أقلامٌ مبللةٌ بالحِبرِ!بقلم م . زهير الشاعر

السبت 05 أغسطس 2017 10:47 ص / بتوقيت القدس +2GMT
أقلامٌ مبللةٌ بالحِبرِ!بقلم م . زهير الشاعر



منذ أن بدأت يداي تمسك بالقلم لتخط كلماتها الإعلامية وتلاحق الحدث الفلسطيني والعربي والإقليمي والدولي خلال السنوات الماضية حتى يومنا هذا، لتعطي صورةً تحمل معها الأمل ، بالرغم من همجية الأحداث التي لابد من التعاطي معها بشفافية وبعيداً عن المجاملات، مما غلب على مجملها طابع القسوة في كثير من الأحيان، ولكن ذلك كان يجيئ في سياق وضوحها ومصداقيتها وعدم الالتفاف على قيمة وأهمية عرض الحقيقة كما هي مهما كانت، وبدون رتوش مهما كلف الأمر من وراء ذلك.

هذا بدون أدنى شك خلق حالة من الثقة بين صاحب القلم  الذي لم يعتاد صاحبه على  أن يعرضه للبيع أو يسلمه لأحدٍ ليملي عليه فكرته التي يخطها، وبين القارئ الذي تنوع مستواه الثقافي ليشمل جميع الفئات القارئة من المثقفين والمهتمين ، وبات الكثيرون يتابعون الكلمات التي يخطها هذا القلم بشغفٍ واهتمامٍ، وذلك من شتى أرجاء الدنيا.

من هنا أود الإشارة إلى أنني تعودت على أن أخط كلمات مقالاتي بشكل عام، متدرجاً بسرد نقاط موضوعاتها حتى أوصل لجوهر الموضوع بشكل خاص ، وذلك بهدف تحريض القارئ كإنسانٍ لأن يعي قيمة الحياة البشرية أولاً، بغض النظر عن المرجعية الدينية والثقافية والفكرية التي يعتقد بها،  كما يهمني توضيح قيمة السلام وأهميته في بناء الإنسان والارتقاء بفكره ووعيه ومكانته، وانعكاس ذلك على مساهمته في بناء مجتمعات متحضرة تُقَدِرَ قيمة الإنسان و تُقَدِرَ مكانة صاحب الرأي الحر الذي لا يترك مجالاً لأحد لأن يشتري ويبيع قلمه الذي يمثل في الأساس عنوان كرامته.

لذلك فإنني أرى أن  الكثيرين من الإعلاميين العرب هم من النماذج المثالية التي تتحدث بضميرٍ حي لنقل صورة الواقع النقي بدون تشويش، هذا من أجل الانتقال إلى وصف المراحل الإيجابية التي تصنع الأمل للشعوب، وذلك بحبرٍ نقي لا تلوثه الدماء التي تنتجها أقلام موجهة ورخيصة ومأجورة تساير أجندات الموت التي هدمت الأوطان ودمرت البلاد وحطمت الإنسان لصالح فئات منتفعة من تحقيق أهدافٍ أنية قذرة لا قيمة لها مع مرور الزمن.

هي أقلامٌ مبللةٌ بالحبر تعبر عن صاحب القلم وفكره ، لا بل تعبر عن مكانته الاعتبارية وإيمانه بمبادئه وقيمه ، هي أقلامٌ مبللةٌ بالحبر الذي يخط كلماتٌ تَنتِزُعُ الشر العام لتُسكِنَ مكانه الخير بكل مقوماته الإنسانية والحياتية ، هي أقلامٌ مبللةٌ بالحبر لتصنع حوارٍ بناء بين مختلف الثقافات والمعتقدات والديانات وتبني جسور حياة تكون مرتكزة في جوهرها على فكرة الإيمان بقيمة التعايش الإنساني.

هي أقلامٌ مبللةٌ بالحبر جاءت في ظل تسارع وتيرة حالة التخبط القائمة في الساحة الفلسطينية بشكلٍ خاص، وبروز عدة تطورات متلاحقة سخرتها الأطراف المتصارعة في هذه الساحة الأكثر أهمية وتعقيداً في العالم كل حسب مصلحته ، فأصبحت بوابة الصراع بينهم مفتوحة بلا شعورٍ بالمسؤولية، وبلا أخلاقٍ في غالب الأحيان ، وهي باتت في طريقها لأن تصل لمرحلة متقدمة، ولربما إن لم يتم لجمها في وقتٍ قصير ستصل في الأيام القادمة إلى أوجها، وتصبح دموية، حيث وصلت الخصومة الفاجرة إلى مرحلة كسر العظم بالفعل وذلك بدون رحمة.

