده الفلسطينيون ويقبلون به، فلتنتج استعادةً لنظام سياسي يشكل حاضنة للحقوق وللحركة الوطنية المناضلة من اجل بلوغها.
والله من وراء القصد