من هنا نريد أن نسرد الأمور كما نراها أو كما نقرأها من وجهة نظرنا ونظر الآخرين من المراقبين، حيث يقول البعض بأنه قد لوحظ في الفترة الأخيرة وعلى لسان أحد الزائرين لمقر المقاطعة في رام الله والمصلين إلى جانب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتي لا زالت تمثل حالة الجدل القائمة وتتجه إليها الأنظار مترقبة لحظات مفاجئة ، بأن هناك حالة استعداد صامتة في هذه المقاطعة للرحيل فور بروز أي مؤشراتٍ مفاجئة لبداية نهاية المرحلة التي يظن البعض بأنها أصبحت قريبة جداً.

لكن الحقيقة تقول غير ذلك بأن كل ما قيل في هذا السياق لا زال  مجرد تكهنات، وأن الأمور بالرغم من غموضها إلا أنها لا زالت متماسكة ، ولكن هذا لا ينفي بأن أهدافها تتقاطع بين الحين والأخر ما بين أصحاب المصالح من المحيطين بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذين يترعرع الكثيرين منهم على روح الإشاعة وما ينجم عنها خدمةً لمصالحهم من ناحية، أو أولئك الذين يعيشون في حالة خصومة واضحة وصلت إلى مرحلة إما أن نكون أو لا نكون ، وبالتالي كل شئ بات مفتوح وكل شيء ممكن أن يصبح مباح في اية لحظة من ناحيةٍ أخرى!.

لذلك ومع أحداث المسجد الأقصى الأخيرة وما صاحب ذلك من مشاهدٍ وحدوية غير مسبوقة في صفوف الشعب الفلسطيني ، وما تلى ذلك من جريمة قتل في العاصمة الأردنية "عمان"، أغضبت نتائجها الشارع الأردني، مما حذا على ما يبدو بالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بحكمته وهو المعروف عنه حسه القومي والوطني، واستشعاره للمخاطر التي تحيق ببلاده وبالمنطقة والتحديات التي تواجهها ، إلى أن يُقَرِر القيام بزيارة وصفت بالهامة إلى رام الله للقاء مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي لم يغادر المقاطعة منذ أن أعلن عن قطع التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي، وما تلى ذلك من أزمةٍ صحية عارضة تعرض لها وعلى ما يبدو بأنها كانت سبباً أخراً لعدم مغادرته رام الله كما إعتاد طوال فترة رئاسته.

هذا الأمر بلا شك خلق حالة من اللغط والتوقعات الكثيرة والتفسيرات التي فتحت الأبواب على مصراعيها ، منها على سبيل المثال بأن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني سيصل إلى رام الله يوم الإثنين الموافق 7 أغسطس 2017 وذلك لاصطحاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس معه على متن طائرته الملكية وذلك من أجل عمل فحوصات طبية شاملة أكثر دقة للاطمئنان على صحته مدعين بأن طبيبه الخاص لم يعد يفارقه طوال الوقت في إشارةٍ إلى أن صحته لم تعد على ما يرام، وفي تقديري أن هذه الرواية ليست صحيحة بالكامل، وإن صحت بعض الشيء ، فالأمر لا يحتاج لهذا السيناريو وهذه الزيارة لهذا الغرض فقط!.

كما أن هناك رواية أخرى تتحدث عن النية لخروج آمن بشكلٍ نهائي يستبق تسليم سلسل للسلطة لرئيس جهاز المخابرات العامة اللواء ماجد فرج كونه الشخصية الاعتبارية المناسبة التي تحظى بالثقة الكبيرة والكاملة لدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس وتمثل صمام الأمان مستقبلاً بالنسبة إليه وبالنسبة للقائمين على حكم السلطة حالياً ، وذلك للانتقال بالمرحلة الانتقالية بشكلٍ آمن ومستقر إن حدث ذلك، وفي تقديري أيضاً أن هذا الأمر ليس وارداً بهذا الشكل على الأقل!.

لكن هناك روايات أخرى في سياق تقديرات أكثر مهنية لربما تكون أكثر دقة، وهي أن هذه الزيارة التي تُعَد الأكثر أهمية في تاريخ العلاقات الأردنية الفلسطينية كونها جاءت في وقت حرج للغاية بالنسبة للقضية الفلسطينية بمجملها وتحمل معها عدة أهداف :

أولا : أن زيارة  العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ليس لها علاقة بصحة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي ظهر بصحةٍ جيدة، ولكنه يحمل معه رسائل سياسية إقليمية واضحة على شكل أسئلة تحتاج إلى أجوبة واضحة لا لُبسَ فيها وذلك من القيادة الفلسطينية، ستُحَدِد شكل المرحلة المقبلة بالنسبة للقضية الفلسطينية والعلاقة مع العالم العربي ومع قطاع غزة بالتحديد، ولربما تكون أكثر الأسئلة إلحاحاً التي تحتاج إلى أجوبة واضحة ، هي موقف القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس من مطالب اللجنة الرباعية العربية خاصة فيما يتعلق بالمصالحة الفتحاوية الداخلية بما فيها مع عضو المجلس التشريعي محمد دحلان وانعكاسات ذلك على المصالحة الفلسطينية بشكل عام وإنهاء الانقسام في إطار الموافقة الصريحة والمُلزِمَة على تحديد موعدٍ لانعقاد الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبرلمانية أو رفض ذلك كلياً.

ثانياً : أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني يريد من وراء هذه الزيارة تطييب خاطر أبناء شعبه الأردني أولاً، وذلك بإرساله رسالة للداخل الأردني تتعلق بمكانة القدس والمسجد الأقصى لديه ولدى الأسرة الهاشمية بشكل خاص ولدى الأردن والأردنيين بشكل عام، ولربما يقوم بالتوازي مع ذلك بتسليم قيمة المبلغ الذي أُعلِنَ عن التبرع به لصالح المسجد الأقصى وهو مليون دينار أردني وذلك في خطوة لها دلالاتها وأهميتها وانعكاساتها الإيجابية على الشارع الأردني.

أخيراً،  في تقديري أن الأيام القادمة ستكون حبلى بالكثير من المفاجآت والأحداث ولربما يكون هناك قرار بالأمر الحاسم جداً لتحديد شكل العلاقات الوطنية الفلسطينية المستقبلية بين شطري الوطن، خاصة أن موقف القاهرة وهو موقف جوهري لا يمكن الاستهانة به أو تجاهله ، وموقف اللجنة الرباعية العربية، ثابتٌ وصلب ، وأنه مع اقتراب موعد افتتاح معبر رفح البري ما بين جمهورية مصر العربية التي ترى في قطاع غزة خاصرتها الاستراتيجية الأكثر أهمية سياسياً واقتصاديا وأمنياً واجتماعيا، سيختلف المشهد الفلسطيني برمته، ولذلك بات الأمر على المحك بالنسبة للقيادة الفلسطينية الذي بات مطلوب منها موقفاً واضحاً وصريحاً وعملياً، وهي التي بدورها تدرك بلا أدنى شك أهمية قطاع غزة ومعنى اضطراره للانفصال عن المشروع الوطني نتيجة الحصار الهمجي والإجراءات الغير الإنسانية التي تنفذ ضد أبنائه ، ومخاطر ذلك على استقرار الضفة حتى لو كان ذلك مؤقتاً، لأن الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع سيرفض في النهاية أي توجهٍ من هذا القبيل ولن يسكت على تنفيذه أو على من يدفع بتنفيذه طويلاً!.

لذلك، إما سيكون هناك قرار واضح بالاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية متفق عليها وتلبي المطالب الدولية بشكل مُلزم لجميع الأطراف ، وإدراكاً لضرورة حل كل الخلافات القائمة واحتواء المخاطر الناجمة عن التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية برمتها ، وإما ستكون النتيجة الحتمية هي انفصال قطاع غزة مالياً وسياسياً واقتصاديا ووظيفياً وعلاقات دولية، وهذا بدون أدنى شك سيكون له تبعات بالغة السلبية والخطورة على استقرار الضفة الغربية التي في تقديري لن تحتمل طويلاً خروج قطاع غزة من المعادلة الوطنية!.

تنويه : في تقديري أنه لغة التهديد بتجويع أبناء قطاع غزة الذين تمسكوا بقيمهم ومبادئهم ، لدفعهم لأكل بعضهم البعض من خلال الإصرار على دفعهم للاقتتال والتصادم الدموي، لم تعد مجديةً، لأن ذلك لن يحصل مرة أخرى!، ومن يراهن عليه هو أبله وجاهل ومعدوم الضمير ولا يتعلم من التاريخ ، لأن أهل قطاع غزة لهم طبيعة خاصة تجعلهم يتكاتفون في الشدائد مهما بلغت قسوتها ، وهم صبورين ويتحملوا الكثير لكنهم لا ينسون من يحسن أو يسئ إليهم ، لذلك هم لن يقتتلوا مهما بلغ حجم الضغوطات عليهم والتحديات التي تواجههم!.